حادثة سرية عبدالله بن جحش وتبعات حرب غزة

يقول سيد قطب رحمه الله عند تفسيره لآية سورة البقرة رقم 217 التي نزلت بسبب حادثة قتل سرية عبدالله بن جحش لعمرو بن الحضرمي قال عن مشركي قريش: هؤلاء قوم طغاة بغاة معتدون. لا يقيمون للمقدسات وزناً، ولا يتحرجون أمام الحرمات، ويدوسون كل ما تواضع المجتمع على احترامه من خلق ودين وعقيدة. يقفون دون الحق فيصدون الناس عنه، ويفتنون المؤمنين ويؤذونهم أشد الإيذاء، ويخرجونهم من البلد الحرام الذي يأمن فيه كل حي حتى الهوام!.. ثم بعد ذلك كله يتسترون وراء الشهر الحرام، ويقيمون الدنيا ويقعدونها باسم الحرمات والمقدسات، ويرفعون أصواتهم: انظروا ها هو ذا محمد ومن معه ينتهكون حرمة الشهر الحرام!

 

نعم كما قال سيد قطب رحمه الله هذا هو أسلوب المشركين قديماً وحديثاً يفعلون الطامات ثم هم يقيمون الدنيا ويقعدونها إذا زل المسلم أو وقع في خطأ ما، ولا عجب أن كان هذا هو أسلوب المشركين فهم أعداء الأمة وهو مما يتوقع منهم دائماً، ولكن يحز في قلب المسلم أن ينتهج هذا الأسلوب بعض المسلمين بل من المشايخ وطلبة العلم يسكتون عما يحدث في الأمة من فتن ومصائب وكأن الأمر لا يعنيهم ثم إذا زل مسلم غيور على حرمات الله – أو وقع في خطأ، تكلموا ووبخوا وهيجوا الآخرين وكأنه لا يوجد خطأ في زماننا إلا خطأ هذا المسكين، وغفلوا أو تغافلوا عما يرتكبه أعداء الأمة من جرائم نكراء ومكر عظيم كما قال تعالى في وصفه: { وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} [نوح: 22]. وقال تعالى أيضاً: { وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 46]، غفلوا أو تغافلوا عن هذا كله وأخذوا يبينون خطأ هذا المسلم، فمنهج القرآن هو المنهج العدل، فالله تعالى عندما قتلت سرية عبدالله بن جحش ذلك الكافر في الشهر الحرام بين الحكم الشرعي في ذلك فقال تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} أي قتال فيه أمر كبير مستنكر، ثم قال تعالى: { وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] أي الصد عن سبيل الله والكفر به والصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أعظم إثما وأشد ذنباً من القتال في الشهر الحرام، فأنتم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن الكفر بالله ومن الصد عن المسجد الحرام ومن أخراج أهل الحرم منه أكبر جرماً عند الله، فالله تعالى يأمر بالعدل والإنصاف وإحقاق الحق، ويفضح ويكشف أساليب المشركين الماكرة للنيل من الإسلام والمسلمين، فالله تعالى بعد أن بين الحكم الشرعي قطع الطريق على المشركين للنيل من الإسلام والمسلمين ورفع معنوية عباده المؤمنين الذين شعروا أنهم وقعوا فيما حرم الله بحسن نية وغيرة على الإسلام والمسلمين، فبين تعالى أنه وان وقع المسلمون في تلك المخالفة إلا أن أعداءهم المشركين وقعوا فيما هو أشد مما وقعوا فيه، فكان أسلوب القران هو تبيان الحكم الشرعي مع قطع الطريق أمام المغرضين للنيل من الإسلام والمسلمين، ثم واسى المؤمنين المجتهدين الحريصين على طاعة الله ورفع معنوياتهم، وفضح ما يصبوا إليه المشركون من الحرص على قتال المسلمين حتى يردونهم عن دينهم إن استطاعوا.

 

فهذا الأسلوب القرآني يعلُم المسلمين الموقف الصحيح في مثل هذه الحوادث التي تتكرر دائماً ما دام هناك صراع بين الحق والباطل، ويبين لهم سبيل الحكم والفصل بين الناس، حتى لو كان هذا الحكم بين المسلمين والمشركين، إقامة للعدل وإحقاقا للحق مع عدم إعطاء فرصة لأعداء الأمة للنيل من الإسلام والمسلمين أو تحطيم معنوياتهم.

 

فهكذا يكون موقف المسلمين الحق خصوصاً أهل العلم منهم حتى لا يكونوا عوناً للمشركين على إخوانهم المؤمنين المجتهدين أو ألعوبة بأيدي أعداء الأمة، كلما أراد المشركون او المتخاذلون أن يتكلم بعض العلماء في الدعاة اوالمجاهدين اوالمخلصين استثاروهم بإظهار بعض عيوب المسلمين.

 

فبعد غزو اليهود لإخواننا المسلمين في غزة، خرجت الجماهير المسلمة غاضبة في مظاهرات حاشدة تعبيرا لغضبهم وتأييداً لصمود أخوانهم في غزة، فخرج علينا من العلماء من يفتي بحرمة المظاهرات وإنها ليست أسلوبا شرعياً للتعبير ثم صمتوا ولم يكملوا ويبينوا خطأ الآخرين من المتخاذلين المتقاعسين والمنافقين أعداء الأمة فكانوا عوناً لاعداء الامة على اخوانهم المسلمين، فكان حري بهم أن يقفوا موقف القران في مثل هذه الحوادث وينهجوا نهجه، في تبيان الحكم الشرعي في المظاهرات وإنها ليست من أخلاق المسلمين وطريقتهم في التعبير بل هي من إفرازات الديمقراطية التي جاءتنا من الغرب ويرفضها الإسلام، ثم يقطعوا الطريق على المنافقين والمتخاذلين في تبيان تخاذلهم لنصرة إخوانهم المسلمين في غزة وفضح تعاونهم مع اليهود في إحكام الحصار على أهل غزة، حتى لا يكونوا في صف المنافقين ضد إخوانهم المسلمين، فبدأ المنافقون في ترويج مثل هذه الفتاوى والتصريحات واستغلالها في تضليل بعض المسلمين المغرر بهم وكما قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47]. فهذا هو نهج القران في مثل هذه الحوادث: تبيان الحكم الشرعي ورفع معنويات المؤمنين مع فضح أعداء الأمة وقطع الطريق عليهم في استغلال مثل هذه الحوادث او الفتاوى في النيل من الإسلام أو تثبيط المسلمين كما هو واضح في مثل حادثة سرية عبدالله بن جحش السابقة.

 

وكما حدث كذلك بعد غزو اليهود لإخواننا في غزة، ان قامت أغلب مساجد المسلمين بالقنوت في الصلوات والدعاء على اليهود بالهلاك والدمار، تعاطفاً مع إخوانهم المسلمين في غزة، فخرج علينا من العلماء أو أشباه العلماء من يفتي بخطأ تعميم الدعاء على اليهود بحجة أن هناك يهوداً غير معتدين ثم سكت ولم يبين أو يفصل، فطار أهل الزيغ والضلال والمغرر بهم من المسلمين بمثل هذه الفتاوى مستغلينها أبشع استغلال للنيل من المخلصين من المسلمين، فكان حري بمثل من يتصدر لهذه الفتاوى أن ينهج منهج القران في مثل هذه الحوادث كم قلت سابقاً وهو تبيان الحكم الشرعي في الدعاء على المشركين وتبيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه على المشركين وانه لم يكن يدعو على المشركين عامة بل على المعتدين منهم وانه يجوز لعن اليهود والمشركين لأنهم ملعونون في القران بسبب شركهم وكفرهم بالله العظيم، وإنهم مستحقون للعن بسبب كفرهم فكيف إذا أضافوا إليه الظلم والصد عن سبيل الله، وغيرها من أحكام خاصة في الدعاء على المشركين لا يسع المقام ذكرها في هذا المقال، ولكن المتصدر للفتوى عليه أن يفصل، ثم بعد ذلك يفضح اليهود ويبين جريمتهم النكراء وما فعلوه في إخواننا المسلمين في غزة من عظائم وإنهم يستحقون اللعنة والهلاك لفعلهم هذه وكل من عاونهم على ذلك من منافقي الأمة، حتى لا تستغل فتواه هذه في تثبيط الأمة في تأييدها لأخونهم المسلمين او حملهم على ترك الدعاء على اليهود المعتدين.

 

فخير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالمسلم الحق عليه أن يتهج منهج القران في مثل هذه الحوادث التي تكثر فيها الفتن ويضطرب فيها الناس، وعليه أن يتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو السبيل إلى الخلاص من الفتن واضطراب الناس.
وأنصح إخواني بقراءة تفسير سيد قطب رحمه الله لأية217 من سورة البقرة.