مستقبل المقاومة العراقية
16 ذو القعدة 1429
د. محمد مورو




مع تصاعد الحديث عن اقتراب الوصول إلى ما يسمى بالاتفاق الأمني بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية والذي ينظم عملية استمرار الاحتلال بوسائل جديدة ، بمعنى إمكانية انسحاب القوات الأمريكية أمام الكاميرات مع تقنين وجود مستمر لقوات الاحتلال بأعداد أقل ، وفي أماكن محددة –قوات دائمة مثلاً – ووضع آلية قانونية تتيح للاحتلال ممارسة ما شاء من أمور دون أن يتعرض للمساءلة وغيرها من الأمور التي يمكن أن نفاجئ بها يوماً ما قريباً أو بعيداً ، كل هذا يبين أهمية دراسة حالة المقاومة العراقية حالياً ، وفي المستقبل باعتبار أن المقاومة العراقية كانت ولا تزال هي المحدد الرئيسي لمستقبل العراق ومستقبل المنطقة بالتالي . . بالطبع فإن الحديث عن تحديد وضع قانوني ومستقر للاحتلال جاء بسبب تراجع ملحوظ للمقاومة العراقية ، ليس بسبب قوة الأمريكان مثلاً ، ولا بسبب ضعف إدارة تلك المقاومة ولكن بسبب اختراق أمريكي لقواعد المقاومة – السنة تحديداً باعتبار السنة كانت الحاضنة الأساسية للمقاومة ، وإذا تم اختراق الحاضنة فإن أثراً سلبياً واضحاً سوف يحدث على تلك المقاومة . وهذا بسبب ظهور ما يسمى بالصحوات وهي في الحقيقة خيانات (تلك المتعاونة كلياً مع الاحتلال) ، وبصرف النظر عن وجود أخطاء وخطايا ارتكبتها المقاومة العراقية أو أحد روافدها الأساسية فإن السماح باختراق أمريكي لقواعد المقاومة وحاضنتها الرئيسية تحت ذريعة وجود أخطاء للمقاومة تعد نوع من الخيانة لا يمكن تبريره . على أي حال فإن مسيرة المقاومة العراقية أثبتت عدداً من الحقائق كالتالي :

 

-        

أنه بالإمكان هزيمة قوى عسكرية كبرى مثل الجيش الأمريكي بوسائل المقاومة الشعبية وأن الإنسان أقوى من التكنولوجيا وأن الإيمان والإرادة أقوى من الطائرة والدبابة .

 

-         أ

ننا أمة لا يمكن أن تهزم من الخارج ولكن الهزيمة والتراجع تأتي دائماً من خلل في الداخل ، فالمقاومة العراقية ظهرت وصعدت في ظروف غير مواتية تماماً ، واستطاعت أن تنزل ضربات موجعة بالأمريكان ، وأنه لم يفت في عضدها لا طائرات ولا دبابات ولا أقوى الأسلحة ، بل إن الذي أدى إلى تراجعها هو الخيانة من داخل الحاضنة ونعني بالتحديد ما يسمى بالصحوات وأن عوامل نجاح الاختراق الأمريكي للمقاومة عن طريق الصحوات هو وجود خلل في بنية المقاومة أو ممارساتها أو تصوراتها وعلى الأقل في بعض روافدها .

 

-         أ

نه أياً كانت السيناريوهات المحتملة في الحالة العراقية بمعنى أنه سواء تم الوصول إلى الاتفاق الأمني أو تصاعدت المقاومة من جديد ، فإن المقاومة العراقية قد أنزلت هزيمة كاملة بالأمريكان ، وأنه رغم ضعف المقاومة العراقية وتراجعها حالياً ، فإن الأمريكان لن يكونوا قادرين على الاستمرار أو تحقيق أهدافهم التي جاؤوا من أجلها ، بمعنى أن المقاومة العراقية نجحت بالفعل في تحطيم المشروع الإمبراطوري الأمريكي الذي تبناه اليمين الأمريكي والمحافظ بل يمكن أن نقول أن المقاومة العراقية نجحت في تحطيم استمرار اليمين الأمريكي المحافظ داخل الإدارة الأمريكية وأن تضعف وإلى مدى طويل تلك القوة داخل أمريكا ، وأنه لولا هذه المقاومة العراقية الباسلة – أياً كانت أخطاؤها – لكان الأمريكان قد نجحوا في تحقيق أهداف المشروع الإمبراطوري الأمريكي الصهيوني وأن يتطلعوا كما خططوا إلى غزو سوريا ولبنان وإيران وربما مصر والسعودية كما قال بعض المحللين .

 

-        

أنه لولا تلك المقاومة العراقية ، لكان الشرق العربي قد تغير بل والشرق الأوسط كله ، بمعنى سيادة المشروع الأمريكي الصهيوني ، وبمعنى تحطيم كل قوى المقاومة . ومن ثم فإن تصاعد واستمرار حركات المقاومة ضد المشروع الأمريكي والصهيوني يرجع الفضل فيه إلى المقاومة العراقية ، والأمر نفسه بالنسبة للمقاومة الصومالية وكل أنواع حركات المقاومة في العالم بل ومشروع مقاومة الهيمنة الأمريكية ، كل هذا كان سيتلاشى أو على الأقل يضعف لولا ظهور وأداء المقاومة العراقية في ذلك الوقت الحرج الذي كاد يحقق هيمنة وسيطرة أمريكية على العالم .

 

-        

أنه رغم تراجع المقاومة العراقية ، فإن كل ما يطمح إليه الأمريكان الآن هو مجرد تحقيق انسحاب جزئي آمن من العراق ، وتقليل مستوى الهزيمة أي منع قوى المقاومة في العراق وخارجه من استغلال ظرف انسحاب الأمريكان من العراق في تحويل العراق إلى قاعدة للتحرر في العالم واستمرار مطاردة الأمريكان في عقر دارهم وتصاعد قوى مناهضة أمريكا في العالم ، وهكذا فإن الخطة الأمريكية في اختراق المقاومة العراقية عن طريق الصحوات لم يكن إلا محاولة لتحقيق مجرد انسحاب آمن .

 

-        

أن ظهور المقاومة العراقية في ذلك الوقت منع أمريكا من تحطيم كل الرأسماليات غير الأمريكية " الأوروبية واليابانية والصينية " وغيرها، ولذا فإن المقاومة العراقية كان لها فضل على هؤلاء جميعاً .

 

حتى ندرك آفاق المستقبل بالنسبة للوضع العراقي عموماً ،  والمقاومة العراقية خصوصاً ، فإن من الضروري أن نؤكد من جديد على أن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة كانت تقتضي احتلال العراق ثم سوريا ولبنان ومصر وهكذا إلا أن ذلك تغير بفضل المقاومة العراقية إلى مجرد تأمين وضع "إسرائيل" والوصول إلى تجميد للأوضاع تمهيداً لعودة جديدة ، ومن ثم فإن هذه الاستراتيجية تحولت إلى مجرد تحقيق انسحاب آمن ، لا تستطيع المقاومة بعده استمرار مناهضة أمريكا أو مطاردتها حتى عقر دارها ، ولذا فإن على المقاومة العراقية أن تدرك أن لديها من المجد والتاريخ ما يسمح لها بالفخر ويسمح لها أيضاً بالثقة في النفس ، وهذا يدفعها إلى ضرورة البحث الجدي عن أخطائها فلا ترتكبها من جديد وكذلك أن تبحث في إمكانية توحيد صفوفها ، والتخلي عن الممارسات الطفولية في هذا الصدد ، فالأمر لم يعد يحتمل المراهقة الفكرية والحركية والعقائدية ، على المقاومة العراقية أن تبحث عن وسائل توحيد قواها ، وأن تدرك أن تحدياتها أكبر من أن تواجهها فكرة واحدة منفردة أو حركة واحدة منفردة وأن تلك التحديات مركبة ، إنها تحديات حضارية أمريكية غربية صهيونية، وتحديات طائفية شيعية وإيرانية وإقليمية ، وتحديات ذاتية في ضرورة تحصين البيت من الداخل بالوعي والتجاوز والخيال الصحي والرؤية التي تراعي الشرع والمصلحة معاً ، والشرع والمصلحة لن يتعارضا إن شاء الله تعالى ، وأن تكون للمقاومة مرجعية فكرية من العلماء الموثوقين وأن يكون لها ذراعاً سياسياً قادراً على تبرير وشرح تصرفاتها والاشتباك في معارك سياسية بكفاءة وقدرة ووعي وأنه بدون هذا وغيره فإن المقاومة العراقية التي يدين لها العالم كله بالفضل في منع سيطرة أمريكا على العالم ويدين العرب والمسلمين بفضل منع أمريكا من تحطيم الوجود العربي وتفكيك العالم الإسلامي بصورة نهائية تمنع وتلغي فكرة توحيده من جديد وتدين لها حركات المقاومة باستمرارها ، وتدين لها حتى حكومات العرب باستمرار وجودهم . هذه المقاومة يجب أن تكون على مستوى اللحظة فتستعيد زمام المبادرة من جديد ، فلا تضيع دماء الشهداء هدراً ولا كفاح السنين هباء .