زرداري باكستان يستخف بشعبه وينحني أمام الأجنبي
30 محرم 1430
علي مطر

لا يمكن فهم ما يقوم به رئيس باكستان الحالي الذي تشهد تقارير طبية كثيرة أنه مصاب بأزمة عقلية لا تؤهله لاستلام منصب هام كالذي يحتله ولا أدل على ذلك من قيامه وبمجرد استماعه لمكالمة هاتفية من كوندليزا رايس بإصدار أوامره إلى قائد جهاز الاستخبارات العسكرية (الآي إس أي) للانطلاق إلى نيودلهي وتقديم صنوف الولاء لهم بعد هجمات مومبي الأخيرة ما أثار حفيظة قيادة الجيش، وأدى لتدخلها لتصحيح الأوضاع ومنع الانصياع لهذه الأوامر الصادرة عن أعلى سلطة في البلاد.


إن ما يمكن أن يقدم عليه الرئيس الباكستاني من أفعال هي أمور عصية على الفهم وتبعث على الحيرة والاستغراب، فكلما ظن شعب باكستان أن الرئيس غير قادر على السقوط إلى درجة أسفل مما هو عليه، فاجأهم ونزل إلى ما هو أقل من الحضيض. ومن ذلك أن نشهد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، وهو يقدم وسام من فئة الهلال (الذي يأتي في الدرجة الثانية بعد فئة وسام نيشان من بين الأوسمة الباكستانية) إلى ريتشارد باوتشر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون جنوب آسيا خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها لباكستان مطلع العام الجديد في حين أن شهرته الوحيدة التي اشتهر بها هي أنه قام بأكثر عدد ممكن من الزيارات إلى إسلام آباد لهدف وحيد وهو إرغام الدولة الباكستانية على الخضوع للإملاءات الأمريكية.


إن منح ريتشارد باوتشر هذا الوسام يعني بما لا يدع مجالا للشك أن حكام باكستان يصفعون أبناء شعبهم على وجوههم الواحد تلو الآخر، ذلك أن باوتشر يمثل الإدارة الأمريكية التي ترسل الطائرات بدون طيار لتقتل أبرياء من شعب باكستان في منطقة القبائل بدون توقف وبدون أن تحرك الحكومة الباكستانية أي ساكن مع بروز شواهد وإشارات تؤكد أن الرئيس زرداري موافق على هذه الهجمات ومنح واشنطن موافقة ضمنية عليها.


كما أن باوتشر يمثل الإدارة الأمريكية التي تطلب من باكستان دائماً "فعل المزيد" في الحرب المجنونة ضد الإرهاب والتي لم تترك أي مجال للاستقرار أو الهدوء في مدن باكستان وفتحت المجال على مصراعيه لتعريض مواطنيها لأشكال مختلفة من الهجمات والتفجيرات التي تستعر نارها مع مرور الوقت. الحرب التي جاءت بها واشنطن ضد الإرهاب أدت إلى انتشار العنف في مدن باكستان وإلى دخول فئات الشعب الواحد في نزاعات ضد بعضهم البعض. باكستان كادت أن تتخلص والى غير رجعة من الصراع الطائفي الذي احتدم في التسعينات ولكن الولايات المتحدة جلبت لها صراعات من أنواع جديدة بعد هجمات 11/9. إذن ما هو السبب وراء منح وسام باكستاني من جانب الرئيس الباكستاني إلى ريتشارد باوتشر؟ هل هي مكافأة له على قيام جنود بلاده بقتل الباكستانيين في شريط القبائل الحدودي؟ أو لقيامه بدعم مخطط يهدف إلى المزيد من إضعاف باكستان؟ او قيامه بوضع مواطنين باكستانيين في معتقل غوانتنامو وغيره من السجون الأمريكية المنتشرة في بقاع الأرض ويزعم البعض أنها موجودة في باكستان أيضا، أو لإرغامه القيادة الباكستانية على قتل وتعذيب رعاياها وتسليم من أرادته منهم واشنطن لها؟ أو لإرغامه للقيادة السياسية الباكستانية الحالية على الانصياع للطلبات الهستيرية التي تصدر عن قيادات الهند بعد هجمات مومباي.


باوتشر لم يأتي لباكستان في هذه المرة إلا بصفته مسؤول أمريكي بل جاء بصفة مبعوث للهند يحمل مطالبها لباكستان ويستغل نفوذه كمسؤول أمريكي لإرغام القيادة السياسية (الضعيفة) في باكستان على الانصياع لهذه المطالب وما على الشعب الباكستاني والحال هذه إلا أن يتلقى المزيد من الصفعات من قيادته. جاء ليرغم باكستان على القبول بملف مومبي الذي سلمته لها نيودلهي، أن تقبله بدون أن تقدم تجاهه أي تساؤل أو احتجاج، وبدلاً من أن يجيبه الرئيس آصف زرداري بما يستحق فإنه قام بمكافأته بمنحه وساماً رسمياً رفيعاً. السبب واضح لمثل هذا السلوك غير السوي وهو غياب المؤسسات القوية وعدم استقلالية السلطة القضائية ووصول الرئيس الحالي إلى الحكم نتيجة لوقوع حادثة لم تكن متوقعة هي اغتيال زوجته بينظير بوتو والا لما كانت له من حظوظ للارتقاء إلى هذا المنصب. هذا ما يقوله اعتزاز أحسن القيادي البارز في حزب الشعب الباكستاني والذي انشق عن قيادة زرداري للحزب لأنه لم يقم بالوفاء بوعوده الخاصة بإعادة قضاة محكمة باكستان العليا الذين عزلهم الديكتاتور السابق مشرف إلى مناصبهم. لا يمكن بطبيعة الحال لزدراري أن يعيد هؤلاء القضاة الى مناصبهم لأن أول ملف سوف يفتحونه هو ملف القرار الدستوري الذي اقره الرئيس السابق مشرف واطلق عليه اسم المصالحة الوطنية والذي بموجبه تمكن زرداري وبينظير وغيرهم من قادة حزب الشعب من الغاء جميع قضايا القتل والفساد والرشوة والعمولات المالية المرفوعة ضدهم بمحاكم باكستان وتمكينهم بذلك من العودة من منفاهم الى باكستان.. فتح هذا الملف سيعيد هذه القضايا من جديد وسيلهب الملاحقات لتنهش زرداري.


الهنود يرسلون شريكهم باوتشر الى باكستان بطلبات الانصياع ورئيس باكستان يرد عليه بوسام شرف لا يملك هو تقديمه ولا يستحقه ذاك لانهما لم يرعيا حرمة لمصالح باكستان العليا وسيادتها وتكامل ترابها الوطني والاهم من هذا كله حرمة دماء ابناءها وحقهم في اتخاذ ما يريدونه من سياسات خاصة بهم لا يتم املاؤها عليهم من هذا الجانب او ذاك. بوسع باكستان ان تقبل ملف مومبي ولكن بدون ان تظهر قيادتها بمظهر المدافع عن نفسه او بموقف اعتذاري. ومن ثم يتم بحث الملف للتحقق مما ورد فيه ويرسل فريق تحقيق باكستاني الى مومبي للتعرف عن كثب على الحقائق وللتاكد من انها حقائق وليست تلفيقا. ان الاصرار الهندي على اتهام باكستان – او جهاز استخبارت باكستان العسكري – بالتورط في هجمات مومبي لم يتوقف او يهدأ وإصبح الإصرار سمة من سمات الاستراتيجية الهندية في التعامل مع القيادات الباكستانية المتساهلة في الدفاع عن حقوق وطنها، لماذا؟ لانها تتبنى مبدأ الاعتدال وترغب في ان تحصل على هذا اللقب باي طريقة وفي ان تسمع الامريكان والهنود يصفونها به. فبدلا من ان تدافع القيادة عن شعبها فانها تسحقه بالضغوطات والصعوبات الاقتصادية وتستخدم الاجهزة السياسية والامنية المتاحة لها لاخضاع من يخالف سياستها ويخالف اعتدالها المذموم.