رؤية غربية لعلاقة الإسلام بالديموقراطية؟!
24 ذو القعدة 1429
هشام منور

انطلاقاً من عدم اعتراف الغرب بحق المسلمين في إنتاج مفهوم خاص بالحرية يتناسب مع واقعهم ومتطلبات دينهم ومعاشهم وتجربتهم المعرفية، فإن الغرب كان ولا يزال يعتقد (جهلاً أو عمداً) بانتفاء وجود مفهوم واضح للحرية في الإسلام، مبرراً بذلك خصومته السياسية والحضارية معه، ورغبته الحثيثة "لتحرير" المسلمين من مفاهيمهم "القروسطية".


ولعل من الدراسات المهمة في سياق محاولة الغرب لاستكناه مفهوم الحرية في الإسلام الدراسة التي نشرتها مؤسسة التراث ضمن مشروعها لمعرفة مدى توافق مفهوم الحرية في الإسلام مع المفهوم الغربي. وأعدت هذه الدراسة (كيم أر. هولميس) نائبة رئيس دراسات السياسة الخارجية وسياسة الدفاع، ومديرة معهد الدراسات الدولية بمؤسسة التراث(1).


وعلى الرغم من تأكيد الباحثة في مفتتح دراستها على عدم تخصصها في مجال الدراسات الإسلامية، وأن مفهوم الحرية من التعقيد بمكان، فإنها تميل إلى تعريف الحرية بوصفها « مجموعة الأفكار التي تتعلق بحقوق الأفراد من حرية الحياة، وحرية الفرد، والملكية، ونوع الحكومة التي تكفل حماية هذه الحقوق».


وتحاول الدراسة الإجابة عن عدد من الأسئلة الإشكالية كالكشف عن طبيعة حياة الناس في المجتمعات المسلمة، وإمكان تطور مفهوم الحرية بطريقة سلمية في المستقبل، على غرار ما حدث في المجتمعات المسيحية في أوروبا بعد قرون من الصراع الديني.

 

وكعادة معظم الدراسات المتناولة لمثل هذه المفاهيم، تتناول الدراسة إشكالية الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، وهي القضية التي لطالما كانت المدخل السياسي تاريخياً لتدخل الدول الغربية في شؤون العالم الإسلامي، فتتساءل الباحثة عن وضعهم وكيفية معاملتهم في دولهم وهل لا يزال ينظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية كما يعتقد الغرب؟!. وتقارن الدراسة وضع الأقليات في العالم الإسلامي بنظيره في الغرب والذي أخذ وقتاً طويلاً لتغييره والانتقال إلى مفهوم المواطنة الكاملة، فحتى (جون لوك) في مطالبته بالتسامح مع الأقليات لم يكن يعني القبول التام بالديانات الأخرى، بل مجرد الحد من الاضطهاد الموجه إليهم، ليتم تطويره لاحقاً في دساتير الولايات المتحدة تدريجياً. لتطالب الدراسة بدمج كامل للأقليات الدينية في العالم الإسلامي، متناسية التطور التاريخي الذي مرّ به تاريخهم في أوروبا والغرب، في نزعة تنظيرية لا تكاد تخلو من فوقية استعلائية.


وإذا كان الغرب يرى أن الحرية الدينية تتمثل في حرية العبادة وحكم الأغلبية، فإن الباحثة ترى أن هذا المفهوم ليس غريبًا على الإسلام، فالقرآن يؤكد حقيقة أنه "لا إكراه في الدين"، ويحترم معتقدات أهل الكتاب، ومع ذلك فإنه من الصعب القول بأن المجتمعات الإسلامية تعرف حرية في اعتناق ديانات غير الإسلام، لاسيما في وقت يشتد فيه عود المنظمات "المتطرفة".


ثم تنتقل الدراسة لبحث إشكالية العلمانية في العالم الإسلامي، فعلى الرغم من تحول تركيا ذات الرمزية الدينية تاريخياً لدى المسلمين إلى النظام العلماني، فإن المسلمين لا يزالون ينظرون إلى العلمانية بوصفها عدواً لا يمكن التصالح معه. وتشير إلى الخصوصية الأمريكية في النظر إلى العلمانية وأهمية "تعميمها" أو "تصديرها" إلى العالم الإسلامي، فأصحاب الاتجاه الديني المحافظ في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يتفقون مع العلمانية المتطرفة، ورغم أنهم يفضلون عدم إنشاء دولة دينية فإنهم في الوقت ذاته يريدون احترام الدين وممارسة العبادات الدينية. "فالآباء المؤسسون" للولايات المتحدة الأمريكية لم يقصدوا فصل الدين عن الحياة العامة.


ثم تبحث الدراسة في قضية حقوق الفرد في المجتمعات الإسلامية، إذ تعد هذه القضية من القضايا المعقدة والمثيرة للجدل، الأمر الذي يمكن رده إلى الاختلاف بين جوهر حقوق الأفراد والجماعات، والطريقة الفريدة التي يعامل الإسلام بها الفرد. وأشارت الدراسة إلى أن مفهوم التوحيد، من وجهة نظر الباحثة، يعني اندماج مؤسسات الدولة وأوليات الفرد من خلال الإقرار بسيادة الله (تعالى). فالفرد لديه التزامات تجاه ربه، والدولة ومؤسساتها لديها دور في تحديد ماهية هذه الالتزامات. في حين أن الخبرة الغربية، تعتبر أن فكرة عبادة الله لا تمارس تحت إكراه الدولة، فهناك حرية للفرد في هذا المجال، الأمر الذي ظهر لدى كل من الإصلاحيين البروتستانت والكاثوليك في عصر التنوير.


ثم تبحث الدراسة في موقف المجتمعات الإسلامية من قضية حقوق المرأة، فترى أن الرجال والنساء في الإسلام عليهم الواجبات والمسؤوليات ذاتها أمام الله (تعالى). فالمرأة لها الحق في الطلاق والميراث، ومارست المرأة في المجتمعات هذه الحقوق قبل تمتع النساء في الدول الغربية.


وأكدت الدراسة أن الانتهاكات التي تمارس في حق المرأة باسم الإسلام اليوم هي ممارسات نابعة من الثقافة، وليس لها بالدين أي صلة، ومن ثَمَّ تقع مسؤولية إصلاح هذه السياسات على المسلمين أنفسهم. وبالنسبة للحريات السياسية وحرية التعبير بالذات، يقر الإسلام، من وجهة نظر الباحثة، باحترام قيم الديمقراطية والحكومة النيابية، فنجد مبدأ الشورى ومبدأ الإجماع وهي ممارسة معروفة في الهيئات النيابية، وكلاهما يتضمن مفهوم حرية التعبير، غير أن الدراسة ترى أن حرية التعبير ليست مطلقة.


ثم تطرح الدراسة تساؤلاً عن مدى إمكان تحقيق التوافق بين مفاهيم الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية وبين أفكار الديمقراطية الليبرالية، فتخلص إلى أنه يصعب قبول فكرة أسلمة الديمقراطية، وأنه لا يمكن توقع تطبيق نسخة حرفية من الديمقراطية الليبرالية في الشرق الأوسط أو أي مكان. وترى الدراسة أن الديمقراطية مهما اتخذت من أشكال مختلفة باختلاف الثقافات تصر على ضرورة احترام حقوق الأفراد والحرية الدينية. وأنه ليس هناك تعارض بين الإسلام ومفهوم الحرية في كثير من مضامينها الغربية. لتقفز عن المقدمات التي طرحتها إلى نتائج تعبر عن رؤية سياسية أكثر منها معالجة للواقع والمعطيات التي تناولتها الدراسة بالبحث، لتبرهن عن غائية الدراسة وما ورائية الدوافع إلى تناول هذا الموضوع وفي هذا التوقيت بالذات،فهي موجهة على الأقل بتأثير موروثها غير المحايد تجاه القضية التي تعالجها،فضلاً عن قصور معرفتها بحقائق الإسلام وتاريخه المتميز.

 

__________________
(1) للاطلاع على الدراسة كاملة، يمكن مراجعة موقع مؤسسة التراث على الشبكة العنكبوتية.