21 محرم 1430

السؤال

كيف استفيد من أحداث غزة في مناهجنا التربوية النظرية والتطبيقية ؟
نرجو توضيح ذلك مشكورين

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

لايملك أحد من المسلمين اليوم يعلم بما يحصل لإخوانه إلا أن يتقطع حسرة وألما , وتذرف عيناه الدمع هملا متكاثرا , وتذوب كبده حزنا وضيقا على أطفال برءاء يقتلون بدم بارد , ونساء يشردون , وشيوخ يحرقون , ومستشفيات تقصف وبيوت آمنة تستباح , ومساجد تتهدم .
ولايملك مرب مؤمن أن تمر عليه تلك الأحداث بدون أن تؤثر على رؤيته النظرية والعملية لما حوله وتترك أثرا كبيرا على حياته وخطواته .
وأحببت ههنا ردا على الاستفسار أن أتوقف مع القارئ الكريم حول عدة نقاط :

أولا : ما أحب أن اسميه أهمية (التمحور حول القرآن) , والتمنهج بمنهجيته في وصف الأحداث ومتابعتها .
فإن كثيرين يرون الأحداث التي تمر علينا وغيرها بعيدا عن القرآن الكريم وتعقيبه ووصفه الرائع الخبير .
وهم في ذلك مخطئون اكبر الخطأ , فالقرآن هو منهجنا الذي إن غفلنا عنه تهنا , وإن نسينا العودة إليه ضللنا في متاهات الحياة الواسعة , وهاهو ذاك يصف لنا أخبار الأمم , وسبل التعامل في الأزمات , والمصائب والآلام , بل يصف لنا وصفا دقيقا عن حال أعدائنا وصفاتهم وتركيبهم النفسي والعملي فكيف إذن نتغافل عنه ؟
إن علينا أن نجعل أساسا من أسسنا المنهجية التربوية هو التمحور حول القرآن والعودة إليه والارتباط به , ولا زلت أذكر ما نقله الذهبي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما هو يقضي بين اثنين فإذا به يتركهم وينظر في صحف القرآن فيسألونه عن ذلك فيرد عليهم بقوله تعالى ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) وماأحب أن أهجر القرآن لرأيي بحال .

ثانيا : العودة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبتها طوال أيام العمر مشعر بقدر كبير جدا من كرامة الإسلام , وفضيلة هذا الدين , وهو مفيد أيما إفادة في أيام المحن والآلام .
فننظر كيف ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم في المحن , وكيف لم ينكسر في الأزمات , وكيف كان قدوة لغيره في كل حين , وعرض السيرة النبوية في مثل تلك الأوقات مهم للغاية ومفيد في بيان تلك المعاني التي قد نراها عمليا تتحقق أمامنا من قوم صابرين .

ثالثا : هناك معنى تربوي رفيع وهو الثقة بالله سبحانه , وهذا المعنى العبودي الكريم يغير من حال الشخصية المسلمة إلى حال راسخ جريء شجاع مهيب متوكل , فمن وثق في ربه هانت عليه المصائب وصغرت أمامه التضحيات وبزغ أمامه فجر الأمل دوما , والرسول صلى الله عليه وسلم كان واثقا بالله في كل شأنه فهو الذي قال لصاحبه ( لاتحزن إن الله معنا ) , وهو الذي ضرب صخرة الخندق وأصحابه في اشد الأزمات فخرج منها بريق فقال لهم : أعطيت كنوز كسرى , وساعتها زمجر المنافقون واشتد غيظهم فهم مع عدم ثقتهم بربهم لم يكونوا يتصورون معاني الأمل في الآفاق الشديدة الصعبة .
إن الثقة بالله تنشىء التفاؤل , وماأحوجنا في ظروفنا هذه إلى التفاؤل أن نعلمه أنفسنا ونربي عليه أبناءنا .

رابعا : يتعين في تلك الأحداث أيضا أن نعلن معاني الاحتساب في الأعمال والتضحيات , فالاحتساب يهون على النفوس البذل وييسر عليها التضحيات ويدفعها نحو مزيد من العطاء , حتى أن المؤمن يحتسب عند الله ماله وبيته وولده والمقربين إليه رغبة فيما عند الله سبحانه بل إنه يحتسب نفسه لربه عز وجل ليصل به ذلك المعنى العلوي السامي إلى الرغبة في الشهادة في سبيل الله والارتقاء إلى جوار الرفيق الأعلى يرفع راية الانتصار .