العيد في المهجر
9 ذو الحجه 1429
د. جاسم الشمري







هنالك اليوم الملايين من العراقيين الذين هجروا من بلادهم رغماً عنهم ،وهذا الكلام أكدته المنظمات الدولية المختصة بشؤون اللاجئين والمهجرين ، حيث ذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشر بتاريخ 29/4/2008، أنه "جرى تهجير0 2,77مليون مواطن في الداخل وحوالي 3 ملايين هاجروا إلى الخارج و حوالي (20) ألف طبيب عراقي ،وهو ما يمثل ثلث أطباء العراق".

أما منظمة الهجرة الدولية فقد ذكرت في تقرير  لها سنة 2008 ،إن" خمس العراقيين أصبحوا لاجئين داخل بلادهم وخارجها ،منذ دخول الجيش الأمريكي للبلاد في مارس 2003 ،وهو العدد الأعلى في العالم ،وبما يربو على الخمسة ملايين نازح ولاجئ".  

وهؤلاء ومنذ اكثر من اربع سنوات لم يلتقوا باحبتهم واهليهم ، وذاقوا مرارة الغربة وحرقة الابتعاد عن الوطن ، ومرت عليهم اكثر من ستة اعياد بعيداً عن الوطن.

العيد هو يوم اللقاء مع الأحبة، ويوم الجائزة الإلهية بعد شهر من الصيام والقيام، والإنسان الذي طبع على الاجتماع بالآخرين ينسى همومه وآهاته بلقاء الأخوة والأصدقاء، ومن أجمل الأيام في الحياة ،هي أيام العيد.

 ونحن طالما فرحنا ولعبنا وتسامرنا بأيام العيد في بلدنا الأسير العراق ، لكنه وبعد عام 2003 اضطررنا للرحيل عن البلاد مرغمين بسبب الاحتلال وأعوانه ،لعلنا نجد ملجأ آمنا في مشارق الأرض ومغربها ،لحين انجلاء هذه الغمة عن بلادنا ،وهذا حال أكثر من ثلاثة ملايين عراقي مهجر في الخارج .

والإحساس  بالعيد في الغربة له طعم آخر،لا يمكن التعبير عنه بسهولة.

فمنْ منكم جرب العيد في الغربة؟ ومنْ منكم صلى صلاة العيد في مسجد لا يعرف فيه أحداً ؟ ومنْ منكم جرب البكاء على الأهل والأحبة في صباح العيد؟ومنْ، ومنْ؟؟ومنْ منكم هزته أشواق سنوات الغربة  لكل لحظة في بلده الذي هجـّر منه مرغما ؟

والعيد ـ عادة ـ هو يوم لقاء الأحبة وعناقهم لا طعم له بعيدا عن البلاد والأصدقاء؛ فأين تجدهم وأنت غريب في بلاد لا يعرفك فيها أحد؟!

والبلايا تغير كل شيء ، والعراق ومنذ احتلاله من قبل قوى الشر والظلام تغير فيه كل شيء ، أهله مدنه شوارعه كل شيء ،والعيد في العراق هو الآخر فقدنا ـ اعني العراقيين في الداخل والخارج ـ متعته وحلاوته ؛فمرة بسبب الاحتلال الذي يدعي انه جاء محررا وناشراً للحرية  والذي أحرق الأخضر واليابس  ، وأخرى بالتهجير والتغريب عن البلاد ؛فكيف يمكن أن نفرح بالعيد وأهلنا في العراق قد قتلوا وهجروا وحرمنا منهم.

قال المتنبي في داليته واصفاً حاله بمصر والتي يقول في مطلعها:

عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ عدتَ يا عيـدُ *** بما مضـى أم لأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ

أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم *** فليـت دونـك بيـداً دونهـا بيـدُ

أما الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي فيقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثيًا حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها:

أقبلت يا عيد والأحزان نائمـة  *** على فراشي وطرف الشوق سهران

من أين نفرح يا عيد الجراح وفي *** قلوبنا من صنوف الهمِّ ألـــوان؟

من أين نفرح والأحداث عاصفة *** وللدُّمى مـقـل ترنـو وآذان؟

إن الاحتلال والحكومات التي أنشئت في ظله كانوا وراء هذا المصاب الكبير الذي قتل  شتت وهجر ملايين العراقيين في شتى بقاع الأرض .

 فأي حرية هذه التي كسبناها ؟وأي منجزات هذه التي تحققت ؟وأي عراق جديد هذا الذي يتحدثون عنه؟

أظنهم يقصدون :عراق الخراب والتهجير والهم والحزن والآهات.

ما هو طعم ومعنى العيد بعيدا عن الوطن والأهل والأصدقاء ؟

سؤال طالما حيرني ولم أجد له جوابا حتى الساعة.

هل تصدقون أن يوم العيد عندي في الغربة.... هو يوم للبكاء والنحيب والأنين والحنين لرؤية أهلي وأخواني والشوق على تلك الأيام الجميلة التي قضيتها معهم.

والعيد في الغربة ليس يوما عاديا ،وكل ما أتمناه في الغربة هو أن لا يأتي العيد،لأنني أريد يومي  كبقية الأيام ،لعلي أحاول أن أنسى شيئا من الحنين إلى بلادي واهلها !!!

وصدق الشاعر ايليا ابو ماضي وهو يصف شوقه لبلاده:

زعموا سلوتك ليتهم نسبوا الي الممــكنا

فالمرء قد ينسى المسيء المفترى ، و المحسنا

و الخمر ، و الحسناء ، و الوتر المرنّح ، و الغنا

و مرارة الفقر المذلّ بل ، و لذّات الغنى

لكنه مهما سلى هيهات ينسى الموطـــنا

غمة كبيرة هذه التي تغطي سماء العراق اليوم ،لكنها بإذن الله الواحد الاحد ستنجلي ،وسنعود إلى أحضان أمهاتنا والى بيوتنا التي هجرنا منها مرغمين ؛سنعود ،ونعود إلى بلادنا ،ونحتضن ثرى العراق ونرتوي من مياه دجلة والفرات ونقبل كل شيء فيك يا وطني.

إن الحوادث والمصائب هي جزء من الابتلاء الإلهي للناس، وما عليهم إلا الصبر، وتحمل هذه المصائب، ومنها مصيبة الغربة والابتعاد عن الوطن، اللهم أعدنا إلى ديارنا سالمين غانمين، اللهم آمين.

[email protected]