نصر الله.. أين ما بعد حيفا؟!
2 محرم 1430
أمير سعيد







ما نسيه زعيم (حزب الله) في خطابه الذي ألقاه لمناسبة مجزرة غزة أن يتحدث عن حيفا وما بعد حيفا واكتفى بالدعوة إلى كربلائية في ملعب كرة.

ربما الذين أحسنوا الظن بنصر الله إبان العدوان على لبنان في صيف 2006 عندما كان يتحدث كـ"زعيم للأمتين العربية والإسلامية" وظنوه كذلك، أصابتهم خيبة أمل إذ دعاهم إلى ملعب كرة يعبروا فيه عن لطمية جديدة لن تؤدي إلا إلى نوع من التعاطف الزائف في حين خلت عباراته من أي تهديد للكيان الصهيوني الذي لم يزل يدك قطاع غزة.

مفهوم أن تسعى الشعوب العربية المقهورة إلى الميادين ـ بل واجبها أن تفعل ذلك ـ في ظل عجزها عن ترجمة غضبها للظى يذيب الصلف الصهيوني، لكن من غير المقبول أن يقتصر صاحب الصواريخ الإيرانية القادرة على الوصول إلى ما بعد ما بعد حيفا مثلما هدد من قبل في حرب يوليو ولم يفعل.

"دعونا نتكلم الآن بصراحة.. وأنا لم أتكلم بصراحة في حرب تموز"، قال نصر الله، حسنٌ، ولكن علينا أن نذكر "السيد" أنه في كل مرة قد قال إنه سوف يتكلم "الآن بصراحة"، حسنٌ أيضاً فنحن ما زلنا "مستقبلا" هذه الصراحة التي سيتكلم عنها "السيد" "الآن"، حسنٌ للمرة الثالثة، هذه الصراحة التي سيحدثنا عنها في المرة القادمة ستقوده إلى القول أن "النصر الإلهي" المدعى في حرب يوليو قد حال بينهم، واستعمال أي صاروخ ولو حتى قصير المدى (إلى ما قبل ما قبل حيفا)، وهل ستدعوه في قادم الأيام لأن يقول إنه قد استغل هذه الكربلائية المبكرة إلى "إعلان البراءة" من الصواريخ التي عُثِر عليها بجنوب لبنان لكي لا يتهم بالاستعداد لتخفيف الضغط على الفلسطينيين بعد أيام من هذه الحادثة.

نصر الله اعتبر أن ثمة احتمالين لتعزيز الكيان الصهيوني قواته على الحدود الفلسطينية الشمالية مع لبنان، وهو أن يكون متخوفاً من حدوث شيء على الجبهة اللبنانية، أو أن الكيان الصهيوني ذاته يدبر "لشيء ما باتجاه لبنان"، ولو كان الاحتمال الأول فهو "حسن ظن" من "الإسرائيليين" تجاه نصر الله، لأن المنطقي في ظل شن (حزب الله) هجومه الشديد على مصر بسبب اشتراكها مع فلسطين في حدودها أن ينعكس هذا على الجبهة اللبنانية، لكن نصر الله استبق الأحداث ليطمئن الصهاينة أنه لا ينوي على شيء من هذا القبيل، وسرعان ما بادر الجميع بالكشف عن أنه أوعز إلى عناصر ميليشياته في الجنوب "أن يكونوا متواجدين ومحتاطين".. و"هيهات منا الذلة"!!

إن نصر الله قد أبان عن أحد أمرين، إما أنه قد خسر الحرب ولم ينل "النصر الإلهي" إلى الحد الذي يجعله بكل ثقة يحجم عن نصرة من حاول أن يلصقهم بنموذجه بأي شكل وهم حركة حماس ويلبس عليهم مسوح الحسينية (وهم أولى بالحسين منه)، ويسكب عليهم من عبرات كربلائياته، وإما أنه غير معني بنصرة "إخوانه" في فلسطين الذين يتسربلون بالدم ويكتفي بترديد "هيهات منا الذلة"..

إن الدول العربية التي خرجت من المعادلة ـ بحسب نصر الله ـ وهي مصر والأردن، "وهي تقوم بشراكة كاملة في الحصار.. شراكة كاملة في العدوان.." لا داعي لأن يدخلها "السيد" في المعادلة، وليبحث لنا عن "أرقام ثابتة" فيها، ولا مانع أن يصدرها بإيران التي لم نسمع لها في هذه المجازر رِكزاً، وهي ـ كما تزعم ـ تملك أسلحة متطورة لا يشق لها غبار، وبمقدورها الوصول إلى تل أبيب وباستطاعتها "حرق إسرائيل" كما قال نجاد من قبل ولم تتم محاسبته على هذه "الخطيئة" كما حوسب صدام لأن "الشيطان الأكبر" يدرك تماماً أنها دغدغة مشاعر لا تجاوز الصراخ المشهور/"هيهات منا الذلة"..

وجيش القدس الذي لم يزل يلمع سيفه، ليوم الشدة، محجم عن كل ما من شأنه إيذاء مشاعر الصهاينة اللهم إلا من مهرجان صوتي يقيمه المرجع الشيعي الذي يقلده نصر الله، علي خامنئي في إيران.

إن كان محور الاعتدال خائناً وهو لا يملك ما تملكه إيران فماذا يكون نظامها إذن؟! وإذا كان المحور قد خرج من المعادلة فلماذا يصمت محور الصمود المزعوم؟! أليس لأطراف هذا المحور حدود مع فلسطين؟!

لقد قال نصر الله إن تعديل الموقف المصري هو الذي يغير المعادلة، حسنٌ، لكن ماذا عن تعديل الموقف الإيراني الذي يحدده من "دام ظله" وصمته؛ ومن ثَم، أفلا يحق لنا أن نسأل عن خلفية من نفذوا عملية الاعتداء على السفارة المصرية في بيروت وغضبهم العارم قبل ساعات من خطاب "السيد" وحدود تعبيرهم عن عجز ميليشياته في الاقتراب من الحدود، ومدى تجسيدهم ـ وتجسيده ـ عن الجهود الحثيثة القائمة منذ الساعة الأولى للعدوان لاعتبار مصر ـ وليس "إسرائيل" ـ هي العدو الأساسي الذي تتوجه إليه سهام النقد؟!

إن من الجدير الالتفات إليه في خطاب نصر الله الليلة هو ذاك العمل الدائب الهادف إلى  حرف القضية عن مسارها وتحويل دائرة الإدانة من الكيان الصهيوني إلى دولة عربية كان يربطها بغزة 1500 نفق، بغض النظر عن طريقة تعاطيها مع المذبحة، وهو غرض لا يمكن تجييره في اتجاه الحل المباشر للأزمة.

وما قد فهمناه من قبل وإبان حرب صيف 2006 أن لدى محور الصمود أوراقاً يمكنهم استخدامها في الوقت المناسب، لم يدر بخلد أحد أنها تقتصر على ملعب الكرة الموعود من نصر الله، وإيقاف المفاوضات السورية مع "إسرائيل" والتي تعني في ظل عدم إطلاق رصاصة منذ أربعين عاماً على جبهة الجولان، أن الجزء المحتل من البلاد سيظل كذلك محتلاً؛ ما يعني تلقائياً أنه لا نضال ولا مفاوضات فلتهنأ إذن "إسرائيل".

أوليس من حقنا أن نسأل عن محور "إيران ـ سوريا ـ (حزب الله)" وعن دوره المأمول في دفع العدوان؟! أوليس من حقنا أن نكرر قولنا بأن الحزب يحمل أجندة قُم لا أجندة القدس؟! وأن امتحال الأعذار له هو نوع كذلك من المشاركة في الجريمة؟!

علينا أن نعود أدراجنا اليوم؛ فهنا استحقاق الصراحة من الجميع، فلقد حاول نصر الله أن يبدو كمعبر عن الأمة كلها قبل عامين؛ فانطلت كلماته على الكثيرين، وبدا اليوم طائفياً حزبياً متماهياً مع مرجعيته، وسعى للتسويق لطائفته بأكثر من زاوية فكشف عن شخصية أخرى تخالف مع حاول أن يبدو به قبل عامين.. نعم لقد كان نصر الله الليلة صريحاً بعض الشيء، وانجابت الأوهام عن كل ذاهل عن حقيقة الرجل ودوره وأجندته.. حسن فعلت يا حسن..