جحيم أسدود: صواريخ لا تعرف "العبثية"
19 محرم 1430
نسيبة داود




ألسنة من اللهب.. دخان متصاعد.. صافرات تدوي.. وسيارات إسعاف تهرع، هكذا هي الصورة في ميناء أسدود التي لم تستطع السلطات "الإسرائيلية" حجبها، فادعت أنه "حريق" شب بمصنع المواد الكيميائية "غان كيميكاليم" الواقع في المنطقة الصناعية بأسدود.

الدخان الذي يسهل رؤيته من مشارف المدينة الساحلية كان سببه صاروخ أطلقته كتائب القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس على أسدود مساء اليوم الأربعاء.

وهرعت طواقم الإنقاذ والإطفاء إلى موقع الحريق مع تصاعد المخاوف من حدوث تسرب لمواد خطرة من المصنع. وطلبت السلطات "الإسرائيلية" من جميع القاطنين بالتجمعات السكنية القريبة التزام منازلهم وعدم الخروج خوفا من استنشاقهم لأدخنة الحريق التي تحمل مواد كيماوية خطره.

لقد باتت قوة صواريخ كتائب القسام واضحة وإن حجب الدخان الرؤية. فقد قدرت سلطات الاحتلال أن أكثر من مليون "إسرائيلي" (15% من إجمالي السكان) أصبحوا في مرمى صواريخ القسام، خاصة بعد أن تخطت الصواريخ حاجر الـ 40 كم ووصلت إلى مدن رئيسية مثل بئر السبع وعسقلان وأسدود. ومنذ بداية الحرب "الإسرائيلية" الغاشمة على غزة، توعدت المقاومة بالمزيد من الصواريخ، وأصبحت بقعة الزيت تتسع.

وفي أبعد مدى تصل إليه الصواريخ إلى الآن، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس يوم السبت تمكنها لأول مرة من قصف قاعدة بلماخيم الجوية التي تبعد 50 كيلومترا عن قطاع غزة بصواريخ جراد. وتعد القاعدة منشأة التطوير والأبحاث الرئيسة لدى الجيش "الإسرائيلي"، وفيها يتم تجميع واختبار الصواريخ والقذائف الصاروخية، كما أنها تبعد عن تل أبيب 15 كيلومترا فقط.

كما قصفت الحركة قاعدة "تل نوف" الجوية العسكرية الصهيونية الجمعة الماضي بصاروخ من طراز "جراد. وتبعد القاعدة عن قطاع غزة 45 كيلومتر وهي الأكبر وسط فلسطين المحتلة وتقع شمال شرق مدينة "جديرا" الصهيونية، وتضم القاعدة طائرات حاملة لصواريخ نووية، وتقع على بعد بضعة أميال من منشأة تخزين الأسلحة النووية "تيروش" ومن قاعدة الصواريخ "هيربات زخاريا".

وفي المدن "الإسرائيلية" الأقرب للقطاع، أصبحت صافرات الإنذار هي الصوت الأكثر سماعا في آذان المغتصبين.

45 ثانية فقط هي الوقت المتاح أمام 200 ألف من سكان أسدود للفرار والاختباء في المخابئ والجحور، وفي عسقلان 30 ثانية فقط، أما في سديروت فالخطر يصل خلال 15 ثانية.

وبعيدا عن القتلى والمصابين بجروح نتيجة الصواريخ، سجلت المستشفيات "الإسرائيلية" دخول أكثر من 600 إلى المستشفيات بسبب الخوف والرعب، حتى أن بعضهم أصيب بأزمات وجلطات. ورفعت مستشفيات عسقلان حالة الطوارئ حيث تم تأجيل جميع الحراجات غير العاجلة، وتلقت المستشفيات خلال الأيام الأربعة الأولى من الحرب "الإسرائيلية" ضد غزة أكثر من 116 شخص منهم 42 أصيبوا بشطايا الصواريخ أما الـ74 الباقين فكلهم تلقوا علاجا نفسيا..

هي قذائف رعب إذن.. تحمل رسالة صنع في فلسطين بأيدي المقاومة. وعلى عكس ما يقول بعض الساسة المستسلمين بـ"عبثية" صواريخ المقاومة، أثبتت تلك الصواريخ أنها تستطيع الانتصار ودك قلاع العدوان.

وتشير بيانات حركة حماس إلى امتلاكها أنواع متعددة من الصواريخ والقذائف التي تستخدمها في مواجهة الاحتلال "الإسرائيلي" منها صاواريخ "قسام 1" و"قسام 2" و"قسام 3"، بالإضافة إلى صواريخ "جراد"، فضلا عن قذائف "البنا 1" و"البنا 2" التي تستخدم في العمليات النوعية، وقذائف "الياسين" التي تستخدم في المواجهات القريبة.

ودأبت كتائب القسام على تطوير أسلحتها باستمرار واستحداث نسخ منها تلائم الأوضاع القتالية. وازدادت مع مرور الأيام دقة تصويبها وقدرة رؤوسها على حمل مقدار أكبر من المتفجرات، بالإضافة إلى زيادة مداها بشكل ملحوظ.

إنتاج صواريخ القسام قسم تاريخ المقاومة الفلسطينية إلى مرحلة ما قبل الصواريخ ومرحلة ما بعدها، وشكل علامة فارقة في لعبة توازن القوى بين الاحتلال والمقاومة. فقبل ظهور "قسام1" افتقر مجاهدو حماس إلى وسيلة للتعامل مع الاحتلال "الإسرائيلي" على مدى بعيد، واقتصرت عمليات المقاومة على المواجهات التي كانت تسفر في الغالب عن عدد من الشهداء ربما يفوق أعداد القتلى في صفوف العدو.

وتشير الدراسة التي أعدتها مؤسسة "جلوبال سيكيورتي" الأمريكية ونشرتها على موقعها الإلكتروني إلى أن صواريخ القسام تصنف بأنها صواريخ "أرض-أرض"، ولا يمكن كشفها لأنها صواريخ غير موجهة، كما يتم تصنيعها من مواد أولية وبسيطة ما يجعل من الصعب على العدو "الإسرائيلي" وقف إنتاجها. وتشير سلطات الاحتلال إلى أن المجاهدين ينقلون الصواريخ في شاحنات مخصصة لنقل البضائع حيث يقودونها إلى أماكن مفتوحة قرب حدود غزة ، بحيث يقومون بنصب الصواريخ وإطلاقها، ولا تتطلب تلك العملية أكثر من 15 دقيقة.

صاروخ "قسام 1":

في منتصف العام الأول من انتفاضة الأقصى الثانية أعلنت القسام عن نجاح مهندسيها في تصنيع صواريخ أطلقت عليها اسم "القسام" تيمناً بالشهيد الشيخ عز الدين القسام قائد ثورة عام 1936 ضد الاحتلال الإنجليزي وعصابات الصهاينة. وبدت صواريخ القسام التي ظهرت في شريط فيديو وزعته حركة حماس على وسائل الإعلام تطوراً طبيعياً لقذائف الهاون التي نجحت قوى المقاومة الفلسطينية في إدخالها إلى قطاع غزة بداية الانتفاضة ونشطت في إطلاقها على المستوطنات داخل القطاع.

ويحوى الصاروخ رأسا مدببا أحمر اللون في الغالب، وعلى الطرف الآخر يحتوي على أربعة أجنحة توازن صغيرة، بينما يحتوي الجزء الأسطواني الأوسط من الصاروخ على محرك الإطلاق. ويصنع الصاروخ من الفولاذ بسمك بين 2.5 و3 ملليمترات.

وبحسب بيانات لكتائب القسام فإن أول صاروخ أنتجه مهندسو القسام بلغ طوله 70 سم، وقطره حوالي 8 سنتيمترات، ويتراوح مداه بين 2 و3 كيلومترات، ويحمل في مقدمته رأساً متفجراً يحوي حوالي 600 جراماً من مادة الـ (TNT) شديدة الانفجار، ويتم إطلاق الصاروخ بواسطة قاذف، إلا أنه كان منذ بدء تصنيعه يفتقد دقة التصويب نحو الأهداف.

وبعد نجاح التجربة الأولى لإطلاق "القسام 1"، طور مهندسو القسام الصواريخ للتخلص من عيوبها. وأصبح طول "قسام 1" 80 سم، وقطره 6 سم، كما يزن 5.5 كيلوجراما، وزاد مداه ليصل إلى 3 أو 4.5 كيلومترا. وكان أول إطلاق لـ"قسام 1" في 26 أكتوبر 2001، وأطلق على مستوطنة اجتدروت في قطاع غزة.

صاروخ "قسام 2":

بعد تعديلات جذرية أنتجت الكتائب صاروخ "قسام 2" الذي أطلق لأول مرة باتجاه تجمعات صهيونية خارج القطاع. ويبلغ طول "قسام 2" 180 سنتيمتراً، وقطره حوالي 15 سنتيمتراً، ويزن 32 كيلوجراما ويصل مداه إلى ما بين 9 و12 كيلومتراً، كما يمكنه حمل كمية من المتفجرات تزن بين 5 و9 كيلوجرامات من مادة TNT.

ويتم إيقاف الصاروخ بشكل مائل على حامل ذي ثلاث أرجل، حيث يقوم مجاهدو القسام بوضع جهاز يشبه البوصلة على هيكله الخارجي ومن ثم تعديله لتحديد اتجاهاته، قبل الإطلاق.

أول إطلاق لـ"قسام 2" كان في  12 يناير 2003 حيث أعلن الجيش "الإسرائيلي" سقوط أربعة صواريخ من هذا النوع على مغتصبة سديروت في صحراء النقب. وعلى شاشة القناة الأولى بالتلفزيون "الإسرائيلي" ظهرت امرأة صهيونية من سكان سديروت تولول قائلة: "أقول لعرفات تعال نجلس للتفاوض، لكن أتوسل إليك لا تطلقوا هذه الصورايخ مرة ثانية، انظر.. لدينا أطفال، ونحن نتألم لضحاياكم أيضاً".

كما قال قيادات الجيش: إن "قسام 2 صاروخ بسيط لكنه يحمل خطراً كبيراً، وعلى غرار الكاتيوشا، فإن هذا الصاروخ لا يحتاج إلى قاذف... ويستطيع التسبب بأضرار جسيمة في حالة الإصابة المباشرة".

صاروخ "قسام 3":

في أوائل عام 2005، طورت حماس صاروخ "قسام 3" بطول 200 سم وقطر 17 سم، حيث وصل مداه إلى 10 أو 12 كيلومترا، ويحمل كمية من المتفجرات تزن من 10 إلى 20 كيلوجراما. وأشارات تقارير صحفية "إسرائيلية" في أواخر عام 2003 إلى أن كتائب القسام تقوم بتطوير نوع جديد من الصواريخ "قسام 4" يصل مداها 17 كيلومترا. وفي أواخر 2005 تمكنت الكتائب بالفعل من إطلاق صواريخ مداها 15 إلى 16.5 كيلومترا، وقطرها 11 أو 15 سم.

وفي شهري يونيو ويوليو 2006، أطلقت القسام لأول مرة صاروخا يعمل بمحركين  .

 

صاروخ جراد:

صواريخ جراد هي في الأساس روسية، لكنها تصنع في عدد من الدول، وهو النسخة المتطورة من الكاتيوشا. وكانت بعض التقارير العسكرية تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية ربما حصلت عليها من إيران. ويبلغ طول "جراد" 283 سم، وقطره 12 سم، ويزن 72 كيلوجراما، كما يحمل شحنة متفجرة من الـTNT  تزن 18 كيلوجراما، ويصل مداه ما بين 18 و20 كيلومترا.

صواريخ "وي-شي":

بعض الصواريخ التي سقطت على مدينة أسدود تبين أن قطرها 12 سم مثل "جراد"، لكن مداها ربما ضعف ذلك الذي يصل إليه صاروخ "جراد"، الأمر الذي دحض الأقاويل بأن مثل هذه الصواريخ هي ذاتها التي تمتلكها إيران، والتي من المحتمل أن تكون أرسلتها إلى المقاومة الفلسطينية كما هو سائد في اعتقاد القيادات الصهيونية.

ففي 28 ديسمبر 2008 تم التعرف على نوعين من القذائف الصاروخية أطلقت قرب مدينة "جان يابني" و"بني داروم" وتراوح مداها بين 33 و34 كيلومترا. وأوضحت الفحوصات أن هذه الصواريخ صينية الصنع لكنها ذات مواصفات مشابهة لصواريخ جراد ذات الـ 12 سم، لكن الحد الأقصى لهذه الصواريخ هو 40 كم، على عكس جراد التي يصل حدها الأقصى إلى 20 مترا.

تقول مؤسسة "جلوبال سيكيوريتي": إنه بينما قد تشير الأدلة إلى أن هذه الصواريخ هي من طراز جراد (أو الكتيوشة المعدلة) إلا أن الصواريخ الشبيهة بتلك الإيرانية التي سقطت على أسدود في 24 ديسمبر 2008 لا بد أن مداها كان ضعف مدى الصواريخ جراد الصينية ذات طراز "بي إم -21" التي سقطت على جان يابني. وتشير صور الصواريخ في "جان يابني" إلى أنها هي الأخرى صواريخ 12 سم. وهذا لا يتناغم مع فكرة أن حماس كانت تستخدم صواريخ إيرانية الصنع سواء كانت من نوع "أوغاب" ذات 34-45 كيلومترا أو من نوع "فجر3/ رعد" ذات مدى 45 كيلومترا.

وأشارت تلك الفحوصات إلى أن هذه الصواريخ هي من نوع "وي-شي" الصينية الصنع، والكلمة تعني الحارس. وطورت شركة "تشاينا سيشوان إيروسبيس إنداستري كوربوراشن" أنظمة الصواريخ تلك متعددة الإطلاق التي تعرف أيضا باسم "القاعدة 062". ويصل مدى هذه الصواريخ إلى 40 كيلو مترا.

لكن الأمر الذي يبقى محيرا حول وصولها إلى أيدي المقاومة هو أن السلطة الفلسطينية لم تمتلك يوما من الأيام هذه الصواريخ، كما أن الشركة الصينية لم تتلق طلبات شراء لتلك الصواريخ من أطراف أجنبية  .

 

صاروخ البنا:

هو صاروخ مضاد للدروع كانت تستخدمه حماس للضرب ضد الآليات الصهيونية هذا الصاروخ سمي باسم الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين التي انبثقت عنها حماس. وكان الصاروخ الأول الذي استخدمته حماس ابتدائيا جدا، حيث لم تكن الخبرة التصنيعية كافية. ومن أنواع "البنا 1" و"البنا 2".

صاروخ البتار:

هو صاروخ محلي الصنع مضاد للدروع، وأطلق أول مرة في يناير 2003، باتجاه دبابة "إسرائيلية" كانت تتوغل في شارع صلاح الدين عند مفرق حمودة شمال القطاع، وقد أصيبت الدبابة إصابة مباشرة.

ولا يحتاج الصاروخ لوجود العنصر البشري في مكان إطلاقه حيث يطلق بواسطة جهاز تحكم عن بعد عند اقتراب الهدف. وينطلق البتار على هيئة صواريخ (أرض-أرض) ولكن بارتفاع يوازي الآليات، وينصب على الأرض في مواجهة الأهداف. والصاروخ عبارة عن ماسورة طولها متر، وقطرها 6 إنشات، وبداخلها مقذوف صاروخي يشبه الـ"آر. بي. جيه"، ويزود الصاروخ بقناص ونيشان، ويصيب الهدف بدقة.

قذيفة الياسين:

هي صواريخ أو قذائف محمولة على الكتف، وتشبه صواريخ الـ"آر. بي. جيه"، وتستخدم في المواجهات مع قوات الاحتلال أو ما يسمى بحرب العصابات. وهي قذيفة مضادة للدروع خفيفة الوزن وسهلة الحمل ودقيقة الإصابة، ويمكن من خلالها استهداف آليات العدو وومنشآته وتحصيناته وتعمل بشكل فعال في الهجوم والدفاع ضد أهداف العدو وخاصة في الاجتياحات.

وتم تطوير الياسين في 2004، وكان أول استخدام لها في 3 أغسطس من العام، حيث أطلقت باتجاه ناقلة جند في المنطقة الغربية من بيت حانون. وسميت القذيفة باسم مؤسس الحركة الشيخ الشهيد أحمد ياسين.

ويصل المدى الفعال للقذيفة إلى 150 مترا بينما يمكن أن يصل مداها إلى 250 مترا. ويمكنه اختراق الفولاذ المصمت بسمك 21 سم.

وتمتلك حماس أسلحة أخرى محلية الصنع مثل بندقية "عوزي حماس"، كما تمتلك كواتم صوت وقذائف الإنيرجا. كما عملت كتائب القسام على تطوير قاذفات القنابل اليدوية من خلال أسلحة مثل الكلاشن أو "إم 16"، وهي شبيه بقاذف قنابل الغاز المسيل للدموع.

وتمتلك الكتائب أيضاً معظم وسائل التحكم عن بعد وتقنياتها، مثل الدوائر اللاسلكية بشتى أنواعها، بالإضافة إلى دوائر التوقيت.

أما الفصائل الفلسطينية الأخرى فتمتلك أنواعا أخرى من الصواريخ لكنها أقل تطورا من القسام. وعلى سبيل المثال، تمتلك سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي صاروخ "قدس 1" و"قدس 2" و"قدس 3" هو يشبه إلى حد كبير صاروخ الكاتيوشا الإيراني الصنع. كما تمتلك ألوية الناصر صلاح الدين صاروخ ناصر1 و 2 و3، 4 الذي يعتبره البعض أدق في إصابة الهدف من صاروخ "قسام".

كما تستخدم كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة التحرير الفلسطيني فتح صاروخ أقصى الذي يشبه لحد كبير صاروخ "قسام".