مرحلة ما بعد الانكسار الأمريكي في أفغانستان
13 ذو الحجه 1429
د. محمد مورو




قال المفكر الأمريكي المعروف " اليوت كوهين ": إن الحرب الأمريكية على العالم الإسلامي – الصحيح الحرب الأطلسية – هي الحرب العالمية الرابعة على أساس أن الحرب العالمية الثالثة هي الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق ، وأن تلك الحرب العالمية قد حسمت لصالح المعسكر الرأسمالي.

 

وقد عبر عن ذلك (الرئيس الأمريكي الأسبق الراحل) ريتشارد نيكسون في كتابه بعنوان  (نصر بلا حرب) ، أما الحرب العالمية الرابعة فهي ضد العالم الإسلامي – يسميها الأمريكان الحرب على الإرهاب – وقد اتخذ الأمريكان من حادث 11 سبتمبر مبرراً وذريعة لتلك الحرب ، ولكن الحقيقة أن هذه الحرب قد بدأت قبل أحداث 11 سبتمبر ، فالحرب على العراق مثلاً كان قراراها قد اتخذ قبل أحداث 11 سبتمبر – بالتحديد في عام 1997 – ، حيث قرر اليمين الأمريكي المحافظ الذي صعد إلى السلطة فيما بعد في عام 2001 عندما فاز الرئيس الأمريكي " جورج بوش الابن " بالرئاسة واستعد لتلك الحرب قبل أحداث 11 سبتمبر ، على أساس أن تلك الحرب طريقة لتحقيق فلسفة اليمين الأمريكي المحافظ فيما كان يسمى      " الإمبراطورية الأمريكية " أو القرن الأمريكي الجديد ، وعلى أساس أن تلك الحرب هي السبيل الوحيد لحل المشكلات الاقتصادية أو أزمة الرأسمالية الأمريكية على حساب الرأسماليات الأوروبية والصينية والروسية واليابانية ، وهي الأزمة التي ظهرت فيما بعد في قطاع العقارات والبورصات ، وغيرها لأن الحرب على العراق لم تنجح ، ومن ثم لم يتم حل أزمة الرأسمالية الأمريكية بل ازدادت المشكلة بسبب نفقات تلك الحرب، أضف إلى ذلك الفشل الأمريكي الذريع في أفغانستان ، وفشل الحرب بالوكالة التي قامت بها إثيوبيا ضد الصومال نيابة عن الولايات المتحدة .

 

وبديهي أن الحرب على العراق لم تكن لها علاقة بحادث 11 سبتمبر؛ لأنه لم يكن هناك صلات بين نظام صدام حسين والقاعدة أو طالبان أو غيرها من الأسباب المزعومة أمريكياً أو غربياً لتبرير الحرب على العراق ، من ناحية أخرى فإن اعتبار العالم الإسلامي هو العدو الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الاشتراكية كان قد تم التعبير عنه علناً قبل أحداث 11 سبتمبر بكثير فالسيدة الحديدية مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة وهي إحدى رموز الغرب الكبرى وإحدى رموز الرأسمالية الغربية كانت قد قالت عام 1995 وعقب تفكك الاتحاد السوفيتي أن من الضروري المحافظة على حلف الناتو لمواجهة العالم الإسلامي.

 

والأمر نفسه عبر عنه رئيس المفوضية الأوروبية في ذلك الوقت " جياتي ديميكلس " ، والذي أضاف إلى ضرورة المحافظة على حلف الناتو ضرورة السير قدماً في توحيد أوروبا لمواجهة الخطر الإسلامي ، وكان الرئيس الأسبق الراحل " ريتشارد نيكسون " قد قال في كتابه (الفرصة السانحة) أن العالم الإسلامي يمثل خطراً جيوبيوليتيكياً كبيراً على الحضارة الغربية ، وأن من الضروري ترويضه وإضعافه ! ! . وأن من الضروري نشر الرأسمالية والليبرالية وقيمة الحضارة الغربية سلماً أو حرباً في العالم ، وبالمثل فإن سياسة الولايات المتحدة في العدوان على أفغانستان ثم العراق ثم الصومال كانت الجزء الحربي في تلك الخطة ، والجزء السلمي فيها كانت محاولات الغزو الثقافي والضغط على الدول الإسلامية لتغيير مناهج التعليم أو إلغاء الجامعات والمدارس الدينية أو إنشاء صحف أو قنوات تليفزيونية لتحقيق الهدف الأمريكي في تدجين الإسلام ، وتغيير مفاهيمه الرئيسة .

 

الفشل الأمريكي كان هو العنوان الرئيس لكل ذلك ، ففي العراق نجحت المقاومة العراقية في تعطيل المشروع الأمريكي ، وصحيح أن الانتصار العراقي لم يتم بسبب أخطاء المقاومة العراقية ، ومن ثم ظهور ما يسمى بالصحوات وكذلك لأسباب أخرى شديدة التعقيد منها الوضع الإقليمي والمطامع والانتهازية الإيرانية ، وخيانة قطاع كبير من الشيعة في العراق ، فمنهم من انحاز للأمريكان مثل حزب المجلس الأعلى وحزب الدعوة ، ومنهم من تورط في المذابح الطائفية ضد السنة مثل جيش المهدي والتيار الصدري ، ومنهم أو معظمهم أو حتى كلهم كانوا موالين للإيرانيين على حساب العراق والعروبة والإسلام ، موالين لإيران سراً أو علناً .

 

المهم أن المقاومة العراقية قد عطلت على الأقل المشروع الإمبراطوري الأمريكي الذي كان يستهدف دولاً أخرى عقب إنهاء المسألة العراقية ، ولكن تلك المقاومة العراقية بسبب التعقيدات الإقليمية ، والطائفية وبسبب أخطاء تلك المقاومة ذاتها لم تنجح في تحويل العراق إلى نقطة وثوب لتحرير العالم كله من الهيمنة الرأسمالية والأمريكية والغربية .

 

وفي الصومال كان الفشل الأمريكي أيضاً ، وقد نجحت المقاومة الصومالية في التصدي للغزو الإثيوبي ، ونجحت في إجباره في النهاية لإعلان نيته في الانسحاب من الصومال ، الأمر الذي يعني فشل الغزو ومن ثم فشل المشروع الأمريكي في القرن الإفريقي ، وصحيح أن القرن الإفريقي يمثل أحد أهم طرق التجارة الدولية ، ومن ثم فإن الفشل الأمريكي هناك يعني تعقيدات كبيرة للرأسمالية الدولية ، ولكن هذا الأمر يبقى محكوماً بعدد من العوامل المعقدة ، إلا أنه كان ذا أثر كبير في زيادة الفشل الأمريكي حول العالم ، وفشل الحرب العالمية الرابعة ضد العالم الإسلامي .

 

في أفغانستان فإن الهزيمة الأمريكية والأطلسية هناك أخطر ما في الأمر ، لأن الحرب على أفغانستان أولاً كانت قد حظيت بموافقة أوروبية كاملة وربما عالمية كاملة – في حين أن بعض دول أوروبا كانت قد عارضت الحرب على العراق ، وكذلك فإن عنوان الغزو على أفغانستان كان أطلسياً، وبالتالي فإن الهزيمة في أفغانستان ستكون للغرب كل الغرب وليس لأمريكا وحدها ، وكذا فإن (الرئيس الأمريكي الجديد) باراك أوباما ، والذي جاءت به المؤسسة الأمريكية لتحدث نوع من غسيل وجه أمريكا ، وتصحيح أخطاء إدارة بوش ، يعتبر أن الميدان الرئيسي للمعركة الأمريكية على الإرهاب هي في أفغانستان ، ومن ناحية أخرى فإن ممارسات طالبان مع الشعب الأفغاني كانت أخلاقية وعالية المستوى ، ولم تقع طالبان في أخطاء المقاومة العراقية حتى الآن ، والمقاومة الأفغانية موحدة وتحت قيادة تاريخية ومعروفة وهي الملا عمر ، ولا يمكن اعتبار الحزب الإسلامي ، أو قلب الدين حكمتيار منافساً لطالبان في هذا الصدد ، فنفوذه قليل ، وهو يريد التكامل وليس المنافسة والصراع مع طالبان . والمقاومة الأفغانية تستند إلى تجمع قومي بشتوني يمتد أيضاً في باكستان، وهناك النفوذ الثقافي والسياسي للمقاومة الأفغانية في أكثر من منطقة بالعالم وآسيا بالتحديد ، وأكثر تحديداً في باكستان بل إن هناك عمليات مميزة تقوم بها المقاومة الأفغانية داخل باكستان نفسها ، وآخرها تدمير 150 شاحنة إمداد في يوم و 50 شاحنة في اليوم التالي ، 8 ، 9 ديسمبر 2008 وهي عملية هامة لأنها تقطع إمدادات القوات الأمريكية التي تمر عبر باكستان ، مما يعقد الوجود الأطلسي في أفغانستان ، فضلاً عن أنه من الممكن إفلات السيطرة على باكستان وأفغانستان معاً ، مما يجعل تلك المنطقة قاعدة للثورة العالمية على الرأسمالية وأمريكا والغرب ، والعالم سيتضامن معها؛ لأن فكرة العدل وفكرة الثورة على الرأسمالية ورفض الهيمنة الأمريكية هي فكرة موجودة في كل العالم ، وفشل الماركسية أو لاهوت التحرير المسيحي في تحقيق ذلك لا يعني نهاية فكرة العدل ، بل يعني أن تلك الفكرة ستجد في الإسلام جذراً ثقافياً لها ، فيصبح الإسلام دين وأيديولوجية غير المسلمين في الثورة على الرأسمالية ، ولعل هذا كان أحد أسباب الخوف الغربي الدائم من الإسلام ! ! أو تفسير ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب .

 

الهزيمة الأمريكية والأطلسية في أفغانستان ستكون ذات نتائج خطيرة ونوعية ، إنها هزيمة للحضارة الغربية بكاملها ، وهي انقلاب في المنحنى الإسلامي نحو الصعود من جديد ، وهي نهاية الرأسمالية وعودة حلم العدل والمساواة في العالم ، ولعل تلك الهزيمة وبشائر العالمية الإسلامية الثانية قد ظهرت بالفعل ، فمن ناحية فإن الملا عمر زعيم طالبان قد تعهد بشن المزيد من الهجمات على القوات الغازية ، وقد كشف المجلس الدولي للأمن والتنمية في تقرير حديث له ، أن طالبان تسيطر على 72 % من أراضي أفغانستان ، وأن النسبة قد ارتفعت من 54 % في العام الماضي إلى 72 % في العام الحالي " 2008 " واستند التقرير إلى نسبة هجمات المسلحين على مدار العامين ، وأوضح التقرير أن طالبان قد أحكمت الحصار على العاصمة كابول ونشرت قواعد تشن منها هجماتها على المدينة ، وبرغم أن المتحدث باسم حلف الناتو علق على التقرير بقوله أن أرقام التقرير ليست صحيحة ، وأن طالبان لا تسيطر إلا على حوالي 50 % من أراضي أفغانستان وتحديداً في الجنوب والشرق ، فإن الحقيقة أنه سواء كانت نسبة سيطرة طالبان هي 72 % على حد قول التقرير الذي أعده المجلس الدولي للأمن والتنمية أو 50 % على حد تقدير حلف الناتو ، فإن زمام المبادرة قد انتقل بالفعل في العامين الأخيرين إلى يد طالبان ، وأن الهزيمة الأمريكية في أفغانستان هي تحصيل حاصل بالتالي ، وحتى لو زادت أمريكا قواتها هناك كما يريد الرئيس أوباما ، فإن الأمر لن يختلف وعلى حد قول الملا عمر زعيم طالبان فإن زيادة القوات تعني اشتعال المعارك في كل مكان وتعني مزيد من الخسائر البشرية للقوات الأمريكية وأن الأمر لا يعدو أن يكون إطالة أمد الحرب شيئاً ما ولكنه لن يغير في النتيجة الأخيرة ، وأن الملحمة الأفغانية ستكون ملهماً لكل الشعوب للمقاومة والتحرر .

 

ولكن من الضروري أن نقول إن ما بعد الهزيمة الأمريكية في أفغانستان يستدعي بالضرورة التحذير من الفتنة بين الأفغانيين أو سكان المنطقة عموماً ، حتى لا يتحول النصر الذي حققته المقاومة إلى صراع بين الفصائل والقبائل ، فتضيع ثمار النصر ، وتضيع فرصة العالم في التخلص من الرأسمالية والهيمنة الأمريكية ، وتضيع فرصة العالم الإسلامي في الصعود من جديد .