الفشل العسكري الصهيوني ووقف إطلاق النار الأحادي
22 محرم 1430
الهيثم زعفان

22 يوماً من العدوان العسكري الصهيوني على قطاع غزة جرب العدو الصهيوني فيها أحدث أسلحة الجيل الرابع المحرمة دولياً والتي تذيب الأجساد وتعمي الأبصار،
قتل وجرح آلاف المدنيين من الشيوخ والأطفال والنساء من وراء جدر بغاراته الجوية التي كشفت القناة العاشرة في التلفزيون الصهيوني النقاب عن أن جيش الاحتلال الصهيوني استخدم فيها نصف سلاحه الجوي، ونفذ ما لا يقل عن 2500 غارة، وألقت خلالها ـ وفقاً للمراسل العسكري للقناة الصهيونية 17يناير الحالي ـ طائراته على غزة أكثر من مليون كيلو جرام من المتفجرات (ألف طن)، بخلاف ما أطلقته المدفعية والدبابات والمشاة في الألوية البرية والمدمرات وسفن الصواريخ في سلاح البحرية الصهيونية.
وصوحب كل ذلك بجيش بري يضم أفضل ألوية الجيش الصهيوني من المظليين والصاعقة على رأسهم لواء جولاني أقوى وأشرس لواء عسكري داخل الكيان الصهيوني.
ورغم كل هذه الحشود وتلك الضربات إلا أن المقاومة الإسلامية فاجأت العالم بصمودها الباسل ومقاتلتها الشرسة ليعلن من بدايات الاجتياح البري عن قتل المقاومة لمساعد قائد هذا اللواء الجولاني وجرح قائد اللواء "الكولونيل آفي بيليد" الذي أكد من مشفاه  أن القتال في قطاع غزة ليس بالأمر البسيط، وذلك بعد نجاته من مذبحة عسكرية لبعض جنوده نجا منها بأعجوبة.
الأمر الذي دعى إلى صدور القرار العسكري الصهيوني بالتعتيم الإعلامي عن حجم الخسائر الصهيونية في الحرب على غزة.
فضلاً عن تعديل تكتيكاتها وفرارها من منازلة المقاومة الاسلامية وجها لوجه. وعلى الرغم من ذلك كانت الخسائر العسكرية الصهيونية بالميزان العسكري مذهلة.

الحصاد الميداني للخسائر العسكرية الصهيونية
( 40 قتيلا صهيونيا – 372 جريحا – 48 عملية قنص – إصابة 12 جرافة – إصابة 20 دبابة- إصابة 8 ناقلات جند- إصابة 7 آليات أخرى – إصابة 12 منزل ومنشأة- إسقاط طائرة استطلاع واحدة- إصابة 5 طائرات مروحية)، وهذه الأرقام هي المتاحة عن الخسائر الصهيونية العسكرية مع الوضع في الحسبان التعتيم الإعلامي الصهيوني، وبخاصة التعتيم عن الخسائر الناجمة عن صواريخ المقاومة داخل الكيان الصهيوني.
لكن الآن وبعد إعلان أولمرت عن وقف إطلاق النار من جانب واحد وبغض النظر عن الأبعاد السياسية للقرار وتأثيراته على أية مجريات سياسية أو قمم عربية في المنطقة هذه الأيام  فهل هناك ثمة دلائل لفشل العدوان الصهيوني العسكري على غزة؟

دلائل فشل العملية العسكرية الصهيونية على غزة

1. استمرار قصف الصواريخ على العمق الصهيوني بمعدل نسبي شبه ثابت، وبالتالي فإن الهدف الرئيسي المعلن من الحملة العسكرية الصهيونية لم يتحقق.
2. المقاومة الإسلامية نجحت في تهديدها للصهاينة بتوسيع رقعة الزيت، وذلك بقذف صواريخ إلى مدى أكثر من 50 كيلو متر وإصابة أهداف عسكرية حساسة مع اقترابها من تل أبيب.
3. دوف فايسغلاس مستشار رئيس الوزراء الصهيوني السابق أريل شارون، أعترف بأنه لا يمكن لقوات الاحتلال أن تنهي حكم "حماس" في قطاع غزة، بل الأمر صعب للغاية وغير قابل للتحقق.
4. صحيفة هآرتس العبرية قالت إن عملية "صب الرصاص" التي يقوم بها الجيش "الإسرائيلي" هي خطأ استراتيجي كبير في التخطيط فالطائرات عندما هاجمت مئات من الأهداف في أول مشاركة لها، بقصف مكثف، وعلى الرغم من ذلك لم تنجح في الهدف المحدد لها وهو القضاء على حركة حماس أو استسلامها.
5. قالت صحيفة "لونوفيل أوبسرفاتور" أن "إسرائيل" كررت نفس الأخطاء العسكرية السابقة.
6. جاء في 'نيويورك تايمز' أن "إسرائيل" أملت في حربها على غزة ان لا تشل فقط حماس بل تقوم تدريجياً بتقوية التيار العلماني على حساب التيار الاسلامي. ولاحظت الصحيفة أنه مع استمرار تساقط القنابل على غزة تتصاعد شعبية حماس التي تتزايد على حساب السلطة، التي ينظر إليها على أنها فاسدة وبعيدة عن المواطن الفلسطيني العادي.
7. الكاتب جدعون ليفي كتب في "يديعوت أحرنوت" يقول:"الهدف النهائي لإسرائيل في سياق غزة هو إجهاض وإبعاد "حماس" عن الحكم ، لكن الأمر غير قابل للتحقق بوسائل عسكرية، وهناك ضرورة لوقف الحرب على غزة باعتبارها فاشلة. ويقول "لا احد يسأل ما هو الهدف المهم والهدف الكبير الذي تم انجازه باستثناء القتل والدمار وقتل أكثر من ألف مواطن في غزة، وسقوط صواريخ جنوب إسرائيل".
8. البروفسور ريتشارد فولك، المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة يقول "إن إسرائيل تخسر المعركة من أجل الشرعية".
9. تحت عنوان درس قاسٍ لإسرائيل كتب جاكسون ديل نائب محرر صفحة الآراء بصحيفة " واشنطن بوست "الحملة العسكرية لإسرائيل في قطاع غزة تفشل، ولكن يمكن أن يكون هناك مخرج. إن الحرب ضد " حماس " تثبت  أن الحركات الدينية في الشرق الأوسط لا يمكن القضاء عليها بالوسائل العسكرية.  كان رهان إسرائيل هو أنها يمكنها أن تحد جوهريا من قدرة " حماس " العسكرية ثم تجبرها على قبول هدنة بشروط محسنة لصالح إسرائيل. ورفضت " حماس " ـ كما هو متوقع ويمكن التنبؤ به - اللعب بهذه القواعد. وحددت النصر على أنه بقاؤها ونجاتها. إن الخداع والغرور المستمر بين القادة الإسرائيليين في أن " حماس " يمكن أن تُمحى بطريقة أو بأخرى بالحصار والخناق الاقتصادي أو بقوة السلاح. لقد ابتلعت إسرائيل الطعم واختارت القتال. والآن، وقد تورطت، وتعاني من خسائر وتتسبب في المزيد منها، ينبغي أن تستقر حتى يتسنى للقادة الذين سيختارهم الناخبون الإسرائيليون في انتخابات فبراير 2009 أن يكون لديهم فرصة العمل مع إدارة أميركية جديدة على استراتيجية أكثر ذكاءً وأكثر فعالية مؤسسة على السياسة وليس القنابل.
10. وفي الصحيفة ذاتها كتب توم سجيف مقالاً حمل عنوان حرب الحماقات الإسرائيلية أوضح فيه أن معظم الإسرائيليين كانوا يعتقدون أن العملية العسكرية ستكون قصيرة وحاسمة ولكن حدث عكس ما كان متوقعاً. وفي ذات السياق كتب  إدوارد كوبر مقالاً حمل عنوان القضاء على "حماس" بالقوة المسلحة محاولة فاشلة.
11. الكاتب اليهودي دورون روزينبلم، بحسب مقالة نشرتها صحيفة /هآرتس/ العبرية الجمعة (16/1) اتهم رئيس الحكومة الصهيونية بدفع الكيان الصهيوني إلى حروب باهظة الثمن، معتبراً أن حربها الأخيرة على غزة "كانت الأغلى ثمناً، فقد ألحقت بإسرائيل ضرراً لا يمكن إصلاحه" ويشير روزينبلم، إلى الهزائم السياسية التي ُمنيت بها إسرائيل حتى الآن بسبب حربها الأخيرة في غزة، قائلا  "المشكلة ليست فقط في أولمرت، فحروبنا المتكررة التي لا نعرف كيف نقوم بإنهائها، أو ترجمتها إلى إنجازات سياسية، وفشلنا في التحدث بلغة الدبلوماسية، يشهد على إخفاق إسرائيل في التصرف، بشكل طبيعي، وفقاً لأولوياتها".
12. سادت حالة من الحذر والخوف في صفوف الآلاف من جنود الاحتياط الصهيوني بعد قرار وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك بنقل آلاف من هؤلاء الجنود المعروفين باسم (ملوئيم ) والذين تلقوا تدريبات قاسية في شمال فلسطين المحتلة بإشراف باراك نفسه على التدريبات الميدانية، إلى صفوف القوات البرية التي تواصل عدوانها في قطاع غزة. وعلق أحد كتاب صحيفة "إسرائيل اليوم" على صور التقطت لهؤلاء الجنود وهم واجمون بعبارة: "ماذا ينتظر هؤلاء هناك في غزة؟". وفي تقرير للقناة الثانية بالتليفزيون الصهيوني ظهر العديد من الجنود وهم يكثرون من الصلاة وقراءة كتبهم الدينية وهم على أرض غزة، وقال المعلق في القناة الثانية: "لا ندري هل هذه الصلاة من أجل التقرب إلى الرب أم بهدف النجاة من الموت والقتل".
13. تظاهر مساء الخميس 15/1 قبالة وزارة الحرب في تل أبيب، نحو 200 شخص من رافضي الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال وفي المناطق المحتلة والمؤيدين لهم، تضامناً مع ثلاثة من رفاقهم الذين يقبعون في السجون العسكرية في هذه الأيام لرفضهم الخدمة في الاعدون على غزة. وقال رافض الخدمة شيمري تسميرت، إن الحركة التي ينشط فيها، نجحت في تجنيد 20 ألف رسالة بعث بها إسرائيليون.
14. كشفت صحيفة غارديان البريطانية في عددها الصادر السبت (17/1)، عن شهادات لمجموعة من الجنود الصهاينة ممن رفضوا المشاركة في الحرب على قطاع غزة، ووصف جنود ما يحدث بغزة بأنه وحشي، ونقلت الصحيفة عن أحد جنود الاحتياط قوله بعد رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية، إن الجيش لا يريد أن يعترف علناً بأن هناك رافضين للخدمة في الحرب على غزة، بسبب الحرج الذي يسببه ذلك لأنه يشوه صورة "الدولة" والجيش بأنهما متحدان إزاء هذه الحرب.
15. قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، أدى إلى تزايد الاحتجاجات المعادية "لإسرائيل" فى كل بقعة من بقاع العالم.
16. ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني تعرضت لموقف يعبر عن الانطباعات الغربية الجديدة عن الكيان الصهيوني وذلك مساء الجمعة 16/1 في نادي الصحافة بالعاصمة الأمريكية واشنطن عندما تعرضت لاتهامات بالإرهاب بسبب العمليات العسكرية في قطاع غزة ووصف أحد الصحفيين لها بالإرهابية.
17. قالت تقارير اقتصادية صهيونية إن العدوان على قطاع غزة ورد المقاومة الفلسطينية بالقصف الصاروخي أدى إلى تكبيد المصانع المقامة في الجنوب خسائر مباشرة بملايين الدولارات وبعض هذه الخسائر ناجمة أساساً عن توقف الإنتاج مدة الحرب، بسبب غياب العمال من أماكن عملهم، يضاف إليها الخسائر غير المباشرة كالحاجة لتعويض الزبائن عن عدم الالتزام بتزويد البضائع في الوقت المحدد.
18. دائرة النار وبقعة الزيت التي يطالها القصف الصاروخي الذي تطلقه المقاومة الفلسطينية تضم ما يقارب 1700 مصنع، يعمل فيها ما يقارب 39.500عامل. وفي هذا السياق  فإن التقارير الاقتصادية الصهيونية تشير إلى أن قيام المقاومة الفلسطينية بتوسيع دائرة النار، أي إطلاق صواريخ ذات مدى أبعد باتجاه أسدود وبئر السبع، يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة جداً.
19. تشير التقارير الاقتصادية الصهيونية إلى أن الدخول البري لقوات الاحتلال الصهيونية إلى قطاع غزة زادت بنسبة كبيرة تكاليف الحرب، والتي اقتصرت بداية على ساعات طيران الطائرات الحربية وتكاليف القذائف. ومع دخول القوات البرية إلى قطاع غزة أضيف إليها تكاليف تفعيل القوات المدرعة وقوات المشاة والبحرية، وتكاليف الذخيرة والوقود والعتاد العسكري الذي يتضرر، بالإضافة إلى تكاليف تجنيد عشرات آلاف جنود الاحتياط. وتشير التقارير إلى أن معدل تكلفة تجنيد جندي احتياط لليوم الواحد يصل إلى 450 شيكل، بدون الأخذ بالحسبان التكاليف العسكرية الخاصة به مثل الطعام. وتصل تكلفة استدعاء 10 آلاف جندي احتياط إلى 4.5 مليون شيكل في اليوم الواحد، وبالنتيجة فإن التكلفة تصل في عشرة أيام إلى 45 مليون شيكل. وتجنيد 50 ألف جندي احتياط لمدة مماثلة يجعل التكاليف تصل إلى 225 مليون شيكل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تشتمل التكلفة الاقتصادية من جهة الانتاج، وذلك بعد استدعاء 50 ألف جندي من أماكن عملهم.
20. ويضاف إلى هذه التكاليف معطيات مدنية مهمة، وهي الخسارة في الناتج الاقتصادي بسبب الحرب، بالإضافة إلى تكاليف الأضرار المباشرة وغير المباشرة للجبهة الداخلية.
21. تشير التقارير، بسبب التكلفة الاقتصادية للحرب، إلى المخاوف من خسارة الناتج الاقتصادي بسبب وقف العمل في المناطق التي تتعرض للقصف، وبسبب التجنيد الهائل لجنود الاحتياط. وللتوضيح فإن خسارة 1% من الناتج الاقتصادي اليوم يعني خسارة تصل إلى 7 مليار شيكل. كما أن تراجع الناتج الاقتصادي يعني أيضاً تراجع مدخول الدولة من الضرائب أيضاً، ويتحدث اقتصاديون صهاينة عن خسائر مالية قد تصل إلى 10 مليارات شيكل، وتشير التقديرات الاقتصادية إلى أن التكلفة اليومية للحرب قد تصل إلى 130 مليون شيكل في اليوم وتشمل تجنيد الاحتياط وتكلفة العتاد العسكري.
22. وتضيف التقارير الاقتصادية أن تمويل الحرب سيكون من ميزانية العام 2009، بمعنى أنه لن يكون هناك زيادة في ميزانية الأمن. وستضطر الحكومة إلى عرض ميزانية 2009 على الكنيست، وعلى ما يبدو سيكون هناك عجز في الميزانية قد يصل إلى 5% من الناتج القومي، أي ما يقارب 35 مليارشيكل. وعليه فإن تغطية تكاليف الحرب سيضطر الحكومة إلى تقليص ميزانية الوزارات الاجتماعية وزيادة العجز في الميزانية في السنوات 2009، و 2010، و 2011.
23. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الولايات المتحدة قد دأبت على تقديم مساعدات خاصة للكيان الصهيوني في أعقاب مصاريف أمنية غير عادية. بيد أن التقارير الصهيونية تشير إلى أن هذه الأيام قد ولت. واستبعدت أن يتم تقديم طلب رسمي للولايات المتحدة وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الأخيرة، وفي ظل الإدارة الأمريكية الجديدة.
هذه بعض المؤشرات الدالة على الفشل العسكري الصهيوني برؤية عقول استراتيجية غربية ويهودية، الأمر الذي توج بإعلان رئيس الوزراء الصهيوني بوقف إطلاق النار من جانب واحد معلناً بذلك هزيمته العسكرية أمام المقاومة الإسلامية في غزة ودون تحقيق أي هدف عسكري لعدوانه على غزة.