العلاقات التركية الأمريكية..."زواج تقضيه المصلحة"
15 ذو الحجه 1429
طه عودة

تعيش العلاقات الأمريكية- التركية منذ أكثر من خمسة أعوام حالة من المد والجذر ولعل الخلاف الذي حدث بين الطرفين علي خلفية رفض الجانب التركي السماح للقوات الأمريكية بالمرور عبر أراضيها إلي العراق في آذار 2003 ما يزال يلقي بظلاله علي مستقبل العلاقات بين البلدين.

 ويبدو أن المحاولات التي بذلتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقا  لم تحطم جبل الجليد الذي تشكل منذ ذلك التاريخ وإنما وضعت العلاقات الإستراتيجية بين البلدين من جديد علي المحك.

إذ أن المتغيرات الإقليمية في المنطقة خصوصا صعود النفوذ الروسي في المنطقة لعبت دورا كبيرا في إعادة الولايات المتحدة ترتيب أوراقها مع حليفها الإستراتيجي التركي وأصبحت فرصة واشنطن أكبر للحفاظ على تركيا كشريك استراتيجي في مواجهة القطب الروسي.

وفي تقرير وقعه 34 من  كبار المسئولين السابقين ومنهم مادلين أولبرايت وريتشارد ارميتاج إشارة إلى أهمية تركيا في العالم الإسلامي والحاجة إليها في حل النزاعات الإقليمية.

كل هذه الأمور تشير إلى أن العلاقات التركية الأمريكية تدخل في نطاق التحالفات الاستراتيجية لكن في ضوء الثوابت والمتغيرات المحيطة بهذا التحالف ويمكن القول بأنه تحالف غير متوازن يميل دائما لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك فلدى الطرفين حرص على استمراريته وثباته بما أن مصلحتهما تقتضي الإبقاء على هذه العلاقات أفضل من قطعها.

فقد لقد لخص رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان رؤيته للعلاقات التركية- الأمريكية بالقول إن "علاقاتنا تقوم على القيم السياسية المشتركة والشراكة الاستراتيجية" وبالاستناد إلى هذه الرؤية لجوهر العلاقات التركية- الأمريكية دخل إردوغان في تفاصيل العلاقة بالقول إن "العلاقات المتعددة البعد بين تركيا والولايات المتحدة تصير أكثر عمقا وقوة كل يوم".

وأضاف أن البلدين يتعاونان في أفغانستان والعراق وإعادة إعماره ولهما أفكار مشتركة في ما يتعلق بقبرص كما أن العلاقات الاقتصادية في نمو مستمر وهناك تبادل للآراء رفيع المستوى في المحافل الدولية.

ويمكن القول بأن العلاقات التركية – الأمريكية ستشكل في المرحلة القادمة تباعا حسب التطورات التي تحدث في شمال العراق والأهم من ذلك أن طبيعة تعامل القوات الأمريكية مع حزب العمال الكردستاني ستلعب دورا حيويا في هذه العلاقات.

ما حدث في فبراير الماضي ( العملية البرية الواسعة التي شنها الجيش التركي لملاحقة المتمردين الأكراد في شمال العراق) قد حدث رغم مذاقه المر الذي بقي في حلق الأتراك ولكن ينبغي على تركيا أن تستفيد من الدروس الماضية وألا تحتك مع واشنطن عبثا خاصة أن كل انتباهها مركز الآن على رؤية نوعية الطريقة التي ستتعامل بها واشنطن مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

الأمريكيون نجحوا في إخافة المنظمات الإرهابية كافة في شمال العراق وتفكيكيها. وحزب العمال الكردستاني أيضا هو على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية لكنها لم تلمسه إلى الآن وهو يمارس نشاطاته الاعتيادية في معسكر حزب العمال الكردستاني على الحدود العراقية - الإيرانية مما يشير إلى أن الأمريكيين ينتظرون شيئا بالتأكيد.

سواء طال الانتظار أو أعطت واشنطن انطباعا لأنقرة بأنها تتغاضى عن أنشطة حزب العمال الكردستاني فإن ذلك سيؤثر سلبا على طبيعة العلاقات التركية - الأمريكية القادمة دون أدنى شك

تركيا وإنتخاب أوباما،،،

مع انتخاب باراك أوباما رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية عادت النقاشات من جديد  حول العلاقات التركية-الأمريكية ومدى الاختلاف في الرؤى بين الديمقراطيين والجمهوريين.

ويرى المراقبون السياسيون أن السياسية التركية الجديدة ستنطلق من حسابات وطنية خلالها تعاملها مع الإدارة الأمريكية الجديدة مشيرة إلى أنه من الممكن حدوث تغيير في بعض التكتيكات.

واليوم مع قدوم رئيس أمريكي جديد  ستسعى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إعادة ترميم العلاقات مع تركيا التي تعرضت في عام 2003 إلى هزة كبيرة إذ أنها بحاجة ماسة إلى الحليف التركي في حل النزاعات  في منطقة الشرق الأوسط ومنها ملف البرنامج النووي الإيراني.

وهناك من يرى أن الإدارة الأمريكية قد أعدت عدتها جيدا واستفرغت جهدها ووسعها في إعادة هيكلة وضع علاقاتها مع تركيا  في تركيا وستأتي بأجندة كاملة من أجل فتح صفحة جديدة مع تركيا بتدعيم العلاقات والقضاء على الإرث السلبي أولها في الشأن العراقي الذي بحسب المحللين يعد أولوية في الأجندة الأمريكية في المنطقة وتفعيل التعاون المشترك بين أنقرة وواشنطن لمحاصرة النظام الإيراني ووضعه على المحك مرة أخرى بإفشال أية محاولة لعب على التناقضات والتوازنات التي تشهدها المنطقة.

وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة القادمة حشد أكبر عدد ممكن من الدول في مواجهة إيران حيث تشكل تركيا في هذا الصراع بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بوابة إستراتيجية للسياسة الأمريكية في التعامل مع إيران

ولكن تركيا التي تعيش هذه الأيام مأزقا كرديا بفعل تزايد هجمات المقاتلين الأكراد النوعية علي الأهداف العسكرية التركية تطلب لقاء أي تعاون مع الأمريكيين صفقة شاملة تحصل بمقابل التعاون في الملف الإيراني تعهد أمريكي بمكافحة أنشطة حزب العمال الكردستاني

ويجدر بالذكر هنا أن المساعدة الأمريكية في إلقاء القبض علي زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل حاليا في تركيا عبد الله أوجلان لم تكن مساعدة مجانية في منطق تبادل المصالح بين الدول وإنما كانت مقابل تعهد تركي بالتوقف عن التدخل في الجمهوريات الآسيوية الناطقة باللغة التركية في الإتحاد السوفيتي السابق ذلك التدخل الذي شكل إزعاجا للإدارة الأمريكية ومشروعها للهيمنة علي تلك الجمهوريات.

لا أن تركيا أدارت ظهرها فيما بعد للطلب الأمريكي بالسماح للقوات الأمريكية بالمرور عبر تركيا إلي العراق بهدف غزو العراق الأمر الذي فهمته الإدارة الأمريكية علي أنه سعي تركي لعرقلة المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط.

وأخيرا,,,

نحن أمام مرحلة جديدة من مراحل التحالف الإستراتيجي التركي-الأمريكي وهذا التحالف من منظور إقليمي هو مرحلة تحضير وتمهيد لترتيبات إقليمية جديدة وسيناريوهات متعددة في المنطقة تلعب فيها تركيا دورا كبيرا وفاعلا