(الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة) في عيون العلماء والمفكرين
17 ذو القعدة 1429
محسن العبد الكريم




مناقشات ساخنة حول قضايا الأسرة , والتربية الأسرية , ومخاطر العولمة على الجيل الجديد , والدور الذي يقوم به الإعلام في خلخلة القيم والمفاهيم، شهدتها ندوة (الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة) , التي نظمتها مجلة (البيان) , بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد , التي عقدت بالرياض مساء الخميس الماضي , وحضرها وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ , وحشد من العلماء والمفكرين والمختصين.

الندوة ناقشت ثلاثة محاور هي : التماسك الأسري في ظل العولمة وأدار الجلسة الدكتور خالد الدريس , وتحدث فيها كل من : د. إبراهيم الدرويش , ود.وليد بن عثمان الرشودي, أما المحور الثاني فكان بعنوان (التربية الأسرية ..قراءة وتقديم) وأدار الجلسة د. عبد المحسن آل الشيخ , وتحدث فيها كل من : د. عبد العزيز النغميشي , ود. عبد الله بن وكيل الشيخ , والمحور الثالث ناقش (الإعلام العربي ودوره في التغيير الاجتماعي والأخلاقي) , وأدار الجلسة د. خالد العجيمي , وتحدث فيها كل من : د. محمد الخرعان , ود. محمد بن سعود البش .

افتتحت الندوة بكلمة من الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الصويان (رئيس تحرير مجلة البيان ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية),  عن التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة,  في ظل طوفان العولمة التي تستهدف مقومات الأسرة المسلمة ودينها وعقيدتها وقال: لقد رأينا آثار ذلك في التغيير الذي حصل في الأسرة من ارتفاع نسبة الطلاق وانتشار المخدرات والإدمان والعنف الأسري مشكلات كثيرة هددت الكيان الاجتماعي.

وقال الشيخ  الصويان: "إن هناك من يحاول أن يغير واقع الأسرة المسلمة بثقافات تغريبية ويحاول أن يصبغها وفق هذا التغريب.

وأكد الصويان على الدور الدعوي الذي تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية والمؤسسات الدعوية والعلماء في التصدي لهذا التغريب.

ثم تحدث وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ عن الدور المطلوب في المرحلة القادمة للحفاظ على الأسرة المسلمة , وطالب بمشروع نهضوي يجمع العلماء والدعاة والمؤسسات الدعوية الرسمية والأهلية .

قال: إن المشروع الإسلامي لابد أن يكون حاضرا لدى الجميع, وإذا غاب هذا المشروع انحسر المد الإسلامي وضعفت قوة الإسلام والمسلمين

وحدد آل الشيخ محورين هامين لقوام هذا المشروع هما : الوسطية والاعتدال والتجديد

وحذر من الغلو والتشدد وقال: كل الأفكار التي قامت على التشدد والغلو انتهت واندثرت مع الزمن .

وقال آل شيخ في كلمته: إننا نحتاج إلى بناء تربوي للمسلم بحيث يستطيع ان يواجه هذه الحياة بفعالية وايجابية وتعاون على البر والتقوى ونحن في حاجة إلى تربية للأسرة التي يعيش فيها الفرد المسلم وتنطلق فيها القوة الخفية للدعوة ولمواجهة تحديات الحياة ".

وأضاف: منذ أن نشأ الإسلام , وحتى غدا غريبا,  نرى فيه أنواع البناء والتربية الأسرية, وبناء الذات,  وتزكيتها حتى لا يلتبس الطريق على البعض,  في مصالح متوهمة واجتهادات قد تعود إلى أصل الشرع بالإبطال.

وأضاف قائلا: إن السلف الصالح عندما بنوا الشخصية المسلمة,  بنوها في إطار متكامل , على أسس تقوى الله", وأشار إلى أن المجتمع يشهد اليوم تحديا كبيرا,  للأسرة المسلمة ولابد من مواجهة هذه التحديات وبيان الضوابط الشرعية لذلك وقال إننا نرى في هذا الزمن تغيرا كبيرا في المسارات الدعوية , وفي القناعات الشرعية, وتقويما للاجتهادات ومصالح ليست اجتهادات مرضية, ولا مصالح مرعية, ونرى تغيرا في الاجتهاد الاجتماعي,  من أهل العلم والتشاور والدعوة واتجاه للفكر الشخصي والبناء الفكري بحسب اجتهادات قائله.

ولذلك تنوعت الآراء والأقوال والأطروحات, وهذا يقود لعثرة ليست بالهينة, قد تؤدي إلى غياب النظرة للمستقبل , والى فرح الأعداء,  والاتجاهات غير الإسلامية في ظل الخلل.

وقال وزير الشؤون الإسلامية : إذا غاب المشروع الإسلامي عن الخاصة والعلماء والدعاة - في زمن التحديات-  فإن الدعوة سنتحسر,  وتضعف قوة الإسلام واهله,  وأضاف: ينبغي أن يقوم المشروع الإسلامي الدعوي الحضاري , على قراءة الواقع وحاجات وحاجات الناس ويستطلع مرادات الشارع ويحدد المستقبل .

وأفاد بأن الأفكار القائمة على التشدد والغلو,  اندثرت مع الزمن , وأن المشروع الإسلامي المستقبلي قائم على ركيزتين هما:  الوسطية وعدم التشدد والتجديد، ونوه  إلى أن الدعوات  عبر التاريخ الإسلامي تقوم على الحرص على الإسلام وتضافر الجهود للعمل لهذا الدين.

 

أصول التنشئة الصحيحة

 

وفي ورقته عن (التربية الأسرية) أكد  الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ (الأستاذ بكلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) : على أن القيام بالتربية الأسرية واجب شرعي دلت عليه النصوص الشرعية وتفرضه المصلحة الواقعية ويقتضيه العقل الحصيف , وقال : أن التربية عملية منهجية تحتاج إلى معرفة ومهارات وصبر على المتابعة. ولأسلوب التنشئة الاجتماعية الذي يسلكه الوالدان في الأسرة أثرُه الفعال في الصحة النفسية لأبنائهما، فالأسلوب القائم على الشورى والتقبل يولد شعوراً إيجابياً لدى الناشئ تجاه ذاته أولاً، ويساعده على التكيف مع الأسرة والمدرسة والمجتمع والأصدقاء ثانياً.

بينما الأسلوب القائم على القهر والتسلط والإلزام الدائم فإنه يولد شعوراً سلبياً عند الناشئ تجاه ذاته أولاً ثم تجاه الأسرة والمدرسة والمجتمع والأصدقاء ثانياً، بل ويزيد من احتمالات ظهور مشكلات سلوكية لديه.

وتظهر نتائج البحوث أن هناك مجموعة من المهارات التي يسهم الوالدان في تعليمها لأولادهما تحدد مستوى نجاح الطفل أو فشله في مرحلة الرشد. وتقع هذه المهارات في ثلاثة مجالات: المجال الاجتماعي، والمجال المعرفي واللغوي، والمجال السلوكي.

وقبل هذه المجالات التربية الإيمانية التي تربط المربي بالله - عز وجل - وتعلقه بخالقه، ويتجلى ذلك في: المحبة لله - عز وجل , الخوف منه سبحانه وتعالى  , وتعظيم حرمات الشريعة وامتلاء القلب يقيناً باشتمالها على ما يضر العبد في دنياه قبل أخراه.

والوالدان هما المثل الحي أمام الأبناء في ظهور السلوكيات الدالة على وجود هذه المعاني الإيمانية في نفوسهم، مع التذكير بها دوماً وربط المتربي بها في السلوك اليومي.

 وتعرض الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ إلى أصول التنشئة الصحيحة وما حفلت بها نصوص الشريعة، ففي مجال التعاون , وفي تكوين سمة الاعتدال والتوسط , وفي تأسيس الإيجابية وحب المبادرة , وفي تعزيز الانضباط السلوكي وتحمل الضغوطات النفسية

ويضيف الدكتور وكيل الشيخ قائلا: إن  أكثر الدراسات التي جرى بحثها على شرائح من المجتمع السعودي أو بعض المجتمعات الخليجية أو العربية عموماً؛ أكدت على وجود خلل كبير في التربية الأسرية على الأقل في الميادين التي تناولتها تلك الدراسات، ففي دراسة الدكتور محمد السيف «تربية المراهقين والمراهقات في الأسرة السعودية» يشتكي عامة المراهقين من كون الآباء يطلبون منهم عمل المستحيل؛ كالانقطاع عن الأصدقاء، أو يقف الوالدان موقفاً متحيزاً في حال عراك المراهقين وجدالهم، وكذا السماح بالوشاية بين الأبناء ضد بعضهم، أو الغلظة في العقوبة التي تلجئهم إلى الكذب.

وأسوأ ما يكون حينما يربي الوالدان ابنهما تربية سلبية تجاه الأسرة الجديدة التي سيقودها، فيمتد ذلك الشقاء إلى الأسرة الجديدة التي لم يؤهَّل قائدها أو على العكس من ذلك أهِّل تأهيلاً غير سوي، وقد أدى ذلك بالفعل إلى واقع مؤلم في فشل مشروع الزواج في المجتمع، حيث أثبتت الإحصائية الرسمية الصادرة من وزارة العدل من عام 1404هـ ـ 1424هـ أن ثلث مشاريع الزواج ينتهي بالطلاق، وتتراوح النســـب السنــوية ما بين 31% عام 1403هـ إلى 22% عام 1424هـ. هذا إذا نُظر إلى ظاهرة الطلاق بعامة، لكن إذا نظر إلى حالات الزواج الحديثة في المحافظات والمدن السعودية؛ فالأمر أشد، حيث تتراوح النسب ما بين 41% في منطقة الرياض إلى 17% في منطقة المدينة إلى 31% في المجمعة وهكذا. وهذه الظاهرة نتاج خلل في ثقافة المجتمع وبنائه الاجتماعي بشكل أعم، ولا يصح إسناد هذه الظاهرة إلى تفسير جزئي كالدخل الاقتصادي أو عمل المرأة، أو مستوى التعليم وهكذا..

وقال الدكتور عبد الله وكيل الشيخ : إن الأسرة المسلمة بل والأسرة عامة تمر بها جملة من المتغيرات التي أثرت في الأدوار والمجالات التي تنهض بها الأسرة في تربية أفرادها، ومن جملة المتغيرات: المتغير الاقتصادي الذي كان له بجانب الجوانب الإيجابية جوانب سلبية تمثلت في ظهور الأسرة الثرية واتسامها بالعزلة والتفرد وتغير العلاقة بين الآباء والأبناء وضعفها، وتخلي الأسرة عن كثير من أدوارها في التعليم والتدريب على المهن المختلفة، وظهور بعض الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية عند الأبناء .

وقدم الدكتور وكيل الشيخ مجموعة من المقترحات للنهوض بالتربية الأسرية منها: إشاعة العلم بأهمية الثقافة الأسرية. رسم إستراتيجية وطنية للنهوض بالتربية الأسرية يسهم فيها أجهزة المجتمع؛ بدءاً من وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة العدل ووزارة الإعلام.

وان يكون هناك أسبوع سنوي للتربية الأسرية تكثف فيه البرامج التوعوية بهذا الأمر. ومن نافلة القول: أن هذا المشكل التربوي لا يقل أهمية عن البرامج التوعوية التي تأخذ أسبوعياً سنوياً في التوعية بذلك المجال.

وتضمين المناهج التعليمية في مدارس البنين والبنات الثقافة الأسرية المناسبة في أواخر المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية، واشتراط حدٍّ أدنى من المعرفة والمهارة بإدارة الأسرة وحل المشكلات لدى من يريد بناء أسرة جديدة؛ يطالب به الزوجان كما يطالبان بالكشف الطبي.

و لقد آن الأوان لوجود المجلس الأعلى للأسرة يعتني بهذه الجوانب كلها.

 

التماسك الأسري في ظل العولمة

 

وتناول الدكتور وليد بن عثمان الرشودي (الأستاذ في كلية المعلمين بجامعة الملك سعود) في ورقته التي جاءت بعنوان (التماسك الأسري في ظل العولمة) , مفاهيم الأسرة والعولمة , وعناية الشريعة الإسلامية بالأسرة وحمايتها, و خطورة العولمة على الأسرة المسلمة وعلى الحياة الاجتماعية, واختتمها بمجموعة  توصيات لحماية الأسرة المسلمة من العولمة

ويقول الدكتور الرشودي :إن وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يَظْفَرَ ببيتٍ وزوجةٍ وذريةٍ وقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتمامًا شديدًا، وأولاها عنايةً فائقة، وحرص على تماسكها وحفظها مما يقوِّض دعائمها.

وتعرض الدكتور الرشودي لمفاهيم (الأسرة) و(العولمة) لغة واصطلاحا , وخطورة العولمة على الكيانات الأسرية , لما تحمله من أفكار وسلوكيات وأنماط حياة غربية , وتحاول فرضها على الآخرين.

ويقول د. الرشودي : لقد أولى الإسلام عناية فائقة بالأسرة؛ لحمايتها من التفكك، فهي العماد الأول للمجتمع المسلم، والمحصن التربوي الأول الذي يتخرج منه الفرد النافع للمجتمع ولنفسه ولوطنه. وحتى لا يحدث تلاعب في هذا الاستقرار الأسري؛ حث الإسلام على استمرار رابطة الزوجية، وكره قطعها من غير مبرر، وشرع لذلك جملة تشريعات لضبط العلاقات الأسرية . وقد رافق  التشريع الإسلامي الأسرة في مسيرتها، ورعاها منذ لحظة التفكير في إنشائها إلى لحظة إنهائها، مرورًا بأحوالها وشئونها مدة قيامها، مراعيًا في ذلك كله قواعد العدالة، والأخلاق، والمثل الاجتماعية، وآخذًا بعين الاعتبار العواطف الإنسانية، والطاقة البشرية، والنزوات الجسدية، والخلجات النفسية، مقدرًا لكل منها قدرها، في إطار من الموضوعية الشاملة، بما يؤمِّن للأسرة أقوى رباط، وأسمى إطار، يلفُّها، ويقوِّيها، ويشدُّ من أزرها، حتى تقوم بواجبها الاجتماعي والإنساني، في الإنجاب والتربية واستمرار الجنس، في ظل عبادة الله تعالى وشكره على نعمه.

 أما عن خطورة العولمة وآثارها السلبية فيقول الدكتور الرشودي  لقد ظهرت العديد من الآثار السلبية والخطيرة للعولمة، سواءً على الأسرة المسلمة، أو على النظام الاجتماعي في المجتمعات المسلمة عمومًا، ومن هذه الآثار: تمزُّق الكثير من الأنسجة الاجتماعية، وتردي علاقة الآباء بالأبناء، وانصراف الأولين عن دورهم التربوي التاريخي , وتهديد النظام الأخلاقي الإسلامي، فمن خلال العولمة يروج للشذوذ الجنسي.

 ويحاول الغرب استصدار قوانين لحماية الشذوذ الجنسي في العالم، ومن أحدث محاولات العولمة محاولة، فرض مصطلح جديد يطلق عليه (Gender) بدل كلمة (sex 

ومن مخاطر العولمة – أيضا- تقوية النزعة الأنانية لدى الفرد، وتعميق مفهوم الحرية الشخصية في العلاقة الاجتماعية، وفي علاقة الرجل بالمرأة، وهذا بدوره يؤدي إلى التساهل مع الميول والرغبات الجنسـية، وتمرد الإنسان على النظم والأحكام الشرعية التي تنظم وتضبط علاقة الرجل بالمرأة، وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الإباحية، والرذائل، والتحلل الخلقي، وخدش الحياء، والكرامة، والفطرة الإنسانية. والعمل على تفكيك الأسرة وإضعافها وقطع أواصرها، وإجازة  الشذوذ الجنسي، والعلاقات الجنسية الآثمة بين الرجل والمرأة، بل بين الرجل والرجل، و إشاعة ما يسمى بأدب الجنس، وثقافة العنف التي من شأنها تنشئة أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة, وكظاهرة عادية وطبيعية, وما يترتَّب على ذلك من انتشار الرذيلة، والجريمة، والعنف في المجتمعات الإسلامية، وقتل أوقات الشباب بتضييعها في توافه الأمور، وبما يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلاقه وسلوكه وحركته في الحياة.

وتساهم في هذا الجانب شبكات الاتصال الحديثة، والقنوات الفضائية، وبرامج الإعلانات، والدعايات للسلع الغربية، وهي مصحوبة بالثقافة الجنسية الغربية، التي تخدش الحياء والمروءة والكرامة الإنسانية، ولقد أثبتت الدراسات الحديثة خطورة القنوات الفضائية ـ بما تبثه من أفلام ومسلسلات جنسية فاضحة ـ على النظام التعليمي والحياة الثقافية، والعلاقات الاجتماعية، ونمط الحياة الاقتصادية في العالم الإسلامي.

إضافة إلى زيادة نسبة معدلات الجريمة، ليس في الدول النامية وحدها، بل في كل الدول الأوروبية الغنية, زيادة معدلات الفقر والبطالة، وتوهين العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، والظلم الاجتماعي الذي يصيب الأسر الفقيرة، نتيجة تقليص الدولة للدعم الاجتماعي لهذه الأسر، كما ستؤدي العولمة إلى تشغيل خمس المجتمع، وستستغني عن الأربع الأخماس الآخرين؛ نتيجة التقنيات الجديدة المرتبطة بالكمبيوتر.

 

التماسك الأسري في ظل العولمة

 

أما الدكتور إبراهيم الدويش (الأستاذ بكلية المعلمين بالرس) فقد ناقش في ورقته التي جاءت بعنوان (التماسك الأسري في ظل العولمة) الآثار السلبية للعولمة على الأسرة وقال :ليس في الوجود دين نظم حياة الناس الأسرية كدين الإسلام، حيث شرع لها من الأحكام والتشريعات والنظم ما تحافظ به على تماسكها، فكان اهتمام الإسلام بسلامة تكوين الأسرة من البداية، ثم اهتم بالتواصل بين أفرادها، فالإسلام أقام نظام الأسرة على أساس ثابت دقيق مستمد من الواقع؛ لكن الواقع اليوم والشواهد والأرقام تؤكد – وللأسف – على وجود بدايات خطيرة للتفكك والانهيار الأسري في مجتمعاتنا الإسلامية بتأثير ما يمسمى بـ( العولمة أو الشوملة، أو الكوكبة).

وخلص الدكتور ابراهيم الدويش في ورقته إلى مجموعة من المطالب لمواجهة سلبيات العولمة على الأسرة المسلمة وهي :

المطلب الأول: التأثير السلبي فكرياً:

1 - تأثر مفهوم الزواج، والذي يختلف باختلاف الحضارات.

2- تأثر مفهوم القوامة الشرعية لرب الأسرة، فهي في نظر العولمة ليست إلا تضييقًا على الحرية، وتدخلاً في الخصوصيات.

المطلب الثاني: التأثير السلبي اجتماعياً:

1- كثرة المشاكل الأسرية الناجمة من الانفتاح السلبي والتي بدأت تطفو على السطح، كما أن الساكنة منها تقلق ذوي الاختصاص.

2- ضعف الاحترام لرابط الزواج كعقد شرعي من قبل البعض من الأزواج والزوجات، ولجوؤهم إلى الطلاق لأتفه الأسباب.

3- البيوت الفندقية، ظاهرة عصرية، فالكثير من البيوتات أشبه بفنادق للإيواء في أوقات الراحة فقط!!.

4- ظاهرة الخادمات المربيات للصغار، والسائقين المكلفين ليس بالقيادة فقط، بل حتى برعاية الأولاد.

5- الإغراق في الجانب الاقتصادي العائلي، وانشغال الأبوين في العمل الوظيفي وطلب الرزق وشدة المعاناة المالية.

المطلب الثالث: التأثير السلبي أخلاقياً:

1- سن قوانين وأنظمة تخالف قوانين الأسرة المسلمة المستمدة من الشريعة السمحة، بل وتتصادم مع الفطر السليمة.

2- سوء استخدام وسائل الاتصال الحديثة من انترنت، وما سنجر، وشات، وبلوتوث، وجوال، ونحوها.

أما عن التوصيات التي انتهت إليها ورقة الدكتور الدويش فقد تضمنت مجموعة من النقاط هي:

 

1 - إن المشاعر والعواطف التي تنمو في جو الأسرة نعمة ورحمة تقي التعاسة والشقاء.

2 - المطالبة الجادة من الدول والحكومات بدعم الأسرة كمؤسسة تربوية، لها أثر كبير في توطيد الأمن والاستقرار.

3 - وضع استراتيجيات وسياسات أسرية واضحة يتبناها المجتمع ويلتزم بها.

4 - مطالبة وزارة التعليم والتربية بإقرار مادة عن ثقافة الأسرة والمسئوليات فيها،

5- قيام الجهات المعنية بعقد برامج تدريبية متخصصة بتوعية الأب بدوره بالتماسك بين أفراد أسرته .

6- ضرورة وضع الخطط في كيفية الاستخدام الأمثل لوسائل الاتصالات الحديثة، والقيام بحملة توعوية شاملة.

7- أهمية المستشار الأسري، بأن تتخذ كل أسرة مستشارًا خاصًّا لها،

8- وثيقة الحياة الزوجية الناجحة، وأوصي بها كل زوجين خاصة في بداية حياتهما الزوجية،

9 - وكذلك فعل نفس الشيء، بما يسمى: بـ"وثيقة الطلاق الناجح"،

10 - تبني الجهات المعنية، وخاصة وزارة الإعلام لنشر ثقافة الحوار الأسري،

11- التركيز عند التوعية والتثقيف بالبدء بالقيام بأداء الواجبات، ومن ثم المطالبة بالحقوق.

 

مطاردة الفضائيات المسيئة

 

وتناول الدكتور محمد بن سعود البشـر (أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في بحثه (مواجهة تأثير الإعلام العربي على الأسرة والمجتمع) : الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الجماهيرية في تشكيل الوعي ، وتوجيه القيم ، والتأثير على الأخلاق والسلوك . خاصة وسائل الإعلام العربية التجارية التي تقوم  بهذا الدور  بعيداً عن عين المراقبة أو المحاسبة . والتي همها تحقيق الربح  , ولذلك فان مضامينها وبرامجها أصبحت تمثل هاجساً للمسؤولين عن الأمن والأخلاق على حدٍّ سواء.

وأن  مواجهتها ومحاولة الحد من تأثيرها  - كما يقول الدكتور البشر- على الأسرة والمجتمع أكبر من أن تُحصر في نداءات موسمية ، أو دعوات ، دينية أو أخلاقية ، مؤقتة . و أكبر من أن تطرق طرقاً عارضاً ثم تخبو بعدها الأصوات أو النداءات . ومن ثم لابد من إدراك أهميتها وتأثيرها ، واستمرار محاولات معالجتها ، بحسبانها قضية دينية ، وأمنية ، وتربوية وأخلاقية سيكون لها الأثر البالغ في حياة الأسرة والمجتمع غداً ومستقبلاً .

  وأعد الدكتور البشر في ورقته  تصورا  عمليا لكيفية مواجهة تأثير وسائل الإعلام العربية على قيم المجتمع السعودي وأخلاقه ، بالتركيز على القنوات الفضائية باعتبارها الوسيلة الإعلامية الأكثر تعرضاً لها من الجمهور على اختلاف مستوياته الاجتماعية وفئاته العُمرية وتفاوت دخله الاقتصادي التي تشكل البناء الاجتماعي للأسرة المسلمة .

وتحدث الدكتور محمد بن سعود البشر عن تأثير وسائل الإعلام العربية على قيم الأسرة والمجتمع ، من خلال أربعة محاور هي  : المحور السياسي ، والمحور الشرعي ، والمحور القانوني ، والمحور المجتمعي .

وطالب الدكتور البشر بمواجهة هذه الفضائيات المسيئة عبر القنوات السياسية واقانونية والاجتماعية وقال:إن المجتمع السعودي لا يعاني  من الفصام بين دستوره ومعتقده . لان شريعة الإسلام هي الضابطة لعقيدة الأمة السعودية في كل مجالات حياتها . ومبادئ الإسلام هي الأصول الكلية التي قامت عليها الدولة السعودية ، وتطبيق هذه الأصول تمثل في التزام المنهج الصحيح في العقيدة والفقه والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  وقد جاء النظام السياسي للحكم في السعودية مؤكداً على هذا المنهج ، وانبثقت منه سياسات الدولة المختلفة ونظمها وقوانينها ، ومنها السياسة الإعلامية.

   ومن ثم فان من  أهم وأعظم التحديات التي يواجهها المجتمع مضامين الإعلام الفضائي العربي التي تهدد أمن المجتمع وسلامة بنيانه ، وبخاصة تلك المضامين التي تنتهك حرمات الدين ، وتهزأ بقيم المجتمع ، وتنشر الفساد الأخلاقي والسلوكي بين أفراده.

   وطالب الدكتور بالمساءلة الدورية لمالكي القنوات الفضائية والقائمين عليها. واستدعاء المعلنين في هذه القنوات من رجال الأعمال ، وتذكيرهم بأن إعلاناتهم في برامج معينة في هذه القنوات هو تشجيع لها على الاستمرار في بث الفساد وتوسيع دائرة انتشاره

كذلك اكد د. البشر على دور العلماء والدعاة في التصدي لاثار السلبية لوسائل الاعلام على المجتمع , ويقول : ان للعلماء الشرعيين مكانتهم السامية في المجتمع ، فهم أهل الكلمة العليا ، وهم المؤثرون في الناس ، وهم قادة الإصلاح الديني والاجتماعي الذين يتصدرون للقضايا الكبرى ويقولون فيها كلمتهم الفصل . والفتاوى التي تصدر منهم يرجع إليها الناس ويحتكمون إليها في شؤون حياتهم ، وقد ظهر تأثير العلماء بانهم صدعوا  بكلمة الحق في شأن المؤسسات الإعلامية التي تروج للفجور والرذيلة في مجتمعات المسلمين ، واتضح تأثير مواقفهم على مالكي القنوات الفضائية والرأي العام والجمهور على حدِّ سواء من خلال العديد من المواقف.

 

المعارك الهامشية

 

وتناول الدكتور محمد بن عبدا لله بن إبراهيم الخرعان (الأستاذ المشارك في قسم الإعلام - كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في ورقته  (التغيير وتأثير وسائل الإعلام) مفهوم التغيير في الدراسات الإعلامية الحديثة وكيف تؤثر وسائل الإعلام؟ وواقع الإعلام العربي, وقدرته على التأثير في الجمهور. وقال : أن التغير بمفهومه العام، وهو التحول من حال إلى حال، إما بشكل جزئي أو كلي، سواء كان تحولا إيجابياً،أم سلبياً، سنة كونية قائمة، سواء على مستوى الفرد، أم المجتمع، أم الدولة، أم العالم والكون كله.

أما مفهوم التغيير في الدراسات الإعلامية – كما يقول الدكتور الخرعان- فقد ارتبط بمفهوم التنمية،التي أصبحت الشغل الشاغل للعالم الثالث بعد تشكله في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحوله إلى بؤرة نزاع وصراع سياسي وثقافي، ولذا تسابق الباحثون الغربيون في تقديم الدراسات التي تستجيب لهذه الحالة في العالم، وظهرت العديد من النظريات في هذا المجال، والتي جاءت بعناية وتوجيه مباشرين من جهاز الأمم المتحدة ممثلا في منظمة اليونسكو.

ويقول الدكتور الخرعان : إن الحديث عن تأثير وسائل الإعلام حديث يطول، لكن الذي يهم في هذه النقطة بالذات الإشارة إلى أن النظرة الساذجة التي كانت سائدة في بدايات ظهور الإذاعات، بأن لوسائل الإعلام تأثير مباشر على المتلقي يوازي تأثير الطلقة النارية إذا أصابت هدفها، تلك النظرة لم يعد لها معنى في ظل الحقائق العلمية الإنسانية، النفسية منها والاجتماعية، التي تؤكد أن الإنسان كائن معقد التركيب، وليس هدفاً سهلا لوسائل الإعلام، وأن التأثير الذي تحدثه وسائل الإعلام لا يمكن تفسيره بتأثير العامل الواحد، وإنما يتم عبر عملية معقدة من العلاقات والعوامل الاتصالية والسياسية والثقافية المتداخلة، وفي ظروف معرفية واجتماعية معينة، ووفق مراحل وخطوات بالغة التعقيد والاحتراف في التخطيط والإعداد  والتنفيذ.

وبالتالي يمكن القول بأن تأثير وسائل الإعلام العربي في التغيير جاء ضمن مجموعة من العوامل والمؤثرات التي أسهمت في صناعة التغييرات التي طرأت على الأفراد والمجتمعات العربية، ومن جانب آخر أسهمت في إعطاء وسائل الإعلام الفرصة للتأثير، وهيأت لها المناخ المناسب لتحدث ما أحدثته، ومن أبرز تلك المؤثرات:

ثم يتناول الدكتور محمد الخرعان قضية  التخلف الحضاري, ويقول : ان التخلف الحضاري  الذي تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية، في مقابل التقدم المادي التقني والإداري في الغرب جعل من هذا الوضع المتخلف بيئة مناسبة لنمو الأفكار الأخرى التي تنادي بالتحديث مدخلة في هذه الدعوة النمط الغربي أو الشرقي باعتباره النموذج الأمثل لتحقيق بيئة التقدم باعتباره المثال الحي للمجتمع المتقدم، لاسيما في مرحلتي التحديث، ونشر المبتكرات.

أما عن واقع الإعلام العربي فيقول الدكتور محمد الخرعان في ورقته :  لقد وجدت الكثير من وسائل الإعلام العربي نفسها مشدودة بصورة أو بأخرى نحو مفهوم التنمية، وتحت وطأة مفهوم التخلف الذي قبلت أن تصم مجتمعاتها به وجدت أن النموذج الغربي هو المثال والنموذج الذي يصلح أن يكون بديلا للوضع الراهن، ولا شك أن المجتمع الغربي وحضارته لديه الكثير مما يمكن الاستفادة منه في مجتمعاتنا في تلك الفترة، والتي كانت تعيش تحت وطأة الأمية والفقر وسطوة الأمراض، والتخلف التقني والإداري، لكنه مع شديد الأسف خلط بين ما نحتاج إليه وما لا حاجة لنا به، وفي كثير من الأحيان جعل الشكل هو الهدف، فكانت قضية عمل المرأة، والاختلاط، والولاية وقضايا الحجاب، والسينما والمسرح هي القضايا التي تمثل معارك التنمية الكبرى، تاركاً وراءه المعترك الأكبر في التقدم الحقيقي المتمثل في اكتساب التقنية، ونقلها، وتكريس مفاهيم المسؤولية والشفافية الإدارية.