التماسك الأسري في ظل العولمة
18 ذو الحجه 1429
د. وليد الرشودي

 ورقة مقدمة لندوة الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة –مجلة البيان-

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:

 مقدمة:
إن وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يَظْفَرَ ببيتٍ وزوجةٍ وذريةٍ..، (فالإنسان لا يكون قويًا عزيزًا وفي منعة، إلا إذا كان في أسرة تحصنه وتمنعه)([1])، وقد ساهمت الأسرة بطريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس، ولها يرجع الفضل ـ بعد الله سبحانه وتعالى ـ في تعلِّم الإنسان لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق، كما أنها السبب في حفظ كثيرٍ من الحِرف والصناعات التي توارثها الأبناء عن آبائهم.
وقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتمامًا شديدًا، وأولاها عنايةً فائقة، وحرص على تماسكها وحفظها مما يقوِّض دعائمها، ومن ثم جاء هذا البحث، وهو بعنوان "التماسك الأسري في ظل العولمة"، لمناقشة أثر العولمة وخطورتها على الأسرة المسلمة، وقد انتظم البحث في خمسة مباحث رئيسة:
المبحث الأول ـ مفهوم الأسرة.
المبحث الثاني ـ مفهوم العولمة.
المبحث الثالث ـ عناية الشريعة الإسلامية بالأسرة وحمايتها.
المبحث الرابع ـ خطورة العولمة على الأسرة المسلمة وعلى الحياة الاجتماعية.
المبحث الخامس ـ توصيات لحماية الأسرة المسلمة من العولمة.



المبحث الأول ـ مفهوم الأسرة
الأسرة لغة.
ورد في لسان العرب: (الأسرة: هي الدرع الحصين)([2])، وفي المعجم الوسيط معنى الأسرة لغويًا: يعني القيد، يُقال: أسره أسرًا وإسارًا، قيدَّه وأسره؛ أخذه أسيرًا، ومعناها أيضًا: الدرع الحصينة، وأهل الرجل وعشيرته، والجماعة يربطها أمر مشترك([3])، وجاء في القاموس المحيط: (والْأُسْرَةُ بالضم: الدِّرْعُ الحَصينَةُ، من الرَّجُلِ الرَّهْطُ الْأَدْنَوْنَ)([4]).
الأسرة اصطلاحًا.
قال ابن الأثير: (الأسرة عشيرة الرَّجل، وأهْلُ بيته؛ لأنه يَتَقوّى بهم)([5]).
وعرفها بعض علماء الاجتماع بأنها (جماعة اجتماعية أساسة ودائمة، ونظام اجتماعي رئيس، وهي ليست أساس وجود المجتمع فحسب، بل هي مصدر الأخلاق والدعامة الأولى لضبط السلوك، والإطار الذي يتلقى منه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية)([6]).
وأورد الدكتور فؤاد بن عبد الكريم عدة تعريفات للأسرة منها([7]):
- (مؤسسة فطرية اجتماعية بين رجل وامرأة، توفرت فيها الشروط الشرعية للاجتماع، التزم كل منهما بما له وما عليه شرعًا، أو شرطًا، أو قانونًا).
- (الجماعة الإنسانية المكونة من الزوج، والزوجة، وأولادهما غير المتزوجين، الذين يعيشون معهما في سكن واحد، وهو ما يُعرف بالأسرة النواة).
- (المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وأهم أركانها: الزوج، والزوجة، والأولاد).
كما عُرِّفت الأسرة على أنها (شكل اجتماعي يتميز بطابع ثقافي مميز يختلف من مجتمع لآخر، ويعمل هذا النظام الثقافي على طبع وتلقين الفرد منذ نعومة أظافره السلوك الاجتماعي المقبول، ويتعلم داخلها طبيعة التفاعل مع الأفراد والعادات والتقاليد، وبقية النظم الاجتماعية السائدة في المجتمع)([8]).
وعرفها البعض على أنها: (مجموعة من الأفراد، ارتبطوا برباط إلهي، هو رباط الزوجية أو الدم أو القرابة)([9]).
كما أنها (تتكون غالبًا من الأب والأم والأولاد، وهم مجموعة من الأعضاء ينتمون إلى جيلين فقط، جيل الآباء وجيل الأبناء، كما تشتمل على شخصين بالغين عائلين هما الذكر والأنثى)([10]).
ومن الملاحظ أن التعريف الأول، جعل دائرة الأسرة أوسع؛ فجعل كل ارتباط بين الأفراد عند طريق الزوجية أو الدم أو القرابة، يشكل الأسرة، بينما التعريف الثاني جعلها تتكون غالبًا من الأب والأم والأولاد، فـ (الزوجان هما دعامة الأسرة وركيزتها)([11]).
ولا يظهر فارق بين التعريفين؛ لأن الأسرة قد تكبر فتكون كما في التعريف الأول، وقد تصغر فتكون كما في التعريف الثاني، إلا أننا نخلص من هذا، أن الأسرة: هي المجموعة المتناسلة من الأب والأم، إذ هما الرباط بين هذه المجموعة سواءً كبرت أو صغرت، وهم غالبًا (يعيشون تحت سقف واحد، وتجمعهم مصالح مشتركة)([12]).
وهنا تظهر فائدة، وهي العلاقة بين معنى كلمة أسرة في اللغة، ومعناها في الاصطلاح، حيث إن من معاني كلمة الأسرة: (الدرع الحصينة)، وكأن الأسرة يتحقق بها حماية الإنسان مما يهدد كيانه، فبالأسرة يتقوى الفرد، ويشتد عوده، والمعنى الثاني لكلمة إسار هو: (ما يشد به الأسير)، فكأنه لوحظ معنى الشد والربط والوثاق، حيث إن في الأسرة ترابط اجتماعي وتماسك إنساني لدرجة الثبات والقرار، كل هذه المعاني العظيمة قصدها الإسلام من تشريع الزواج، وتكوين الأسرة، وذلك لحماية المجتمعات والأفراد.



المبحث الثاني ـ مفهوم العولمة([13])
العولمة لغة.
    العولمة ثلاثي مزيد، يُقال: "عولمة" على وزن قولبة، وكلمة "العولمة " نسبة إلى العَالم ـ بفتح العين ـ أي الكون، وليس إلى العِلم ـ بكسر العين ـ، والعالم جمع لا مفردله، كالجيش والنفر، وهو مشتق من العلامة على ما قيل، وقيل: مشتق من العِلم، وذلك على تفصيل مذكور في كتب اللغة.
    فالعولمة كالرباعي في الشكل، فهو يشبه "دحرجة" المصدر، لكن "دحرجة" رباعي منقول، أمَّا "عولمة" فرباعي مخترع، إن صح التعبير،وهذه الكلمة بهذه الصيغة الصرفية لم ترد في كلام العرب، والحاجة المعاصرة قد تفرض استعمالها، وهي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى، ومعناها: "وضع الشيء على مستوى العالم"، وأصبحت الكلمة دارجة على ألسنة الكتاب والمفكرين في أنحاء الوطن العربي([14])، ويرى الدكتور "أحمد صدقي الدجاني" أن العولمة مشتقة من الفعل "عولم"، على صيغة فوعل، واستخدام هذا الاشتقاق يفيد أن الفعل يحتاج لوجود فاعل يفعل، أي أنَّ العولمة تحتاج لمن يعممها على العالم([15]).
وننَّبهإلى أنَّ مجمع اللغة العربية بالقاهرة قرَّر إجازة استعمال العولمة بمعنى: جعل الشيء عالميًا([16])، والعولمة ترجمة لكلمة Mondialisationالفرنسية، بمعنى جعل الشيء على مستوى عالمي، والكلمة الفرنسية المذكورة إنَّما هي ترجمة “Globalisation” الإنجليزية، التي ظهرت أولًا في الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى تعميم الشيء، وتوسيع دائرته ليشمل الكل.
 فهي إذًا مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا، موجهًا توجيهًا واحدًا، في إطار حضارة واحدة، ولذلك قد تُسمى الكونية أو الكوكبة([17])، ومن خلال المعنى اللغوي يمكننا أن نقول بأنَّ العولمة إذا صدرت من بلد أو جماعة؛ فإنها تعني: تعميم نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة، وجعله يشمل الجميع أي العالم كله([18]).
جاء في المعجم العالم الجديدويبستر WEBSTER“ أنَّ العولمة “Globalisation”هي: إكسابُ الشيء طابعَ العالمية، وبخاصة جعل نطاق الشيء، أو تطبيقه، عالميًا([19]).
        العولمة إذًا من حيث اللغة كلمة غريبة على اللغة العربية، ويُقصد منها عند الاستعمال ـ اليوم ـ تعميم الشيء، وتوسيع دائرته، ليشمل العالم كله.
ومنالجدير بالذكر أن تعبير "العولمة" في التداول السياسي قد طُرح من قبل كتاب أمريكانفي السبعينات، وبالتحديد من كتاب "ماك لولهان وكينتين فيور": حول "الحرب والسلام فيالقرية الكونية"، وكتاب "بريجسكي": بين عصرين "دور أمريكا في العصرالإلكتروني"([20]).
العولمة اصطلاحًا.
كثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة، نذكر هنا بعضًا منها:
* يقول "جيمس روزانو"، أحد علماء السياسة الأمريكيين عن العولـمة: (إنَّها العلاقة بين مستويات متعددة، لتحليل الاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والأيديولوجيا، وتشمل: إعادة الإنتاج، وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل، وتماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول، نتيجة الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة)([21]).
* الكاتبالأمريكي الشهير "وليم جريدر" في كتابه الصادر عام 1977م بعنوان "عالم واحد..مستعدون أم لا؟"، وصف العولمة (بأنها آلةعجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية، وأنَّها قادرة على الحصاد، وعلىالتدمير، وأنَّها تنطلق متجاهلة الحدود الدولية المعروفة، وبقدر ما هي منعشة، فهيمخيفة، فلا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثمَّ لا يمكن التحكم في سرعتها ولا فياتجاهاتها).
* (نظام عالمي جديد يقوم على العقل الإلكتروني، والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم، والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم)([22]).
        * (إنها حرية حركة السلع، والخدمات، والأيدي العاملة، ورأس المال، والمعلومات، عبر الحدود الوطنية والإقليمية)([23]).
* ويعرفها الدكتور "مصطفى محمود" فيقول: (العولـمة مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ الوطن من وطنيته، وقوميته، وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي، بحيث لا يبقى منه إلاَّ خادم للقوى الكبرى)([24]).
* العولمة هي: (العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول والشعوب، والتي تنتقل فيها المجتمعات من حالة الفرقة والتجزئة إلى حالة الاقتراب والتوحد، ومن حالة الصراع إلى حالة التوافق، ومن حالة التباين والتمايز إلى حالة التجانس والتماثل، وهنا يتشكل وعي عالمي وقيم موحدة تقوم على مواثيق إنسانية عامة)([25]).
     والمواثيق الإنسانية الواردة في هذا التعريف، هي المواثيق التي يصنعها الغرب الكافر، وأساسها نظرة علمانية مادية للوجود لتحقيق مصالحه الخاصة، ثم تصدر للعالم على أنها مواثيق إنسانية لصالح البشرية، ولا بأس أن تصدر بها القرارات الدولية من هيئة الأمم المتحدة، باعتبارها مؤسسة حامية للحقوق الإنسانية.
* (هي تعاظم شيوع نمط الحياة الاستهلاكي الغربي، وتعاظم آليات فرضه سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا وعسكريًا، بعد التداعيات العالمية التي نجمت عن انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الشرقي)، أو هي (محاولة لفرض الفلسفة البراجماتية النفعية المادية العلمانية، وما يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ وتصورات على سكان العالم أجمع) ([26]).
* هي (العمل على تعميم نمط حضاري، يخص بلدًا بعينه، هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات على بلدان العالم أجمع)، وهي أيضًا أيديولوجيًا (تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم، وأمركته)([27])، أي محاولة الولايات المتحدة إعادة تشكيل العالم وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية، ويتركز أساسًا على عمليتي تحليل وتركيب للكيانات السياسية العالمية، وإعادة صياغتهاسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وبشريًا، وبالطريقة التي تستجيب للمصالح الاستراتيجية للولاياتالمتحدة الأمريكية.
 * العولمة: منظومة من المبادئ السياسية والاقتصادية، ومن المفاهيم الاجتماعية والثقافية، ومن الأنظمة الإعلامية والمعلوماتية، ومن أنماط السلوك ومناهج الحياة، يُراد بها إكراه العالم كلِّه على الاندماج فيها، وتبنِّيها، والعمل بها، والعيش في إطارها([28]).
* العولمة هي الحالة التي تتم فيها عملية تغيير الأنماط، والنظم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومجموعة القيم والعادات السائدة، وإزالة الفوارق الدينيةوالقومية والوطنية، في إطار تدويل النظام الرأسمالي الحديث، وفق الرؤية الأمريكية المهيمنة، والتي تزعم أنها سيدة الكون، وحامية النظام العالمي الجديد.
ويقول الدكتور "فؤاد بن عبد الكريم"([29]): (تعاريف ومفاهيم العولمة يمكن تقسيمها وإدراجها في أربعة اتجاهات:
اتجاه يراها: حقبة تاريخية لفترة زمنية معينة.
وثانٍ يراها: مجموعة تجليات لظاهرة اقتصادية.
وثالث يراها: هيمنة وتسلطًا للقيم الأمريكية.
ورابع يراها: ثورة تكنولوجية واجتماعية.
أما عن تعريف الاتجاه الأول للعولمة فقد عرفها بأنها: (ظاهرة تاريخية، تبلورت ـ علميًا ـ مع نهايات القرن العشرين، مثل ما كانت القومية ظاهرة تاريخية قد تبلورت علميًا مع نهايات القرن التاسع عشر).
تعريف الاتجاه الثاني للعولمة: (مصطلح العولمة Globalization) يجعل الذهن يتجه إلى الكونية ـ أي إلى الكون الذي نعيش فيه ـ وإلى وحدة المعمور من الكوكب الذي نعيش عليه).
تعريف الاتجاه الثالث للعولمة: (اتجاه الحركة الحضارية نحو سيادة نظام واحد، تقوده في الغالب قوة واحدة، أو بعبارة أخرى استقطاب النشاط السياسي والاقتصادي في العالم حول إرادة مركز واحد من مراكز القوة في العالم، والمقصود ـ طبعًا ـ قوة الولايات المتحدة الأمريكية).
تعريف الاتجاه الرابع للعولمة: (زيادة درجة الارتباط المتبادل بين المجتمعات الإنسانية، من خلال عملية انتقال السلع، ورؤوس الأموال، وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات).
ثم يخلص في النهاية إلى أن تعريف العولمة هو (التداخل الواضح في أمور الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والثقافة، والسلوك، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلى وطن محدد، أو لدولة معينة، دون حاجة إلى إجراءات حكومية).
والشيء الذي لابد من الوقوف عنده كثيرًا، هو أنَّ العولمة كظاهرة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، ترتبط أساسًا بالمفهومالاقتصادي الرأسمالي ـ وفق الرؤية الأمريكية ـ في مراحله المتطورة، إن لم يكن في أعلى حالات تطوره، أو لنقلسيطرته على الاقتصاد العالمي، وبالتالي السيطرة على كافة أشكال ومظاهر التطورالإنساني.



المبحث الثالث ـ عناية الشريعة بالأسرة وحمايتها
أولى الإسلام عناية فائقة بالأسرة؛ لحمايتها من التفكك، فهي العماد الأول للمجتمع المسلم، والمحضن التربوي الأول الذي يتخرج منه الفرد النافع للمجتمع ولنفسه ولوطنه.
وحتى لا يحدث تلاعب في هذا الاستقرار الأسري؛ حث الإسلام على استمرار رابطة الزوجية، وكره قطعها من غير مبرر، وشرع لذلك جملة تشريعات، منها على سبيل المثال:
1- رغب الإسلام في الزواج بذات الدين، وحث الأزواج على حسن الاختيار، وفي الحديث: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج))([30]).
2- كما حث القرآن على تزويج من لا زوج له؛ لأنه طريق الستر والصلاح، وتكوين الأسرة والاستقرار، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: ٣٢]، وفي هذه الآية الكريمة أيضًا وعد من الله تعالى لمن أراد الزواج لإعفاف نفسه وزوجه؛ أن الله تعالى سيغنيه من فضله.
3- حث كل واحد من الزوجين على إحسان العلاقة بالآخر، والقيام بواجبه تجاهه؛ مما يقلل فرص الشقاق، ويزرع الحب والمودة في قلب كل واحد منهما تجاه الآخر.
4- حث على صبر كل واحد من الزوجين على ما يلاقيه من الآخر، مادام ذلك ممكنًا، ومادام سبيلًا لاستمرار هذه العلاقة بشكل مقبول، وأثار في نفوس الأزواج الرغبة في دوام هذه الرابطة، بفتحه نافذة المستقبل الواعد الزاهر، الذي قد يترتب على هذه العلاقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: ١٩].
5- شرع العدة بعد الطلاق، وهي فترة يحق للزوج فيها مراجعة زوجته بدون عقد جديد، فعسى أن تحن نفسه إلى مراجعة زوجته وتحركه ذكرى الأيام الخوالي والذكريات السعيدة وما إلى ذلك، كما أنه قد يكتشف أسبابًا للبقاء مع زوجته تفوق تلك التي من أجلها قطع هذا العلاقة.
6- كما شرع التحكيم؛ وهو أن تتدخل أسرتا الزوجين إذا توترت العلاقة بينهما، فيبعثون حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها؛ لدراسة أسباب الشقاق، والبحث عن سبل لتجاوزها، لإعادة سفينة الأسرة إلى بر الأمان، (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[النساء:3٥].
7- فإذا ما استمر الخلاف بين الزوجين، واستعصى الوفاق على الحكمين، عمد الإسلام إلى التفريق بين الزوجين، على أسس تضمن لكلٍّ حقوقه قِبَل الآخر، وتضمن للأولاد أنسب مستوى من العيش الطيِّب، بعد ما استحال عيشهم في كنف الأسرة وتحت رعاية الوالدين معًا، فبيَّن أسس الحضانة، وأسس النفقة والولاية، وغير ذلك من الأحكام، قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)[النساء: ١٣٠]، وقال جل شأنه: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) [الطلاق: ٦].
وقال جل شأنه: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[النساء: ٢٠].
8- ومن الأحكام التي شرعها الله تعالى في الإسلام لضمان حقوق كل من الزوج والزوجة؛ قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة: ٢٢٨].
فكما أن على المرأة واجبات تجاه الرجل وهي الطاعة في المعروف؛ فكذلك على الرجل رعاية زوجته، وحمايتها، وحفظها، والقيام بشئونها، وفي الحديث ((واستوصوا بالنساء خيرًا))([31]).
9- جعل للرجل الحق في الطلاق مرتين، فإن طلق الثالثة؛ سدَّ أمامه هذا الطريق، وحرمت عليه المرأة حتى تتزوج غيره: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: ٢٢٩].
10- أنزل الله تعالى سورة كاملة في القرآن الكريم، ضمنها كثيرًا من أحكام الزواج، وحقوق الزوجين، وهي سورة النساء، بل إن الله تعالى سمى عقد النكاح بالميثاق الغليظ نظرًا لأهميته، وعظم شأنه، وما يترتب عليه، قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النساء: ٢١]. 
11- أقام الإسلام الزواج بين الزوجين على أساس الرغبة التامة، والرضا الكامل من كل منهما للآخر، وذلك على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية، من إغفال لرضاهما، وإهدار لرغباتهما، وعلى خلاف ما هو الأمر عليه في بعض مجتمعاتنا الحاضرة، من إجبار الشاب على الزواج ممن لا يرغب فيها، وإجبار الشابَّة على الزواج ممن لا تطمع في مثله، مما تهدَر معه إنسانية الإنسان وكرامته وحريته، وتضيع في ثناياه سعادته، وتتولد منه المشكلات الأسرية، والرزايا التي تهدم الأسر، وتشرد الأولاد وتمزِّق أواصر المجتمع، وتقلب الأمة الواحدة إلى أمم متفرقة متناحرة، وهو ما يأباه الإسلام ويُنَفِّر منه، قال سبحانه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: ٩٢].
12- أقام الإسلام الحياة الزوجية على أسس من المودة والألفة بين الزوجين، والتكريم المتبادل بينهما، والتعاون على رعاية الأسرة، فلا تَجَبُّر من الزوج على زوجته وأولاده، ولا تمرد من الزوجة على زوجها، ولكن محبة وتعاون، وما أجمل التعبير القرآني الذي قرر هذا المعنى السامي.
وهو قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[الروم: ٢١].
13- اهتم الإسلام برعاية الأولاد، والإنفاق عليهم، وحسن تربيتهم، والاهتمام بعقيدتهم وثقافتهم وحبهم لله تعالى، وتنفيذهم لأحكامه سبحان، فأوجب النفقة على الأب، والحضانة على الأم، وأوجب تعليمهم القرآن الكريم، وأَمْرَهم بالصلاة والصوم وجميع العبادات الإسلامية، قال r: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه))([32])، وقال u: ((كلُّكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته))([33]).
 وقال جلَّ من قائل: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)  [الطلاق: ٧].
14- نظَّم الإسلام أمور الأسرة المالية، فبيَّن من تجب عليه النفقة، ومن تجب له النفقة، وبيَّن حدودها وطريقة استيفائها، وأنها واجب من الواجبات الدينية والقضائية، وليست صدقة فيها مِنَّة، وأنها واجبة للزوجة والوالدين، وإن كانوا مخالفين للولد في الدين، وتجب للأولاد، ماداموا صغارًا فقراء محتاجين للنفقة، وتجب لجميع الإخوة، والأخوات، والأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، ومن وراءهم، ماداموا فقراء عاجزين عن الكسب، وذلك بتنظيم دقيق عادل، وهكذا تستغني الأسرة بأفرادها عن الحاجة إلى من سواهم أو وراءهم، مما يوفر لها الكرامة، ودوام الاستمرار في العيش الرغيد.
وبذلك يكون التشريع الإسلامي قد رافق الأسرة في مسيرتها، ورعاها منذ لحظة التفكير في إنشائها إلى لحظة إنهائها، مرورًا بأحوالها وشئونها مدة قيامها، مراعيًا في ذلك كله قواعد العدالة، والأخلاق، والمثل الاجتماعية، وآخذًا بعين الاعتبار العواطف الإنسانية، والطاقة البشرية، والنزوات الجسدية، والخلجات النفسية، مقدرًا لكل منها قدرها، في إطار من الموضوعية الشاملة، بما يؤمِّن للأسرة أقوى رباط، وأسمى إطار، يلفُّها، ويقوِّيها، ويشدُّ من أزرها، حتى تقوم بواجبها الاجتماعي والإنساني، في الإنجاب والتربية واستمرار الجنس، في ظل عبادة الله تعالى وشكره على نعمه.



المبحث الرابع ـ خطورة العولمة وآثارها السلبية([34])
ظهرت العديد من الآثار السلبية والخطيرة للعولمة، سواءً على الأسرة المسلمة، أو على النظام الاجتماعي في المجتمعات المسلمة عمومًا، ومن هذه الآثار:
1- تمزُّق الكثير من الأنسجة الاجتماعية، واختلال ـ إن لم نقل انحلال ـ الروابط الأسرية والاجتماعية، ومروق الشباب وتمردهم على ضوابط الأسرة، وقيم المجتمع.
2- تردي علاقة الآباء بالأبناء، وانصراف الأولين عن دورهم التربوي التاريخي ـ ما عدا الرعاية المادية ـ يقابل ذلك استغناء الأبناء عن الحاجة إلى أولياء الأمور تحت عناوين الاستقلالية وبناء الذات.
3- تهديد النظام الأخلاقي الإسلامي، فمن خلال العولمة يروج للشذوذ الجنسي، ويحاول الغرب استصدار قوانين لحماية الشذوذ الجنسي في العالم، ومن أحدث محاولات العولمة محاولة، فرض مصطلح جديد يطلق عليه (Gender) بدل كلمة (sex)، يقول الدكتور "محمد الركن"، في مجلة المستقبل الإسلامية: (ومن المسائل الجديد المستحدثة التي تحاول بعض المنظمات والحكومات الغربية فرضها، وإلزام شعوب العالم الأخرى بوجهة نظرهم فيها، مسألة تعريف الجنس والأسرة، ومما حداني للحديث حول هذا الموضوع، ما شاهدته في المستندات الرسمية، فقد تمت ترجمة الجنس الغربي إلى مصطلـــح (Gender) باللغة الإنجليزية، وهي تنم عن عدم إلمام بما يسعى إليه الغربيون في فرض ثقافتهم على الآخرين، فلفظة الجندر لا تتطابق تمامًا مع لفظة (sex)، بل إن لها أبعادًا خطيرة قلما نتنبه إليها.
والموسوعة البريطانية تعرف "الجندر" بأنه: (تقبل المرء لذاته، وتعريفه لنفسه كشيء متميز عن جنسه البيولوجي الحقيقي)، فهناك من الأشخاص من يرون أنه لا صلة بين الجنس والجندر، إذ أن ملامح الإنسان البيولوجية الخارجية الجنسية مختلفة عن الإحساس الشخصي الداخلي لذاته أو للجندر، بعبارة أخرى أكثر تبسيطًا، فإن الجندر بعبارتهم تنصرف إلى غير الذكر والأنثى كجنسين فقط، ونحن لا نعرف ولا نقر في ديننا وثقافتنا إلاَّ بهما، فالجندر تشمل الشاذين جنسيًا من سحاقيات، ولواطيين، ومتحولي الجنس، إذ أنها ترتبط بتعريف المرء لذاته، وهويته، وليس بجنسه البيولوجي.
ومن هنا تأتي خطورة المسألة، ولهذا نرى في المؤتمرات الدولية تسابقًا محمومًا من المنظومات الغربية، وبعض الحكومات الغربية، وخصوصًا الأوروبية، لفرض لفظ (Gender) بدل لفظ (sex) التي تنصرف إلى الذكر والأنثى فقط، وذلك عند الحديث عن حقوق الإنسان، أو محاربة التمييز ضد الإنسان، أو تجريم أفعال ترتكب ضد الإنسان).
4- تقوية النزعة الأنانية لدى الفرد، وتعميق مفهوم الحرية الشخصية في العلاقة الاجتماعية، وفي علاقة الرجل بالمرأة، وهذا بدوره يؤدي إلى التساهل مع الميول والرغبات الجنسـية، وتمرد الإنسان على النظم والأحكام الشرعية التي تنظم وتضبط علاقة الرجل بالمرأة، وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الإباحية، والرذائل، والتحلل الخلقي، وخدش الحياء، والكرامة، والفطرة الإنسانية.
5- العمل على تفكيك الأسرة وإضعافها وقطع أواصرها، يقول الباحث الدكتور "عماد الدين خليل": (وفي الجانب الاجتماعي تسعى العولمة إلى تعميمالسياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة، وكفالة حقوقهم في الظاهر، إلا أنَّ الواقعهو إفساد وتفكيك الأفراد واختراق وعيهم، وإفساد المرأة والمتاجرة بها، واستغلالها فيالإثارة والإشباع الجنسي، وبالتالي إشاعة الفاحشة في المجتمع، وبالمقابل تعميم فكرةتحديد النسل، وتعقيم النساء، وتأمين هذه السياسات وتقنينها بواسطة المؤتمرات ذاتالعلاقة: ("مؤتمر حقوق الطفل"، "مؤتمر المرأة في بكين"، "مؤتمر السكان"، وما تخرج بههذه المؤتمرات من قرارات وتوصيات واتفاقيات تأخذ صفة الدولية، ومن ثمَّ الإلزامية فيالتنفيذ والتطبيق، وما تلبث آثار ذلك أن تبدو واضحة للعيان في الواقع الاجتماعياستسلامًا وسلبية فردية، وتفككًا أسريًا واجتماعيًا، وإحباطات عامة، وشلل تام لدور المجتمع، الذي تحول إلى قطيع مسير، ومنقاد لشهوته وغرائزه، لا يعرف معروفًا ولا ينكرمنكرًا، متحللًا من أي التزامات أسرية واجتماعية، إلا في إطار ما يلبي رغباته وشهواتهوغرائزه)([35]).
6- من مخاطر العولمة أنها تجيز الشذوذ الجنسي، والعلاقات الجنسية الآثمة بين الرجل والمرأة، بل بين الرجل والرجل، ولبيان هذا الجانب الخطير المدمر للحياة الاجتماعية في العالم الإسلامي، نقف قليلًا عند وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة، المُسمى المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الذي عُقد في القاهرة من 5-13 سبتمبر عام 1994م، وهذه بعض الأمور التي ركزت عليها هذه الوثيقة:
* الفرد هو الأساس، ومصالحه ورغباته هي المعيار، لا الدين ولا الأمة، ولا العائلة، ولا التقاليد، ولا العرف، ومن حق الفرد التخلص من القيود التي تُفرض من جانب تلك الجهات.
* تتحدث عن ممارسة الجنس دون أن تفترض وجود زواج، وعن ممارسة الجنس بين المراهقين دون أن تستهجنه، والمهم في نظر الوثيقة ألا تؤدي هذه الممارسة إلى الوقوع في الأمراض، والواجب توعية المراهقين وتقديم النصائح المتعلقة بممارسة الجنس ومنع الحمل، وتوفير منتهى السرية لهم، واحترام حقهم في الاحتفاظ بنشاطهم الجنسي سرًا عن الجميع.
* تستهجن الوثيقة الزواج المبكر لأنه يؤدي ـ في نظرها ـ إلى زيادة معدل المواليد.
* الإجهاض: لا تدين الوثيقة الإجهاض، حتى ولو لم يكن ثمة خطر على صحة الأم، المهم أن يكون الإجهاض آمنًا لا يهدد حياة الأم، (إنَّ الإجهاض الذي تدعو إليه منظمة الأمم المتحدة من خلال مؤتمرها هذا، صلته وثيقة بالإباحية للجنس، المسقطة للقيود والالتزامات، دونما شرع أو قواعد آمرة ضابطة، وعلينا الوعي بأنَّ الحديث عن الإجهاض في هذا المؤتمر لم يكن حديثًا عن كونه حكمًا، أو فتوى لحالة أو حالات معينة، وإنَّما كان الحديث عنه بحسبانه سياسة عامة، مما يعني أنَّ الإجهاض بهذا المعنى إسناد للإباحية)([36]).
* استهجنت الوثيقة الأمومة المبكرة ـ دون أن تميز بين ما إذا كانت هذه الأمومة قد حدثت في نطاق الزواج الشرعي أم خارجه ؛ لأنها في نظرها تزيد من معدلات النمو، وتقيد المرأة من العمل والمساهمة في الإنتاج.
* استخدمت الوثيقة لفظ "قرينين" بدلًا من زوجين، فلفظ قرينين أكثر حيادًا، لأنَّه لا يفترض وجود رباط قانوني معين، وهذا الحياد يجعل الشذوذ الجنسي([37]) والعلاقات الجنسية دون زواج أمرًا جائزًا ومقبولًا.
* المساواة بين المرأة والرجل: تدعو الوثيقة إلى المساواة التامة بين الطرفين، وحثت المرأة على إلغاء الفوارق الطبيعية بينها وبين الرجل، ومن ذلك: اشتراك الرجل في الأعمال المنزلية، ورعاية الأطفال أسوة بالنساء، دون النظر إلى اختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الرجال والنساء([38])، ومقتضى هذا الفهم إزالة جميع الفوارق في الأحكام والحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، وهو الأمر الذي يتناقض مع الشريعة الإسلامية، التي تقوم على أساس الفرق الفطري والخلقي بين الرجل والمرأة.
ذلك الفرق الذي يقتضي اختلافًا في بعض الأحكام والحقوق والواجبات؛ بحسب اختلاف الاستعدادات الفطرية، والمؤهلات التكوينية بينهما، ولهذا نجد الشريعة الإسلامية تقرر أن مبدأ عدم المساواة المطلقة بين الرجال والنساء أمر قطعي الثبوت والدلالة، ولا خلاف فيه، ولا مجال فيه للاجتهاد.
7- إشاعة ما يسمى بأدب الجنس، وثقافة العنف التي من شأنها تنشئة أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة, وكظاهرة عادية وطبيعية([39])؛ وما يترتَّب على ذلك من انتشار الرذيلة، والجريمة، والعنف في المجتمعات الإسلامية، وقتل أوقات الشباب بتضييعها في توافه الأمور، وبما يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلاقه وسلوكه وحركته في الحياة.
وتساهم في هذا الجانب شبكات الاتصال الحديثة، والقنوات الفضائية، وبرامج الإعلانات، والدعايات للسلع الغربية، وهي مصحوبة بالثقافة الجنسية الغربية، التي تخدش الحياء والمروءة والكرامة الإنسانية، ولقد أثبتت الدراسات الحديثة خطورة القنوات الفضائية ـ بما تبثه من أفلام ومسلسلات جنسية فاضحة ـ على النظام التعليمي والحياة الثقافية، والعلاقات الاجتماعية، ونمط الحياة الاقتصادية في العالم الإسلامي([40]).
        وفي دراسة أعدها مركز دراسات المرأة والطفل بالقاهرة على1472 فتاة وسيدة مصرية؛ تبيَّن أنَّ الأفلام التي يشاهدنها: 85% أفلامًا جنس، 75% بها مشاهد جنسية، 85% أفلام عنف وحروب، 23% أفلام فضاء، 68% أفلامًا عاطفية قديمة وحديثة، 21% أفلامًا أخرى، 6% فقط من عينة البحث يشاهدن نشرات الأخبار وبرامج ثقافية وترفيهية، ولم يذكرنَّ الأفلام العلمية، لأنها لم تنل منهن أي اهتمام يذكر([41]).
8- زيادة نسبة معدلات الجريمة، ليس في الدول النامية وحدها، بل في كل الدول الأوروبية الغنية، وقد أكَّد هذا الأمر الكاتبان الألمانيان "هانسبيتر مارتين، وهارالدشومان" حيث قالا: (ينتفع مرتكبو الجرائم متعددة الجنسيات أيضًا من إلغاء القيود القانونية المفروضة على الاقتصاد، فعلى مستوى كل البلدان الصناعية تتحدث دوائر الشرطة والقضاء عن طفرة بينة في نمو الجريمة المنظمة، وكان أحد موظفي الشرطة الدولية قد أشار إلى هذه الحقيقة بعين العقل، حينما راح يقول: "إنَّ ما هو في مصلحة التجارة الحرة، هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضًا"([42])، ويضيفان: إنَّ النتائج المترتبة تثير الرعب بلاشك، ففي منظور الخبراء أضحت اليوم الجريمة المنظمة عالميًا، أكثر القطاعات الاقتصادية نموًا، إنه يحقق أرباحًا تبلغ خمسمائة مليار دولار في العام) ([43]).
      ويمكن أن نمثِّل بالولايات المتحدة الأمريكية أبرز قلاع الرأسمالية، فالجريمة اتخذت هناك أبعادًا بحيث صارت وباءً واسع الانتشار؛ ففي ولاية "كاليفورنيا" ـ التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى الاقتصادية العالمية ـ فاق الإنفاق على السجون المجموع الكلي لميزانية التعليم، وهناك 28 مليون مواطن أمريكي، أي ما يزيد على عشر السكان قد حصَّنوا أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة، ومن هنا فليس بالأمر الغريب أن ينفق المواطنون الأمريكيون على حراسهم المسلَّحين ضعف ما تنفق الدولة على الشرطة([44]).
      في سنة 1965م وقعت خمسة ملايين جريمة، ثم ازدادت الجرائم الخطيرة أسرع أربع عشرة مرة من الزيادة السكانية ـ 187 % مقابل 13 % ـ، وفي أمريكا: تحدث جريمة كل 12 ثانية، وجريمة قتل كل ساعة، وجريمة اغتصاب للعرض كل 25 دقيقة ـ مع أن الجنس مباح ـ، وجريمة سرقة كل خمس دقائق، وسرقة سيارة كل دقيقة([45]).
      واتَّهَمَ الرئيس "نكسون" "هوليود" بتدمير المجتمع الأمريكي، من خلال ما تنتجه من مادة إعلامية تدعو للإباحية الجنسية، واجتمع الرئيس "كلينتون" مع 400 سينمائي من "هوليود"، والتمس منهم الرحمة بالمجتمع الأمريكي، عن طريق الكف عن إنتاج الأفلام الجنسية الإباحية([46]).‏
9- زيادة معدلات الفقر والبطالة، وتوهين العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، والظلم الاجتماعي الذي يصيب الأسر الفقيرة، نتيجة تقليص الدولة للدعم الاجتماعي لهذه الأسر، كما ستؤدي العولمة إلى تشغيل خمس المجتمع، وستستغني عن الأربع الأخماس الآخرين؛ نتيجة التقنيات الجديدة المرتبطة بالكمبيوتر.
فخمس قوة العمل كافية لإنتاج جميع السلع، وسيدفع ذلك بأربعة أخماس المجتمع إلى حافة الفقر والجوع، ومن مخاطر العولمة أيضًا قضاؤها على حلم مجتمع الرفاه، وقضاؤها على الطبقة الوسطى التي هي الأصل في إحداث الاستقرار الاجتماعي، وفي إحداث النهضة والتطور الاجتماعي([47]).
ولقد أصدرت الأمم المتحدة أخيرًا تقريرًا، يفيد بأنَّ قوى العولمة رغم إتاحتها فرص لم يحلم بها لمنفعة بعض الشعوب وبعض الدول، إلا أنها قد أسهمت في الوقت نفسه في كثير من دول العالم في رفع معدلات الفقر والظلم، والقلق على فرص العمل، وإضعاف المؤسسات التي تقدم الدعم الاجتماعي للفقراء، كما أسهمت في تفتت القيم والعادات السائدة منذ زمن بعيد([48]).
10- أنها تدفع بفئات اجتماعية متعددة إلى حافة الفقر والتهميش، وتشير الأرقام إلى أن 358 مليارديرًا في العالم، يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 2.5 مليار من سكان العالم، أي ما يزيد قليلًا عن نصف سكان العالم.
وأن هناك 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية.
وهذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت آخر داخل كل دولة، حيث تستأثر قلَّة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين يعيش أغلبية السكان على الهامش.
11- طمس الهوية الثقافية للمجتمعات الإسلامية، واستبدالها بالهوية الغربية، وخاصة الأمريكية، حيث سيطرت الثقافة الأمريكية الشعبية على أذواق البشر؛ فأصبحت موسيقى وغناء "مايكل جاكسون"، وتليفزيون "رامبو"، وسينما "دالاس" هي الآليات والنماذج السائدة في مختلف أنحاء العالم، وأصبحت اللغة الإنجليزية ذات اللكنة الأمريكية هي اللغة السائدة([49]).
وكذلك انتشار الأزياء والمنتجات الأمريكية في كثير من الدول الإسلامية، لأنَّ هذه السلع تحمل في طياتها ثقافة مغايرة، تسحق ثقافات الأمم المستوردة لها.
12- أن ثقافة العولمة ثقافة مادية بحتة، لا مجال فيها للروحانيات، أو العواطف النبيلة، أو المشاعر الإنسانية، إنها تهمل العلاقات الاجتماعية القائمة على التعاطف والتكافل، والاهتمام بمصالح وحقوق الآخرين، ومشاعرهم.
فهي تشكل عالمًا يجعل من الشح والبخل فضيلة، ويشجع على الجشع والانتهازية، والوصول إلى الأهداف بأي وسيلة، دون أدنى التفات إلى القيم الشريفة السائدة في المجتمع([50]).



المبحث الخامس ـ توصيات لحماية الأسرة المسلمة من أخطار العولمة
بعد هذا العرض المستفيض لخطورة العولمة، وآثارها السلبية على الأسرة وعلى المجتمع الإسلامي كله، نسوق بعض المقترحات والتوصيات لحماية الأسرة من أخطار العولمة، وقد قسمتها إلى قسمين: توصيات عامة للنهوض بالمجتمع المسلم ككل، وتوصيات خاصة بالأسرة المسلمة.
أولًا: التوصيات العامة للنهوض بالمجتمع المسلم:
1- التمسك بالشريعة الإسلامية، التي ارتضاها الله تعالى لنا، فوفقها ننظم حياتنا، ونربي أجيالنا، ونتبصر بحقائق الحياة.
إن مجرد كوننا مسلمين جغرافيين لا يكفى لإنجاز وعد الله لنا بالنصر في مواجهة أخطار العولمة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: ٧]، فهل نحن نصرنا الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه؟
2- تبني المنهج الشمولي في فهم الإسلام، الذي يجمع بين العقيدة، والشريعة، والسلوك، والحركة، والبناء الحضاري، وفق منهج واع، أصولي سليم، يعتمد فقط على العلم والعقل، وهذا يتطلب تغيير حياتنا منطلقين من قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[الرعد: ١١]([51]).
3- إعادة النظر في مشكلاتنا الاجتماعية، في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية العامة، ومقاصدها، وغاياتها الحكيمة في الحياة أولًا؛ لتحديد مسئولية الأسرة، والمدرسة والجامعة، ومعاهد التعليم، ومؤسسات المجتمع المدني، في القيام بواجباتها في هذا الجانب.
4- إقامة المجتمعات الإسلامية على القاعدة الإيمانية، التي تجمع بين المسلمين جميعًا، دون الالتفات إلى اختلاف اللغة أو اللون أو العرق، ومعاملة أهل الأديان جميعًا وفق القاعدة التالية: (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين)، أي تحقيق العدالة المطلقة للجميع، إلاَّ فيما يخصُّ القضايا التشريعية الخاصة بكل أهل دين، فالبشر جميعًا كرامتهم مصانة في إطار المجتمع الإنساني.
ثانيًا التوصيات الخاصة بالأسرة المسلمة:
1- الاهتمام بتربية الأسرة المسلمة:
بتثقيف أفرادها، وتوعيتهم، وتوجيههم من خلال أجهزة الدولة المختلفة، ومن خلال الوسائل، والبرامج التي تشترك جميعًا في تكوين أجيال تشعر بانتمائها الإسلامي، وانتسابها الحضاري للأمة العربية والإسلامية.
إنَّها التربية الإسلامية، التي تهدف إلى صياغة الفرد صياغة إسلامية حضارية، وإعداد شخصيته إعدادًا كاملًا من حيث العقيدة، والأخلاق والقيم، والمشاعر والذوق، والفكر، والمادة؛ حتى تتكوَّن الأمَّة الواحدة المتحضرة، التي لا تبقى فيها ثغرة تتسلل منها إغراءات العولمة اللادينية، الجنسية، الإباحية([52]).
2- المحافظة على الأسرة المسلمة من المخاطر الخارجية، وذلك عن طريق:
- كشف سوءات مؤتمرات تحرير المرأة والمساواة للجمهور الإسلامي، وبيان مراميها، ومخالفتها لمقاصد الشريعة، وهذا الدور يقع على عاتق وسائل الإعلام الجادة، والدعاة، وأهل العلم، ممن يبلغون دين الله للناس، ويحملون شعلة الحق.
- قيام الوزارات، والهيئات، والمؤسسات الإسلامية ـ الرسمية وغير الرسمية ـ، بإصدار بيانات تستنكر هذه المؤتمرات وأهدافها الخبيثة، ونشر هذه البيانات، وتغطيتها تغطية إعلامية حتى يتبين الأمر للجمهور الإسلامي.
- كشف زيغ التيار النسوي العلماني التغريبي في العالم الإسلامي والعربي، وأنه جزء من تيار الزندقة المعاصر، والمدعوم من هيئات مشبوهة خارجية. 
- قيام الجهات الخيرية الإسلامية ـ والأقسام النسائية فيها على وجه الخصوص ـ بتحمل مسئولياتها، والتنسيق فيما بينها، للقيام بالمناشط الدعوية التثقيفية لمختلف شرائح المجتمع، وإصدار وثيقة للأسرة المسلمة، تؤصَّل فيها الرؤية الشرعية، حول المرأة وحقوقها الأساسية في الإسلام.
- عمل رصد إعلامي جاد لكل فعاليات المؤتمرات الدولية والإقليمية، ومتابعة الخطوات الفعلية لتنفيذ توصيات المؤتمرات السابقة، التي ناقشت قضايا المرأة، وإصدار ملاحق صحفية؛ لبيان الموقف الشرعي من هذه المؤتمرات وتوصياتها.
- ممارسة ضغوط قوية على وسائل الإعلام المختلفة، التي تقوم بالترويج والتغطية السيئة لهذه المؤتمرات؛ لتكف عن ذلك.
- ضرورة إعادة النظر في خطط تعليم المرأة؛ بحيث تتفق مع طبيعة المرأة ـ من ناحية ـ وظروف المجتمع، واحتياجات التنمية ـ من ناحية أخرى ـ.
- تكوين هيئات عليا للنظر في كل ما يتعلق بالأسرة من النواحي النفسية، والثقافية، والصحية، وتفعيل دور وزارات الشئون الاجتماعية؛ للقيام بدور فاعل للاستجابة لمتطلبات الأسرة المسلمة.
- المشاركة الفاعلة في هذه المؤتمرات ـ إن كانت المصلحة تقتضي ذلك ـ، وطرح البديل الإسلامي في المسألة الاجتماعية، وكشف عوار الحياة الغربية الاجتماعية ـ كلما أمكن ـ.
- تأسيس مراكز متخصصة؛ لمتابعة النشاط النسوي التغريبي العالمي والإقليمي، ومعرفة ما يتعلق به من مؤتمرات.
- نشر موقف الإسلام من المرأة والأسرة عالميًا؛ وذلك من خلال مبادرات إسلامية لعقد مؤتمرات عالمية عن قضايا المرأة، والأسرة، وحقوق الإنسان، من منظور شرعي.
- ضرورة العمل على إيجاد مؤسسات نسائية متخصصة، (شرعيًا ـ علميًا ـ تربويًا ـ اجتماعيًا ـ اقتصاديًا)، من شأنها أن تسهم إسهامًا جليًا في توفير الحصانة الشرعية والفكرية، وفي البناء الدعوي والتربوي للمرأة المسلمة، لتكون قادرة على مواجهة هذا التيار التغريبي الهادر.
- التحذير من مخاطر الغزو الثقافي والإعلامي للحضارة الغربية، التي تتميز أسرها بالتفكك، والتشتت، وغياب الروابط الدينية والأخلاقية والتربوية فيما بين أفرادها، في مختلف وسائل الإعلام.
- وجوب قيام وسائل الإعلام المختلفة المسموعة، والمرئية، والمقروءة، ثم المساجد، ودور القرآن، والمدارس، بالإضافة إلى الجمعيات، والنوادي الثقافية، والتربوية، والدعوية، بالتوعية بأهمية الأسرة في المجتمع ودورها العظيم.
- الرد العقلاني الموضوعي على الترهات التي يروجها الغرب، وتوجيه الأسرة العربية العملي لمواجهاتها، بدءًا من إنكار أكاذيبهم، والاستعداد لمقاومتها.
3- المحافظة على الأسرة من الداخل وذلك عن طريق:
- إحياء العقيدة الصحيحة داخل الأسرة، وتصحيح العبادة الإيجابية الدافعة إلى فعل الخيرات وترك المنكرات.
- التدريب على الصبر، وإحياء القيم الاجتماعية، والإسلامية داخل الأسرة.
- إعطاء المعلومة الصحيحة والخبرة للشباب حول شروط ومقومات الزواج الناجح.
- عدم تعجيز الشباب في أمور الزواج، وذلك بالمغالاة في المهور، وتكاليف الزواج الباهظة.
- وجوب قيام العلاقة الزوجية على التفاهم، والحوار، والاحترام المتبادل، والتعاون من أجل بناء أسرة متينة، وقوية.
- توعية المجتمع بالبعد الجنسي في موضوع الزواج.
- وجوب طاعة الزوجة لزوجها؛ من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة، والفوز برضوان الله.
- تفعيل دور المرأة الأم، وتثقيفها، وتوعيتها دينيًا، وتربويًا، واجتماعيًا، بأهمية صحة علاقاتها الأسرية السليمة مع زوجها وأبنائها.
- إدراك حقيقة العلاقة التي ارتضاها الرب تبارك وتعالى بين الأفراد داخل الأسرة، وأنها علاقة رحمة وتواد وتكافل، وليس تنافس وأنانية وتآمر.
- مساندة من أرادت العمل من النساء لمنفعة نفسها، وأسرتها، وخدمة مجتمعها، والمشاركة في تنميته، وتشجيعها على الإيجابية، والمبادرات المحمودة.



الخاتمة
وهكذا يتضح من ثنايا البحث، خطورة العولمة على الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي، وكيف أن الإسلام كفل لنا من الطرق والوسائل ما نحارب به كل وسائل تغريبنا عن ديننا، وإبعادنا عن ثقافتنا، وطمس معالم حياتنا الاجتماعية، ومقاومة تذويبها في الأطر غير الإسلامية وغير الشرعية.
وأخيرًا فإن العمل بهذه التوصيات، وغيرها من التوصيات؛ لمواجهة خطر العولمة، لهو أمر ضروروي، لاستقامة الأمة الإسلامية، وخطوة حقيقية وكبيرة نحو استعادة أمجادنا المسلوبة، وتاريخنا العريق ، كما كنا من قبل سادة للأمم.


 ([1]) الأسرة في ضوء الكتاب والسنة، د."السيد أحمد فرج"، الطبعة الأولى، 1407 هـ، طبعة دار الوفاء، مصر، ص: 6.
([2]) ابن منظور، لسان العرب، مادة أسر، 4/19.
 ([3]) المعجم الوسيط، (ج 1/ ص 36).
 ([4]) القاموس المحيط، (ج 1/ ص 347).
 ([5]) النهاية في غريب الأثر، (ج 1/ ص 106).
([6]) صلاح بن ردود الحارثي، دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة، جدة، مكتبة السوادي، 1424، ص250.
 ([7]) الأسرة والعولمة, فؤاد بن عبد الكريم, بحث في التقرير الارتيادي السنوي الثالث الصادر عن مجلة البيان 1427هـ. ص 363.
 ([8]) بحث بعنوان (تعريف الأسرة)، نشر على موقع مركز أبحاث على شبكة الإنترنت.
 ([9]) تربية الأولاد في الإسلام، محمد المقبل، ص:35.
 ([10]) مدخل إلى أصول التربية، ص: 90.
 ([11]) الأسرة في ضوء الكتاب والسنة، ص: 7.
 ([12]) تربية الأولاد في الإسلام، محمد المقبل، ص: 35.
 ([13]) مستفاد من كتاب (العولمة)، د.صالح الرقب، ص 4-9.
([14]) العرب والعولمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998م، من بحث للدكتور محمد عابد الجابري، ص 135.
([15]) مفهوم العولمة وقراءة تاريخية، للظاهرة: أحمد صدقي الدجاني، جريدة القدس، 6/2/1998م، ص13.
([16]) د. محمود فهمي حجازي، مجلة الهلال، عدد مارس 2001، القاهرة ص87.
([17]) مقاربتان عربيتان للعوامة، ياسر عبد الجواد، المستقبل العربي، عدد 252، شباط 2000م، ص2.
 ([18])   المصدر السابق، ص 136-137.
([19])  WEBSTERS NEW COLLEGIATE DICTIONARY، 1991 ،P 521.
([20] ) حقوق الإنسان من العالمية الإنسانيةوالعولمة السياسية، مجلة الموقف الثقافي: باسيل يوسف، العدد 10،1997م، دار الشئون الثقافية،بغداد، ص17.
([21]) العولـمة بين النظم التكنولوجية الحديثة، نعيمة شومان، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت 1418هـ- 1998م، ص40.
([22] ) محمد سعيد أبو زعرور، العولمة محمد سعيد أبو زعرور، دار البيارق- عمان ، الأردن، الطبعة الأولى 1418هـ - 1998م، ص 14.
([23]) مصطفى حمدي، العولمة آثار ومتطلباتها، نقلًا عن المصدر السابق، ص 14- 15. 
([24]) إعلام العولـمة وتأثيره في المستهلك، أحمد مصطفى عمر، المستقبل العربي ص72، نقلًا عن مجلة (الإسلام وطن)، عدد 138، حزيران، 1998، ص12.
([25]) د. أحمد مجدي حجازي، العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية، ص3، وهو بحث ألقي في المؤتمر العلمي الرابع، (الثقافة العربية في القرن القادم بين العولمة والخصوصية) المنعقد بجامعة فيلادلفيا في الأردن في مايو 1998م.
([26]) الإسلام والعولمة، محمد إبراهيم المبروك وآخرون، الدار القومية العربية، القاهرة 1999م، ص 99،101.
([27]) انظر العرب والعولمة، محمد عابد الجابري، ص 137.
([28]) العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي، الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ أيسيسكو ـ الرياض، وهو موجود على موقع أيسيسكو، شبكة المعلومات الدولية.
([29])  الأسرة والعولمة, مرجع سابق ص 367.
([30]) رواه مسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، (3464).
([31]) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، (5186)، ورواه مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، (37250)، واللفظ للبخاري.
([32]) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، (1385)، ورواه مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار، (6926).
([33]) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، (893)، ورواه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية، (4828)، واللفظ للبخاري.
([34]) لمزيد من التفاصيل يراجع (أخطار العولمة الثقافية)، للشيخ حامد العلي، و(العولمة) للدكتور صالح الرقب، و(العولمة الحقيقة والأبعاد) للدكتور غازي التوبة.
([35] ) تحدياتالنظامالعالميالجديد، د.عماد الدين خليل، شبكة المعلومات الدولية، موقع الإسلام على الطريق.
([36]) وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د.الحسيني سلمان جاد، كتاب الأمة عدد 53، السنة السادسة، جمادى الأولى1417هـ، ص 72.
([37]) وقد وجدت أخيرًا جماعات الشواذ جنسيًا في كثير من البلدان العربية، وقد دافع عنهم الرئيس الفرنسي شيراك، كما دافعت عنهم بعض المنظمات الدولية، لأنَّ الحكومة المصرية تريد محاكمتهم على جرائمهم.
([38]) انظر العولمة، د. جلال أمين، ص 133-138، الإسلام والعولمة، ص 121-12، وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د.الحسيني سلمان جاد، ص55-70.
([39]) انظر مبحث الثقافة العربية في مواجهة المتغيرات الدولية الراهنة، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 100-101، بيروت 1993م، مسعود ظاهر، الوطنية في عالم بلا هوية، ص84-85، 150، ص36.
([40]) العولمة، د. جلال أمين ص 126-128.
 ([41]) العولمة، د. جلال أمين، ص 126-128.
 ([42]) فخ العولمة،  فخ العولمة هانس بيترمارتين، هارالد شومان، ترجمة د. عدنان عباس علي، مراجعة وتقديم أ.د. رمزي زكي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص 367.
 ([43]) المصدر نفسه، ص 370، فمن الأمثلة: ارتفاع حجم المبيعات في السوق العالمية للهيروين في عام 1990م إلى عشرين ضعفًا من خلال العشرين سنة الماضية، وارتفعت المتاجرة بالكوكايين إلى خمسين ضعفًا، انظر المصدر السابق ص 367-368.
([44]) العولمة الحقيقة والأبعاد، من ورقة قُدمت إلى مؤتمر كلية الشريعة في جامعة الكويت، المنعقد عام 2000م حول العولمة، موقع الأمة، شبكة المعلومات الدولية.
 ([45]) انظر الإسلام بين الشرق والغرب، د. علي عزت بيجوفيتش، مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام والخدمات، ومجلة النور الكويتية، الطبعة الأولى 1414هـ، 1994م، ص 117، 120، 122.
 ([46]) انظر وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د.الحسيني سلمان جاد، ص 71.
([47]) العولمة الحقيقة والأبعاد، مصدر سابق. 
([48]) انظر مجلة المشاهد السياسي، عدد 108، 11 نيسان 1998م، ص 36.
 ([49]) انظر مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 229، مارس 1998م، انظر الثقافة العربية في عصر العولمة، د.عبد الفتاح أحمدالفاوي، الأهرام 22/02/2001.
 ([50]) الوطنية في عالم بلا هوية، ص 150-151، تحديات العولمة، د. حسين كامل بهاء الدين.
 ([51]) العولمة من منظور إسلامي، انظر موقع الإسلام على الطريق، شبكة المعلومات الدولية.
 ([52]) العولمة والمستقبل استراتيجية تفكير، سيار الجميل، الأهلية للنشر والتوزيع، ط1 عمان، ص99.