مدد من الله
3 صفر 1430
د. محمد مورو

في كثير من المعارك – التي خاضها المسلمون في عصر النبوة أو حتى بعد عصر النبوة وحتى اليوم - تكون القوى غير متكافئة.. بمعنى أن الأعداء يكونون أقوياء عددًا وعدة بالقياس إلى عدد وعدة المؤمنين، ومع ذلك ينتصر المسلمون، وهذا بالطبع بفضل مدد الله تعالى الذي يرسله الله مباشرة أو بشكل غير مباشر إلى المؤمنين، فيكون الله تعالى الذي يرسله الله مباشرة أو بشكل غير مباشر إلى المؤمنين، فيكون النصر حليفهم، وهذه الحقيقة – أي وجود مدد الله المباشر أو غير المباشر- لها أهميتها القصوَى في رفع معنويات جند المسلمين، وفي دفعهم أصلاً لخوض المعارك مع القوى الكبرى مهما كانت الحسابات المادية لغير صالحهم، وهكذا فإحساس المسلم بمدد الله أمر إيجابي على كل مستوى فهو يدفعه إلى خوض المعارك مطمئنًا وهو يدفعه إلى تحدي القوى الجبارة مهما كانت درجة قوتها، وهذا في حد ذاته كفيل بجعل المسلمين قوة ثورية كبرى قادرة على إحداث التغيير دائمًا مهما كانت موازين القوى..

 

وبالطبع يدرك المسلمون أن مدد الله تعالى لا يأتي إلى الخاملين أو القاعدين أو الكسالى أو المتراخين، وكذلك لا يأتي للذين لا يأخذون بالأسباب، ويدرك المسلمون أن لمدد الله شروطًا.. أولها الثقة بنصر الله والإيمان به، وثانيها بذل كل الجهد من استعداد وتدريب وتسليح وتخطيط وغيره من الأسباب المادية..
ولأن القوى العلمانية تدرك أهمية الإيمان بمدد الله في دفع المسلم للشجاعة والثورة والمواجهة لأنه يستند إلى أقوى الأقوياء.. الجبار فوق كل جبار.. وبالتالي فلا خوف من مواجهة أية قوة طاغية أو جبارة، ومهما كان ميزان القوى لغير صالح المسلمين. وبالتالي فإن مدد الله تعالى عامل مهم من عوامل قلقلة القوى الباغية وعدم استقراره، فإن الجهاز الإعلامي والفكري للقوى العلمانية يحاول دائمًا أن يثير الغبار ويشكك في هذه الحقيقة – حقيقة وجود مدد الله - فراح البعض يتهكم على هذه الحقيقة بدعوى أنها دعوة للتراخي وراح البعض الآخر يقول إنها مسألة رمزية!!.. وراح البعض الثالث يصف الحديث عن مدد الله تعالى بمجافاة روح العلم..·
ولا شك أن هذه المحاولة العلمانية محاولة مردودة، فمدد الله تعالى دعوة للثقة بالنفس.. أليس المسلم يستند إلى أقوى الأقوياء، وهو دعوة للأخذ بالأسباب والحسابات من كل نوع، وهو دعوة للمواجهة والثورة مهما كان ميزان القوى ومهما كان نوع القوة التي سنواجهها، وهو دعوة للحركة وليس القعود، بذل الجهد وليس الكسل، وهو أولاً وأخيرًا أمر معلوم من الإسلام بالضرورة استنادًا إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة..
يقول الله تعالى في سورة الأنفال:
]إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ _ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ _ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ _ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ[
(الأنفال –الآيات 9-12)
ويقول: ]فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[. (الأنفال 17)
وفي سورة آل عمران:
]وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ $ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنزَلِينَ $ بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ $ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[ (آل عمران –الآيات 123-126)
وإذا تأملنا سورة الأحزاب أن الآيات التي سجلت واقعة الأحزاب قد حددت معالم المدد من جميع نواحيه فهو مدد من الريح أو جنود لا نراها، ولكن هذا بعد أن يخِفَّ المسلمون إلى القتال، وبعد أن يأخذوا بالأسباب مثل حفر الخندق، ومثل استمرار ثقتهم وإيمانهم بالله رغم جحافل المشركين التي لم يكن للمسلمين قبل بها بحساب العوامل المادية وحدها، وترصد الآيات هؤلاء الذين ظنوا بالله الظنون أو هؤلاء الذين خذلوا المؤمنين عن القتال بدعوى عدم تكافؤ القوى..
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا $ إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا $ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا $ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا $ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا $ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا $ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً $ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً $ قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا $ قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً $ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا $ يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً $ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا $ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا $ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً $ لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا $ وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا[ .... (الأحزاب الآيات: 9-25)
وإذا تأملنا هذه الآيات الكريمة نجد:
-       أن مدد الله تعالى حقيقة إسلامية لا ينكرها إلا جاحد:
-   أن هذا المدد يأتي مباشرة من الله، أو عن طريق جنوده التي نعلمها أو التي لا نعلمها مثل الملائكة –الريح، الرعب في قلوب الأعداء وغيرها.
-   أنه لولا الإيمان المطلق بمدد الله تعالى لما خرج المسلمون للقتال وخاصة في غزوة خَيْبَر حيث إن القوى كانت غير متكافئة بالمرة، ولعل هؤلاء الذين رأوا عدم تكافؤ القوى وغابت عنهم الثقة المطلقة في مد الله قد عبروا عن ذلك بالقعود أو الاعتذار أو غير ذلك، وهكذا فإن الإيمان بمدد الله حافظ قوي للأخذ بالأسباب، والاستعداد للقتال، وحمل السلاح رغم عدم تكافؤ القوى، وبالتالي فهو عامل مهم من عوامل النهوض وليس العكس.
-   أنه من نافلة القول أن الإيمان بمدد الله تعالى لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب، بل الأخذ بالأسباب شرط لوصول المدد – حفر الخندق مثلاً في غزوة الأحزاب.
-   وإذا كانت الآيات القرآنية قد تحدثت عن حالات وقعت في عصر النبوة فإنها جاءت بصيغة المطلق لتؤكد أنها حالات مستمرة يمكن أن تتكرر إذا تحققت شروطها بمعنى أنه إذا كان هناك قوم يؤمنون بمدد الله ويثقون في ذلك ثقة مطلقة، وقد أخذوا بكل ما أمكن من الأسباب المادية فإن الله سوف يمدهم بمدد من عنده كفيل بتحقيق النصر مهما كانت قوة الأعداء.
ولنتأمل آيات أخرى تخصُّ حالتنا المعاصرة يقول الله تعالى:
·]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ $ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ[ ... (المائدة الآيات 51-52).
·وهذه الآيات تتحدث عن موالاة بين اليهود والنصارى وهو الأمر الذي لم يحدث في التاريخ كله الممتلئ بالعداء بين اليهود والنصارى إلا في النصف الثاني من القرن العشرين – حيث تم تفسير الإنجيل تفسيرًا معينًا لصالح دعم إسرائيل "البروتستانت"، وتم تبرئة اليهود من دم المسيح وزيارة باباوات الكاثوليك لإسرائيل.. "الكاثوليك".. وهكذا فهذه الآيات تتحدث عن واقعنا المعاصر، ولعل ما يؤكد ذلك أن بعض المسلمين اتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بدعوى أن اختلال ميزان القوى بيننا وبينهم لا يسمح إلا بهذا، أي أنهم يقولون لا نقدر عليهم، نخشى أن يدمرونا بأسلحتهم ]يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ[..
·وبالطبع فإن المؤمنين بالله الواثقين من مدده لا يستطيعون الآن أن يزعموا أنهم قادرون على هزيمة الغرب وإسرائيل عسكريًا، نظرًا لاختلال مروع في ميزان القوى، والله تعالى يطمئن هؤلاء بقوله: ]فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ[ أي عسى الله تعالى أن يتدخل بإرادته المباشرة أو غير المباشرة فيقضي على قوة الأعداء أو بنصر المؤمنين رغم اختلال ميزان القوى، وقتها يصبح دعاة التغريب نادمين على ما أسروا في أنفسهم من عمالة للغرب، أو التبشير بالخضوع له بدعوى عدم تكافؤ القوى.
والحديث عن مدد الله تعالى كما جاء في السنة النبوية المطهرة حديث طويل، وسوف نختار بعض الأمثلة الواضحة على ذلك، ففي معركة بدر مثلاً.. وفي رواية ابن اسحق قال رسول r: [أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله.. هذا جبريل آخذ بزمام فرسه يقود على ثناياه الفتح..] الرحيق المختوم للمباركفوري ص 241..
وفي رواية ابن سعد عن عكرمة قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربها، وقال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يشتد في طلب رجل من المشركين أمامه إذ يسمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله r فقال: [صدقت.. ذلك مدد من السماء الثالثة]. قال أبو داود المازني إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قتله غيري، وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا.. فقال العباس:
إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أصبح من أحسن الناس وجهًا على فرس أبلق وما أراه في القوم، فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول الله.. فقال: [اسكت فقد أيدك الله بملك كريم] المباركفوري ص 243..
"فبينما هو جالس – أي أبو لهب - إذا قال الناس هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم فقال أبو لهب: هلم إلىَّ فعندك لعمري الخير، قال فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا ابن أخي اخبرني كيف كان أمر الناس؟.. قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا.. وأيم الله مع ذلك ما لمت القوم، لقيَنَا رجالٌ بيضٌ على خيل بلق من السماء والأرض، والله ما تليق شيئًا ولا يقول لها شيء" المباركفوري في الرحيق المختوم ص 251..
"وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محض فأعطاه النبي جذلاً (عودًا) من حطب، فقال: دونك هذا.. فلما أخذه عكاشة وهزه عاد في يده سيفًا طويلاً فلم يزل عنده يقاتل به حتى قُتل أيام أبي بكر.." مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص 187..
أما في معركة أُحُد.. قال أبو طلحة "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه" الرحيق المختوم ص 307..
وكان هذا النعاس أمنة من الله. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: ] ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنْكُمْ[... (آل عمران -154)
وروى الترمذي والنسائي والحاكم من حديث حماد بن مسلم عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال: "رفعت رأسي وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميل جحفة من النعاس"..
"وأصيبت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته.. فجاء رسول الله r فأخذها وردها فعادت كما كانت ولم تضرب عليه بعدها، وكان يقول بعد ما أسنّ هي أقوى عيني وكانت أحسنهما" (إمتاع الأسماع 1/33)
وفي الصحيحين عن سعد قال: "رأيت رسول الله r يوم أحد ومعه رجلان يُقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد، وفي رواية يعني جبريل وميكائيل" صحيح البخاري 2/580
"وقال نافع بن جُبير: سمعت رجلاً من المهاجرين يقول شهدت أُحدًا فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية ورسول الله r وسطها.. كل ذلك يُصرف عنه، ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلوني على مُحمد فلا نجوت إن نجا ورسول الله r إلى جنبه ما معه أحد، ثم جاوزه فعاتبه في ذلك صفوان فقال: والله ما رأيته احلف بالله أنه منا ممنوع فخرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك.." زاد المعاد 2/97
وفي غزوة الخندق:
"إنا يوم خندق نحفر ففرضت علينا كدية شديدة.. فجاءوا إلى النبي r فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر – ولبثنا ثلاثة لا نذوق ذواقًا – فأخذ النبي r المعول فضرب فعاد كئيبًا أهيل أو أهيم (أي صار رملاً لا يتماسك) ".. زاد المعاد والبخاري 2/588
وقال البرَّاء: "لمَّا كنا يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول فاشتكينا ذلك لرسول الله r، فجاء وأخذ المعول، فقال: بسم الله ثم ضربه ضربة وقال.. الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأنظر إلى قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقطع آخر فقال الله أكبر أعطيت فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن ثم ضرب الثالث فقال.. بسم الله فقطع بقية الحجر فقال.. الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء مكاني" سنن النسائي وأحمد في مسنده
"رأى جابر بن عبد الله رسول الله r يحفر ورآه خميصًا فأتى امرأته فأخبرها ما رأى من خمص رسول الله r فقالت.. والله ما عندنا شيء إلا هذه الشاه ومد من شعير، قال فاطحني وأصلحي.. فطبخوا بعضها وشووا بعضها وخبزوا الشعير ثم أتى رسول الله r فقال: يا رسول الله قد صنعت لك طعامًا فأت أنت ومن أحببت من أصحابك.. فشبَّك صلى الله عليه وسلم أصابعه بين أصابع جابر ثم قال أجيبوا جابر يدعوكم فأقبلوا معه، فأقبلوا معه، فقال جابر في نفسه: والله إنها الفضيحة!!.. وأتى المرأة فأخبرها فقالت: أنت دعوتهم أم هو؟.. فقال: بل هو دعاهم!!.. قالت: دعم فهو أعلم، وأقبل رسول الله r وأمر أصحابه وكانوا فرقًا عشرة عشرة، ثم قال لجابر: اغرفوا وغطوا البرمة وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه ففعلوا وجعلوا يغرفون ويغطون البرمة ثم يفتحونها فما يرونها نقصت شيئًا ويخرجون الخبز من التنور ويغطونه فما يرونه ينقص شيئًا، فأكلوا حتى شبعوا وأكل جابر وأهله" صحيح البخاري 2/588، 589
"وجاءت أخت النعمان بن بشير بحفنة من تمر إلى الخندق ليتغدَّى أبوه وخاله، فمرت برسول الله فطلب منها التمر وبدره فوق ثوب، ثم دعا أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه، وجعل التمر يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وأنه يسقط من أطراف الثوب" السيرة لأبن هشام 3/ 228-229
قال ابن اسحق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظِي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان.. يا أبا عبد الله، أرأيتهم رسول الله r وصحبتموه؟.. قال: نعم.. قال فكيف كنتم تصنعون؟.. قال: والله لقد كنا نجاهد، قال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا، قال فقال حُذيفة: يا ابن أخي.. والله لقد رأيتنا مع رسول الله r بالخندق وصلى رسول الله r هويًا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظرنا ما فعل القوم ثم يرجع – يشرط له رسول الله r الرجعة – أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟.. فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلمَّا لمْ يقم أحد، دعاني رسول الله r فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حُذيفة اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يصنعون، ولا تُحدثنَّ شيئًا حتى تأتينا، قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناءً.. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه؟.. قال حُذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي فقلت: من أنت قال فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام.. لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قِدْر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فو الله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله r إلىَّ أن لا تحدث شيئًا حتى تأتيني" ثم شئت لقتلته بسهم، قال حُذيفة: فرجعت إلى رسول الله r وهو قائم يصلي في مرطٍ لبعض نسائه، مراجل. فلما رآني أدخلني إلى رجليه وخرج على طرف المرط ثم رجع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم، ولما أصبح رسول الله r انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة والمسلمون ووضعنا السلاح " السيرة لابن هشام.
 


· فعل ذلك كل من الدكتور فؤاد زكريا، فرج فودة، بخصوص الحديث عن الكرامات في حرب 1973، واعتبروا أن ذلك خرافة وأمر يتناقض مع العلم ودعوة للكسل والتراخي.