استشهدي غزة لنحيا

المعركة بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، تستلزم ضرورة المفاصلة بين الفريقين، [هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَالهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] {الفتح:25} وهذه المزايلة والمفاصلة بين الحق والباطل هي المقدمة الضرورية لنشأة الصراع وتدفق الأشلاء في سبيل إعلاء كلمة الحق، ودحض الشرك والمشركين.
والقارئ للمشهد الفلسطيني خاصة والعربي عامة يجد التباس المنافقين وتسللهم بين الصفوف حتى وقت قريب، ثم بات واضحًا كيف تجري المفاصلة والمزايلة رويدًا رويدًا، فتكشف «حماس» في غزة وثائق لا حصر لها تفضح المنافقين والخونة، الذين يتعاونون مع اليهود ويدلونهم على عورات المسلمين، ويساعدونهم في حربهم على المسلمين، وكان من بين هذه الوثائق العديد مما يدل على تجسس أجهزة الاستخبارات الفلسطينية الخائنة في سلطة محمود عباس في «رام الله» على عدد من الدول العربية والإسلامية.
وفي الوقت نفسه انفضحت الكثير من المساعي والصداقات بين المنافقين واليهود المجرمين، في المحيط العربي والإسلامي، وبات واضحًا موقف ورأي هذا أو ذاك.
وفي الوقت نفسه قامت إسرائيل ببناء جدارها العازل، وتسعي فيه سعيا حثيثًا، ليتحقق ما ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم حيث قال: [لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ] {الحشر:14} فقتال اليهود للمسلمين لا يكون من خلال ما يُعرف في ساحات المعارك بحرب العصابات أو المواجهات المباشرة، وإنما لابد لليهود من التحصُّن في قراهم التي يحصنونها، أو يبنون جُدرانًا يحاربوننا من ورائها، فهم أجبن وأعجز عن أي حرب مباشرة مع المسلمين، ولهذا تمخض العقل اليهودي عن الطائرات الموجّهة بدون طيار، وهي نوعٌ من الحرب من وراء الجُدُر والستارات البعيدة عن المواجهات المباشرة، وقد انكشفت العديد من الصداقات التي أمدّت يهود بالمواد الخاصة ببناء جدرانها هذه.
وقد انكشفت المفاصلة بين الحق والباطل بوضوح ليلة أمس عندما سارت إسرائيل في جبنها المعهود فضربت غزة الأبطال من بعيد، عبر قصفها بالطائرات، تضرب وتجري لتختفي خلف جدرانها وتحصيناتها كعادتها، وهنا هرع كل واحدٍ من الناس إلى رُكْنه الذي يلوذ به، لتظهر المفاصلة والمزايلة بوضوح، وليحق الله الحق ويبطل الباطل، فهرع البعض إلى الحديث عن القانون الدولي وملاحقة القادة الإسرائيلين دوليًا، وهرع آخرون إلى نداءات دولية لدخول قوات دولية تحميهم من الغول الإسرائيلي الغاشم، بينما هرعتْ حماس إلى ركنها الأصيل، وقوتها العظمي التي تمسكتْ بها.
هرعتْ حماس إلى الله مالك السموات والأرض، وكفى به ناصرًا وكفيلا، وقد وضح هذا صراحة في بيان إسماعيل هنية رئيس الوزراء في غزة، كما وضح صراحة في لقاء رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل مع قناة الجزيرة الفضائية، والذي صرح بأنه العبد الفقير إلى الله خالد مشعل، وتوالت صيحته وصيحة إسماعيل هنية وصيحة كل غزة بقولهم: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، تلك الصيحة التي تنتهي على عتباتها المعارك الكبيرة، وينتصر بها المسلمون، لكن الجبناء والمخذولين لا يفقهون، يقول الله عز وجل: [الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ] {آل عمران: 173- 174}.
وقد رأينا قادة حماس وأفرادها، ورأينا غزة بأكملها قد قالت: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، ونحن ننتظر لهم ولنا ولسائر المسلمين الجزء الباقي من الآية الكريمة: «فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ»، ولابد وأن يتحقق؛ لأن الله لا يترك عباده المؤمنين وإنما يدافع عنهم، كما قال عز وجل: [إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ] {الحج:38}، فنحن لا نشك طرفة عين بأن الله ناصر غزة، وكل المؤمنين، نحن لا نشك في هذا أبدًا، لكن لابد من التنبيه على ضرورة المفاصلة والمزايلة بين الحق والباطل لتقوم المعركة وتستمر على أشلاء الشهداء المتطايرة، لتصل إلى النصر الكبير، الذي لا يأتِ على أطباق الورود، وإنما يجنيه المؤمنون بين أشلاء أبنائهم، وبلون دمائهم، وعلى قدْر تضحياتهم يكون نصرهم.
وقد أوشك النصر أن يأتي، والنهار أن يسط، بعد هذه الدماء التي قدمتها غزة، ولابد لها أن تثبت وتصبر؛ لأنها قدّمت ولا زالت تقدم، في حين عجزنا نحن فلم نقدم شيئًا، وإذا ما سقطت غزة فستسير الأفعى اليهودية لتبتلع باقي العرب والمسلمين، والتاريخ الحربي يشهد بهذا، سواء لليهود أو لغيرهم.
واليوم وقد خان غزة الكثيرون، وخدعها الكثيرون، حتى من بعض من يتسمى بأسمائنا ويتكلم بألسنتنا، فقد أحسنت غزة إذْ لجأتْ إلى الأمان والنصر والعزة عندما لجأت إلى الله عز وجل، القادر على كل شيء، فهو وحده القادر، ومنه يكون النصر لا من غيره، [وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {الأنفال:10} فالنصر من الله لا من غيره، وقد خاب وخسر من طلب النصر ممن لا يملكه، فمن طلب النصر من غير الله فقد طلب ممن لا يقدر ما لا يملك ولا يستطيع، فالقادر والمالك للنصر هو الله وحده لا غير، وقد طلبت غزة النصر منه، وسيأتيها النصر؛ لأن الله لا يخذل عباده المؤمنين، ويدافع عن الذين آمنوا وينصرهم.
غزة الأبطال وقد خانك القريب والبعيد: معك الله وكفى به ناصرًا، وكفى به وكيلا، هو حسبنا وحسبك ونعم الوكيل، هو ناصرك لا محالة، لأنه وعد ووعده الحق بأن يدافع عن عباده المؤمنين، ولا يتأخر وعده إلا بسبب من ذنوب أو معاصي أو حكمة يعلمها الله، فعلى المؤمنين أن يؤدوا ضريبة النصر، ويقوموا بشروطه وسيأتيهم النصر حتمًا [الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] {الحج:41}.
غزة الأبطال: لا تعبأي بترسانة اليهود العسكرية، فإنها لا تساوي شيئًا عند الله عز وجل، ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، لكن الدنيا  وما فيها وما عليها لا تساوي شيئًا عند الله، ولو أراد الله أن يهلك إسرائيل ومن ورائها في طرفة عينٍ لفعل، وقد أهلك سبحانه من هم أشد قوة وأكثر منهم [أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ] {الأنعام:6}، فالله عز وجل قادر على ما يشاء، غير أنه يبتلي المسلمين بعدوهم، [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ] {العنكبوت:2}، فلابد من البلاء والفتنة لحكمٍ عديدةٍ أظهر الله عز وجل للمسلمين بعضها، في مواضع عديدة. وقد جاءت الملائكة تقاتل عن المسلمين وتدافع عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى المسلمون الملائكة عيانا يقاتلون جنبهم صفًّا إلى صفٍّ، وانتصر المسلمون القلة في العدد والعُدة على الجيوش الجرارة بترساناتها وأعدادها الهائلة، بل وانتصرت القلة المؤمنة على أكبر وأعتى إمبراطوريات الدنيا آنذاك في الروم والفرس، ودمّرت عروش الكافرين، رغم قلة الأفراد، لكننا لا ننتصر بعددٍ أو بعُدَّةٍ، ولا تهزمنا طائرة، أو يرهبنا نوويٌّ؛ لأننا ننتصر بسبب من السماء، من عند الله عز وجل الذي يملك النصر، وما تهزمنا سوى معاصينا وذنوبنا، فإن تطهرنا فلننتصر النصر.
واليوم وقد تزايلت الصفوف، وافتضح أهل النفاق، فما علينا سوى الدعاء والابتهال إلى مالك النصر أن يمدنا بسبب من عنده.
غزة الأبطال: أقيمي صلاتك فقد حانت لحظة البكاء والابتهال لمالك النصر، فإننا ننتصر بالطاعة والعبادة لله المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
غزة الأبطال: لا تعبئي بخيانة خائن ولا غدر غادر، فالمتابع للمشهد يرى أن قد فعلوا هذا باتفاقٍ ما بين عديد من الأطراف لعدد من النتائج والأغراض، في وقت واحد، فربما كان الهدف من ذلك هو تركيعك في أحضان الخونة مرة أخرى لتقيمي حكومة وحدة وطنية وتقبلين تمديد فترة رئاسة الخائن محمود عباس المنتهية ولايته الذميمة القبيحة مثله تماما، وربما كان الغرض بجوار ذلك هو المناورات الداخلية ليهود بمناسبة الانتخابات الداخلية، ربما كان هذا أو ذاك أو غيره من أغراض، لكن تبقى كل هذه الأهداف أو غيرها لا تعنينا، لأن اليقين الذي نحن على يقين تام منه هو أنهم يكرهوننا لإيماننا، يكرهوننا لإسلامنا، يكرهون فيك صلاتك، يكرهون صيامك، يكرهون زكاتك، يريدون منك أن تكفي عن قولك: لا إله إلا الله، وتقولين بدلا منها: لا إله إلا المادة، أو لا إله إلا بوش، فاحذري هؤلاء الذين يكرهون إيمانك وإسلامك، احذريهم مرة بل ألف مرة. غزة الأبطال: اثبتي واصبري فإن الله ناصرك، واعلمي أنك اليوم بابنا وعزتنا، فإن انكسر بابنا فسيدخل يهود والخونة كلهم إلى بيوتنا في سائر الديار العربية والإسلامية، فاثبتي غزة، موتي لتحيا أمتك، موتى لتحيا أمتك، موتي لتحيا أمتك. والله ناصرك ومذل عدوّك، ووعْد الله لا يتخلّف أبدًا.