قراءة في الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا
1 ذو الحجه 1429
د. جاسم الشمري

الاتفاقية الأمنية التي قالت عنها سلطات الاحتلال الأمريكية أنها جاهزة للتوقيع، والتي تدور حولها المفاوضات بين الكتل النيابية في العراق اليوم، بعد أن وافق عليها مجلس الوزراء، هذه الاتفاقية سيكون لها جملة من الآثار السلبية والخطيرة على مستقبل المنطقة.
والملاحظة العامة في سير المفاوضات بين حكومة المالكي وحكومة قوات الاحتلال الأمريكية  أن الحكومة الحالية تحاول إظهار نديتها للولايات المتحدة في هذه المفاوضات،على اعتبار أنها تملك السيادة والاستقلال في اتخاذ القرارات ،ورفض وقبول ما تشاء من بنود هذه الاتفاقية بعيدا عن الضغوط الأمريكية.
والحقيقة إن نسخ الاتفاق الأمني التي نشرت في وسائل الإعلام كثيرة جدا ، ولا يمكن أن تعرف مَنْ هي النسخة المعتمدة، وفي يوم 19/11/2008/ نشرت صحيفة الصباح العراقية القريبة من حكومة المالكي نسخة الاتفاق ، ونحن اعتمدناها في دراستنا هذه.
وأنا هنا سأبين بشيء من التحليل بعضا من نصوص الاتفاق الأمني:ـ
تبدأ الاتفاقية بديباجة ، جاء فيها "إن جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية ويشار لهما فيما بعد «الطرفان» وإقرار أمنهما بأهمية تعزيز أمنهما المشترك والمساهمة في السلم والاستقرار الدوليين ومحاربة الإرهاب والتعاون في مجالات الأمن والدفاع ولردع التهديدات الموجهة ضد سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق".
فإذا كانت "الدولة العراقية" ذات سيادة حقاً، فما معنى العبارات الآتية من الاتفاقية الأمنية، من المادة التاسعة من نفس الاتفاق:حيث ذكرت الفقرات الآتية بالنص "
1 ـ " يجوز للمركبات والسفن التي تستخدمها قوات الولايات المتحدة ، أو تلك التي تدار لحسابها حصرا ، أن تدخل وتخرج وتتحرك داخل الأراضي العراقية لأغراض تنفيذ هذا الاتفاق ويجب أن تضع اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية المشتركة الإجراءات والقواعد الملائمة لتسهيل وتنظيم هذه الحركة.
2 ـ مع الاحترام الكامل لقواعد سلامة الطيران والملاحة الجوية ذات الصلة "يصرح لطائرات حكومة الولايات المتحدة والطائرات المدنية التي تعمل بموجب عقد مع وزارة دفاع الولايات المتحدة حصرا بالتحليق في الأجواء العراقية ، والقيام بالتزود بالوقود جوا لأغراض تنفيذ هذا الاتفاق حصرياً وتمنح السلطات العراقية الطائرات المشار إليها إذناً كل سنة بالهبوط على أراضي العراق والإقلاع منها لأغراض تنفيذ هذا الاتفاق "
7 ـ يزود كل من الطرفين الطرف الآخر بالخرائط وغير ذلك من المعلومات المتاحة عن مواقع حقول الألغام والمعوقات الأخرى التي يمكن أن تعرقل الحركة داخل أراضي ومياه العراق أو تعرضها للخطر.
وقبل ذكر المواد التي تتكون منها الاتفاقية ذكرت العبارة الآتية:ـ
وبناء على كونهما دولتين مستقلتين متكافئتين ذواتي سيادة فقد اتفقا على ما يلي:
فقبل كل شيء، ما هي السيادة التي العراقية التي يتحدثون عنها؟ وقوات الاحتلال اليوم هي التي تسيطر على زمام الأمور في البلاد ، ولا ندري هل استخدام مثل هكذا مصطلحات يغير حقيقة الواقع في البلاد ، أم انه مجرد محاولة من قبل الحكومة الحالية لتغرر بالعراقيين على أنها  حكومة ذات سيادة؟!!

المادة الرابعة

وتعتبر هذه المادة من أخبث مواد الاتفاقية ،حيث إنها أبقت المجال مفتوحاً لقوات الاحتلال في مهاجمة واعتقال من تشاء بحجة " المجموعات الإرهابية"، ولغاية اليوم ،لم تحاول الدوائر القانونية العسكرية الأمريكية ،ولا غيرها من الدوائر القانونية الدولية ،وضع تعريف لكلمة الإرهاب ، وعليه فان الباب يبقى مفتوحاً أمام قوات الاحتلال لتنفيذ خططها ،بحجة مكافحة الإرهاب ، وجاء في هذه المادة "1. تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من اجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق ، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق.
والاتفاقية الأمنية هذه هي انتداب أمريكي دائم، إلى ما شاء الله على العراق ؛والغريب أن المتابع للتصريحات الأمريكية والعراقية، يلاحظ جملة من التناقضات ،والتي لا يمكن تفسيرها إلا محاولة لتمرير هذا الاتفاق وجعله مقبول شعبيا ؛ففي الوقت الذي تحاول الحكومة الحالية أن تظهر سيطرتها على الأوضاع الأمنية في البلاد ،وتدعو الدول العربية ـ وبضغوط أمريكية ـ معروفة للجميع ،لفتح سفاراتها في العراق ؛فإننا نسمع بالمقابل تصريحات تؤكد أن الحكومة الحالية لا يمكنها أن تسيطر على الوضع الأمني في البلاد بمفردها .
وذكر في الفقرة الأولى من هذه المادة" تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من اجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق".
وهذا يقودنا إلى جملة من التساؤلات منها :ـ
1- ما هو دور وزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة الحالية إن لم يكن لها القابلية على السيطرة على الأوضاع في البلاد؟
2- أين ذهبت مئات الملايين من الدولارات التي أنفقت وما تزال تنفق على ما يسمى تدريب الجيش العراقي والشرطة بينما يصرح  قادة الاحتلال بعدم أهلية هذه الأجهزة لأداء واجباتها ؟
والمهزلة أننا نقرا في الفقرة التالية من نفس المادة " تنفذ جميع تلك العمليات مع وجوب الاحترام الكامل للدستور العراقي والقوانين العراقية، ويكون تنفيذ هذه العمليات دون تجاوز لسيادة العراق ومصالحه الوطنية، حسبما تحددها الحكومة العراقية."
إن الإدارة الأمريكية حرصت وبقوة على بقاء الجيش الحكومي في العراق ضعيفاً ،حتى تبقى البلاد بحاجة إلى تواجد قوات الاحتلال الأمريكية، على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات ونصف على الاحتلال.

فقرة مفتوحة ومبهمة

ورد في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة "5. يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الشرعي عن النفس داخل العراق كما هو معروف في القانون العراقي النافذ".
هذا يعني أن هذه لقوات لها مطلق الحرية في قتل من تشاء بحجة "حق الدفاع الشرعي عن النفس "وهكذا ستبقى قوات الاحتلال الأمريكية تعبث بأرواح العراقيين بحجة " الدفاع الشرعي عن النفس داخل العراق".
ولا ندري ما هو لضابط لعبارة "حق الدفاع عن النفس" والذي تحت ذريعته ترتكب قوات الاحتلال جرائمها اليومية في عموم العراق اليوم.

المادة السابعة

وضع وخزن المعدات الدفاعية

وهذه الفقرة فيها الكثير من النقاط المبهمة ،والتي يمكن أن تستخدمها أمريكا حججاً لتنفيذ العديد من العمليات في العراق بحجة "معدات دفاعية "،حيث تذكر هذه المادة "يجوز لقوات الولايات المتحدة ،أن تضع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها ـ وفي مواقع أخرى مؤقتة ـ يتفق عليها الطرفان ،معدات دفاعية وتجهيزات ومواد تحتاجها قوات الولايات المتحدة للأغراض المتفق عليها بموجب هذا الاتفاق ، ويجب أن يكون استخدام وتخزين هذه المعدات متناسبا مع المهام المؤقتة لقوات الولايات المتحدة في العراق وفق المادة 4 من هذا الاتفاق".
واعتقد أن هذه الفقرة هي من الألغام الخطيرة في هذه الاتفاقية، وتلي تسمح للقوات المحتلة تجربة أخبث واحدث الأسلحة على حساب سلامة المواطن العراقي والبيئة العراقية ، دون رقيب يذكر.

المادة الثانية عشرة

الولاية القضائية

من المهازل التي وجدت في الاتفاق تكرار كلمة "اعترافا بحق العراق السيادي"،في بداية كل مادة تقريباًًً.
و في كلمة متلفزة أكد نوري المالكي رئيس الحكومة الحالية يوم 21/11/2008 أن الأمريكان لا يحق لهم اعتقال أي عراقي إلا بعد استحصال أمر قضائي عراقي، نعم ثم ماذا هل سيعتقل ذلك العراقي ،أم لا؟
إن النتيجة واحدة ،بل أمر ؛فان المواطن العراقي المبتلى ، هو من سيدفع الثمن في كل الأحوال ، وهل أن الاعتقال بعد استحصال موافقة عراقية، يعني أن الحكومة ؛هي حكومة ذات سيادة ؟
والحق ،أن هذه المادة من أكثر المواد التي أثير حولها الجدل في ما يسمى المفاوضات بين الطرفين العراقي والأمريكي ، حيث أرادت الحكومة الحالية ،أن تكون لها سطوة قانونية على الجنود الأمريكيين خارج القواعد العسكرية ، ونحن سنلاحظ خلال قراءة النصوص التالية من هذه المادة انه هنالك تحايل على القانون "حيث تذكر الفقرة الأولى"اعترافا بحق العراق السيادي في تحديد وفرض قواعد القانون الجنائي والمدني على أراضيه "وعلى ضوء طلب العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة كما هو مبين في المادة الرابعة (4) وتماشيا مع واجب أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني باحترام القوانين والتقاليد والأعراف والمواثيق العراقية فقد اتفق الطرفان على ما يلي:
1 ـ يكون للعراق الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة والمتعمدة وطبقا للفقرة الثامنة حين ترتكب تلك الجنايات خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج حالة الواجب.
وهنا نلاحظ أن كلمتي الجنايات "الجسيمة والمتعمدة" هي عبارة مطاطية غير محددة ، فهل قتل عراقي واحد فقط، ـ ولا نقول أكثر ـ من قبل قوات الاحتلال الأمريكية، سيعد جريمة جسيمة ؟
 لا اعتقد ذلك ،فأمريكا التي قتلت أكثر من مليون ومئتي ألف عراقي ،لا يعني لها شيئا قتل العشرات هنا وهناك بعد توقيع الاتفاقية الأمنية ،تحت ذريعة الدفاع عن النفس ؛وأنها جرائم غير جسيمة وغير ومتعمدة؟؟!
أما عبارة " خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج حالة الواجب"، فهذا يعني أن القوات الأمريكية التي تقتل العراقيين من داخل القواعد العسكرية ،عبر نقاط الحماية المنتشرة على الأسيجة المحيطة بتلك القواعد المفترضة في المستقبل ،لا يشملون بهذه الفقرة، "لأنهم داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها ".
أما عبارة "خارج الواجب "، فهي عبارة يتحكم بمحتواها الحقيقي الجانب الأمريكي ، وإلا فمن الذي يثبت أن تلك القوة المعتدية كانت " خارج حالة الواجب" ، حيث انه بإمكان قوات الاحتلال الادعاء بان هذه القوة هي ضمن حالة الواجب ؛وهذا الأمر لا يتطلب سوى كتابة اسطر قليلة على ورقة عادية لإثبات ذلك.
أما الفقرة الخامسة من هذه المادة فتقول " عند اعتقال أو احتجاز أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني من قبل السلطات العراقية يتم إخبار قوات الولايات المتحدة بذلك فورا وتسليمهم لها خلال 24 ساعة من وقت الاعتقال أو الاحتجاز وعندما يمارس العراق ولايته القضائية عملا بنص الفقرة 1 من هذه المادة تتولى سلطات قوات الولايات المتحدة عندئذ مهمة احتجاز المتهم وتلتزم بتقديمه إلى السلطات العراقية لإغراض التحقيق والمحاكمة.
نلاحظ هنا أن المعتقل لا يبقى لدى السلطات الأمنية العراقية ،بل يجب أن يسلم لقوات الاحتلال خلال 24 ساعة ، وبعدها ،ومن المؤكد ،إذا اقتنعت أمريكا بالحجة التي قدمها الجانب العراقي، فإنها حينها ستوافق على تقديمه للمحكمة العراقية،وهذا الكلام كله كلام افتراضي لا أساس له على ارض الواقع ،وإلا فإن الجانب الأمريكي،سوف لن يقدمه أبداً ،لان المخرج سيكون في الفقرات التالية؛وهذا يعكس حقيقة السيادة القانونية التي تتحدث عنها الحكومة الحالية في العراق؟!!
أما المادة المتعلقة بهذه الفقرة ،فهي المادة الثانية والعشرون،حيث تقول " لا يجوز لقوات الولايات المتحدة توقيف أي شخص أو إلقاء القبض عليه (باستثناء التوقيف أو إلقاء القبض على عضو من قوات الولايات المتحدة أو العنصر المدني) إلا بموجب قرار عراقي يصدر وفقا للقانون العراقي وعملا بالمادة الرابعة".
وسنلاحظ في الفقرة التالية ،وهي الفقرة السادسة ،المخرج من هذه الفقرة حيث تؤكد هذه الفقرة"ـ يجوز لسلطات أي من الطرفين أن تطلب من سلطات الطرف الآخر أن يتخلى عن حقه الرئيسي في الولاية القضائية في حالة معينة توافق حكومة العراق على ممارسة الولاية القضائية طبقا للفقرة 1 أعلاه بعد إقرارها وإخطارها الولايات المتحدة تحريريا فقط خلال 21 يوما من اكتشاف الجريمة التي يدعى وقوعها نظرا للأهمية الخاصة لممارسة تلك الولاية القضائية".
إنها والله مهزلة كبيرة، هذه التي تسمى اتفاق بين الطرفين، فهم يقررون أمراً في فقرة ويتنصلون من تطبيقه في الفقرة التي تليها، مما يعني، أنهم يتلاعبون بالألفاظ للوصول إلى النتيجة المعروفة للجميع؛ وهي استمرار الوصاية الأمريكية على العراق.
والفقرة السابعة من نفس المادة ،هي مخرج آخر للذين يرتكبون جرائم من أفراد قوات الاحتلال؛ حيث تذكر هذه الفقرة" في الحالات التي تمارس فيها الولايات المتحدة الولاية القضائية عملا بنص الفقرة رقم 3 من هذه المادة يكون لأفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني الحق في أن تطبق عليهم معايير الإجراءات القانونية والحمايات المكفولة بموجب الدستور الأمريكي والقوانين الأمريكية ،وفي حال وقوع جريمة ما تسري عليها أحكام الفقرة رقم 3 من هذه المادة،ويكون الضحية شخصا ليس من أفراد قوات الولايات المتحدة،ولا أفراد العنصر المدني، يضع الطرفان إجراءات من خلال اللجنة المشتركة لإحاطة الأشخاص المعنيين علما بوضع التحقيق في الجريمة وتوجيه لائحة التهم إلى المتهم المشبوه وتحديد تاريخ إجراءات المحكمة ونتائج المباحثات بشأن وضع المتهم وفرصة سماع أقوال المتهم في جلسات علنية يتم خلالها إصدار الحكم عليه والتشاور مع المحامي لمتابعة القضية في ساحة القضاء والمساعدة في تقديم مطالبة بموجب المادة الحادية والعشرين (21) من هذا الاتفاق وتسعى السلطات الأمريكية ووفقا لما يتفق عليه الطرفان فيما بينهما من اجل إجراء محاكمة لمثل تلك القضايا داخل العراق وفي حال محاكمة مثل تلك القضايا في الولايات المتحدة سوف تبذل الجهود من اجل تسهيل التواجد الشخصي للضحية في المحكمة".
أما الفقرة الثامنة من هذه المادة ؛فهي واضحة وضوح الشمس " وفي الحالات التي يمارس فيها العراق الولاية القضائية عملا بالفقرة 1 من هذه المادة يكون لأفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني الحق في أن تطبق عليهم معايير الإجراءات القانونية والضمانات المتماشية مع تلك المتاحة بموجب القانون الأمريكي والقانون العراقي سوف تضع اللجنة المشتركة إجراءات وآليات لتنفيذ هذه المادة تشمل سردا للجنايات الجسيمة والمتعمدة التي تخضع للفقرة 1 وإجراءات تفي بمعايير المحاكمة المشروعة والضمانات ولا يجوز ممارسة الولاية القضائية عملا بنص الفقرة 1 من هذه المادة إلا وفقا لهذه الإجراءات والآليات".
فهل " تطبيق معايير الإجراءات القانونية والضمانات المتماشية مع تلك المتاحة بموجب القانون الأمريكي على الجندي الأمريكي " هل هذه المادة ستقدم الجندي الأمريكي على انه مجرم ؟؟؟
والحل النهائي جاء في الفقرة التاسعة " حيث " تقدم سلطات قوات الولايات المتحدة ، عملا بالفقرة 3و1 من هذه المادة إقراراً تبين فيه ما إذا كانت الجريمة المزعومة قد وقعت أثناء حالة الواجب ،وفي تلك الحالات التي تعتقد فيها السلطات العراقية أن الظروف تقتضي مراجعة هذا الإقرار؛ يتشاور الطرفان فورا ،من خلال اللجنة المشتركة ،وتأخذ سلطات قوات الولايات المتحدة كامل الاعتبار عن الوقائع والظروف وأية معلومات قد تقدمها السلطات العراقية يكون لها اثر على إقرار سلطات قوات الولايات المتحدة".
فمن المؤكد ،أن الرد سيكون أن القوة تعرضت لنيران معادية ،وأنها ردت بالمثل ،ودافعت عن نفسها ،وهذا ما أكدته أكثر من رواية أمريكية في المحاكم ،التي أقيمت ضد جنود قتلوا أبرياء عراقيين ،حيث يضع الجنود بجانب جثث العراقيين،بعد قتلهم أسلحة تظهر وكأنهم هاجموا تلك القوات وردت عليهم بالمثل في سبيل الدفاع عن النفس.
أما الفقرة الأخيرة من هذه المادة ،فهي أن هذه الفقرات وان طبق بعضها فمن الممكن وبضغط أمريكي تغييرها حيث تقول هذه الفقرة" يراجع الطرفان الأحكام الواردة في هذه المادة كل 6 أشهر بما في ذلك أي تعديلات مقترحة لهذه المادة اخذين بعين الاعتبار الوضع الأمني في العراق ومدى انشغال قوات الولايات المتحدة في عمليات عسكرية ونمو وتطور النظام القضائي العراقي والتغييرات في القانون الأمريكي والقانون العراقي".

المادة الخامسة عشرة

هذه الفقرة ،هي فقرة الثراء الحقيقي لقادة وجنود الاحتلال في العراق ،حيث تسمح هذه الفقرة لتلك القوات بتصدير ما تشاء ،واستيراد ما تشاء ،تحت ذريعة أمتعة خاصة وغيرها، دون تفتيشها من قبل الطرف العراقي.ومما جاء فيها " من اجل الغرض الحصري لتنفيذ هذا الاتفاق ، بما في ذلك التدريب والخدمات يجوز لقوات الولايات المتحدة والمتعاقدين معها أن يستوردوا إلى العراق ويصدروا منه (مواد تم شراؤها في العراق) ويجوز لهم أن يعيدوا تصدير ، وان ينقلوا ويستخدموا في العراق أي معدات أو تجهيزات أو مواد أو تكنولوجيا أو تدريب أو خدمات ، بشرط أن لا تكون المواد التي يستوردونها أو يجلبونها ممنوعة في العراق اعتبارا من تاريخ دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ.
ومن يعرف أنها ممنوعة أو غير ممنوعة إذا كانت لا تفتش من قبل الجهات العراقية، حسب ما جاء في تكملة المادة:
لا تخضع للتفتيش عمليات استيراد مثل هذه المواد وإعادة تصديرها ونقلها واستخدامها ، ولا تخضع كذلك لمتطلبات الإجازات أو لأي قيود أخرى أو ضرائب أو رسوم أخرى تفرض في العراق ، وفقا للتعريف الوارد في الفقرة رقم 10 من المادة الثانية.
وماذا يعني بعد ذلك ذكر العبارات الآتية إذا كانت المسالة مسالة روتين فقط.
أما المخرج من هذه الفقرة ،فقد ذكر في النقطة الآتية " وللسلطات العراقية ، استنادا إلى معلومات أمنية متوفرة لديها ، الحق في الطلب من قوات الولايات المتحدة وبحضورها فتح أي من الحاويات التي توجد فيها تلك المواد المستوردة للتحقق من محتوياتها. وعلى السلطات العراقية حين تقديم هذا الطلب أن تحترم المتطلبات الأمنية لقوات الولايات المتحدة"، ومن أين تأتيها المعلومات الأمنية إذا كانت أعمال الاحتلال تتم بسرية وبمعزل عن الجانب العراقي.
والفقرة الثالثة هي التي حسمت الأمر لأنه حتى لو جرى تفتيش فيجب أن يتم بسرعة حيث تقول هذه الفقرة" أي تفتيش للمواد من قبل السلطات العراقية عملا بالفقرة 2 ، يجب أن يتم بصورة عاجلة في مكان متفق عليه ، ووفقا للإجراءات التي تضعها اللجنة المشتركة".

المادة السادسة عشرة

وهذه الفقرة لا تحتاج إلى تعليق بل سأذكرها كما هي " لا تفرض أي ضرائب أو رسوم ، كما هي معرفة في الفقرة 10 من المادة الثانية ، قدرت قيمتها وفرضت في أراضي العراق ، على السلع والخدمات التي يتم شراؤها في العراق من قبل قوات الولايات المتحدة أو بالنيابة عنها لأغراض الاستخدام الرسمي ، ولا يفرض أي من ذلك على السلع والخدمات التي تم شراؤها في العراق بالنيابة عن قوات الولايات المتحدة".

المادة الحادية والعشرون

أما الفقرة الحادية والعشرون ،فإنها الضمانة الأكيدة لعدم دفع قوات الاحتلال الأمريكية والإدارات الأمريكية القادمة ،أية تعويضات للعراق وللعراقيين على ما جنته بحقهم من قتل وتهجير وتدمير للبنية الفوقية والتحتية للبلاد ؛حيث تقول هذه الفقرة " باستثناء المطالبات الناشئة عن العقود ، يتنازل الطرفان عن حق مطالبة الطرف الآخر بالتعويض عن أي ضرر أو خسارة أو تدمير يلحق بممتلكات القوات المسلحة أو العنصر المدني لأي من الطرفين أو المطالبة بتعويض عن إصابات أو وفيات قد تحدث لأفراد القوات المسلحة والعنصر المدني والناجمة عن تأديتهم واجباتهم الرسمية في العراق".

المادة الرابعة والعشرون

انسحاب القوات الأميركية من العراق

وهنا تكلم الطرفان عن الانسحاب من العراق، إلا انه قبل ذلك ،ينبغي أن نتحدث عن المخرج من  التحديد الزمني هذا حيث ، تقول الفقرة التاسعة والعشرون من هذا الاتفاق" لا يعدل هذا الاتفاق إلا بموافقة الطرفين رسميا وخطيا وفق الإجراءات الدستورية السارية في البلدين".
إذاً الاتفاق ممكن أن يمدد وجود قوات الاحتلال إلى ما لانهاية ،طالما بقيت الحكومات التي نصبها ،والتي لا تخرج عن إرادته بحال من الأحوال ،وبناءا على هذه الفقرة؛ فان الاتفاق بأكمله من الممكن أن يغير بناءا على الاتفاق بين الطرفين ؟!!
ونعود إلى الفقرة المتعلقة بالانسحاب،حيث تذكر فيها العبارات الآتية" يجب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر ـ كانون الأول عام 2011 ميلادي".
2." يجب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة من المدن والقرى والقصبات العراقية في موعد لا يتعدى تاريخ تولي قوات الأمن العراقية كامل المسؤولية عن الأمن في أي محافظة عراقية ، على أن يكتمل انسحاب قوات الولايات المتحدة من الأماكن المذكورة أعلاه .
وهذه المادة وغيرها داخلة وببساطة تحت" لا يعدل هذا الاتفاق إلا بموافقة الطرفين رسميا وخطيا وفق الإجراءات الدستورية السارية في البلدين".

المادة السابعة والعشرون

ردع المخاطر الأمنية

وهذه المادة هي الاحتلال المستمر للعراق ،حيث جاء فيها"من اجل تعزيز الأمن والاستقرار في العراق والمساهمة في إرساء السلام والاستقرار الدوليين ، يسعى الطرفان من اجل تعزيز القدرات السياسية والعسكرية لجمهورية العراق وتمكين العراق من ردع المخاطر التي تهدد سيادته واستقلاله السياسي ووحدة أراضيه ونظامه الديمقراطي الاتحادي الدستوري. ويتفقان في هذا الصدد على:
1 - عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه ، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه ، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة ، يقوم الطرفان ، بناء على طلب من حكومة العراق ، بالشروع فورا في مداولات إستراتيجية ، وفقا لما قد يتفقان عليه فيما بينهما ، وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة ، والتي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي إجراء آخر ، للتعامل مع مثل هذا التهديد.
2 - يوافق الطرفان على الاستمرار في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق ، بما في ذلك ، وفق ما قد يتفقان عليه ، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الأمن العراقية ، من اجل مكافحة الإرهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون ، بناء على طلب من الحكومة العراقية.

إن هذه الاتفاقية تعتبر المعول الذي سيكون سبباً لهدم وتدمير العراق سياسياً واجتماعيا واقتصادياً ، حيث إن البلاد ستبقى تحت التسلط والتحكم الامريكي الى فترة لا يعرفها الا الله والمتآمرون على العراق من الذين سيوقعون على هذه الاتفاقية .

انتقادات عربية

الأستاذ إبراهيم يسري السفير الأسبق في العراق ومدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية بوزارة الخارجية المصرية سابقًا ؛إنتقد بعض المواد والفقرات التي تمس أمن المواطن العراقي بصورة كبيرة، مشيرًا إلى أن المادة 4 فقرة 5 في نص مسودة الاتفاقية تحدُّ من حرية العراقيين في الدفاع عن أنفسه، سواءٌ أفرط في استخدام القوة أم لا، كما وجَّه النقد للمادة 13 التي تشير إلى حرية تنقُّل القوات الأمريكية في العراق دون قيود في الانتقال من وإلى الدولة العراقية، كما انتقد المادة الخاصة بإلغاء الجمارك الرقابية على ممتلكات الاحتلال الأمريكي، وتنظيم حرية حركة الطيران والمواصلات بما يوفِّر للأمريكان منتهى الحرية، واصفًا ذلك بأنه من أشدِّ السفور العلني للاتفاقية.(1)
الباحث في اتفاقيات الدول والمعابر بنود الاتفاقية، محمد عصمت سيف الدولة، قال في معرض انتقاده للاتفاقية الأمنية "بدءًا بالديباجة التي جاء فيها "اتفق الطرفان.."، مشيرًا إلى أن الاتفاقية بصدد طرف واحد، فالاتفاقية بين (رئيس ومرؤسه) أو بين (محتل وعميله) فالاتفاقية باطلة من جميع الجوانب؛ فالوجود الأمريكي ما هو إلا احتلال وعدوان والحكومة ما هي إلا حكومة تابعة وعميلة ومصطنعة، وبذلك يثبت بطلان جميع الأطراف المنوطة بتشريع الاتفاقية التي تعطي غطاءً شرعيًّا لوجود غير شرعي".(2)
وأصدر مجلس الاستشاريين العراقيين بتاريخ 25/10/2008بيانا أدان فيه الاتفاقية، وبين المجلس المآخذ الرئيسة على الاتفاقية وأجملها في أربعة نقاط:ـ
إن مجلس الاستشاريين العراقيين يقف ضد التوقيع على الإتفاقية المذكورة أعلاه بسبب النقاط المدرجة التالية:
1-عدم تحديد إنسحاب القوات الأمريكية الغير مشروط.
2 -إن الإتفاقية يمكن أن تقوض السلطة العراقية بسبب الغموض حول القانون الذي سيحكم عمل اللجان المشتركة.
3 -إن الإتفاقية يمكن أن تقوض القانون القضائي العراقي حيث إنها لم تذكر بأي عبارة أو نص بأن الأفراد التابعين للقوات الأمريكية أو المدنيين المتعاقدين معها خاضعين لسلطة القانون العراقي.
4 -إن الإتفاقية لا تنص على حقوق الدعاوى ضد القوات الأمريكية للتعويض عن الأضرار التي تسببت بها خلال السنة الماضية ضد المدنيين والبيئة و تكون هذه الدعاوى حسب القانون العراقي.
علاوة على أن مجلس الاستشاريين العراقيين يوضح على أن أي إتفاقية لابد أن تحافظ على كامل الحقوق للشعب العراقي في مسعاه نحو الحرية والنجاح والوحدة.(3)

الخاتمة

وأخيراً، فان هذه الاتفاقية رفضت من قبل الأوساط الشعبية العراقية والقوى الوطنية والإسلامية الرافضة للاحتلال، وان تمريرها سوف يدخل العراق في مرحلة خطرة ولا يمكن أن تكون هذه الاتفاقية هي قارب النجاة للعراق من أوضاعه المتدهورة الحالية
والاهم من كل ما قيل ويقال فان الشعب العراقي الذي أرهق الاحتلال وأعوانه عبر مقاومته الشريفة لقادر - بحول الله وقوته - على تمزيق هذه المعاهدة ومحاسبة الذين وقعوا عليها وأيضاً تقديمهم للمحاكمة.

ــــــــــــــــــــــ

(1) – موقع أخوان اون لاين 5-11-2008
(2) نفس المصدر
(3) موقع مجلس الاستشاريين العراقيين

[email protected]