وصول براك أوباما إلى رئاسة أميركا وحال أمتنا
10 ذو القعدة 1429
عبد الباقي خليفة



مما لا شك فيه أن انتخاب باراك حسين أوباما رئيسا للولايات المتحدة حدثا تاريخيا بكل المقاييس، بقطع النظر عن سلطات الرئيس والعوامل المؤثرة في القرار الأميركي . فانتخاب باراك أوباما أحدث فرجة في جدار العنصرية البيضاء، سيكون لها تداعيات في الولايات المتحدة الأميركية وأوربا والعالم . فلطالما تعامل الغرب وغيره مع السود كدرجة أدنى في سلم الآدمية، وكان الفرنسيون أثناء فترة الاحتلال المباشر لافريقيا يجلبون صورا فلكلورية من  ( المستعمرات ) للسخرية من السود، وإظهارهم بمظهر أقرب للحيوان منهم للانسان . وفي أميركا نفسها ( كان ) السود يجلبون من افريقيا كما تجلب الحيوانات، ويرمى بالآف منهم في البحر إذا كانت حمولة السفن التي تقلهم تتعرض لخطورة الغرق بسبب الاكتظاظ، كما يجري حاليا  مع المهاجرين الأفارقة والأسيويين، والذين يتم إغراقهم سواء من قبل مافيا التهريب، أو حرس خفر السواحل، بشكل مباشر أو بمنع البحارة من انقاذهم . وهي ممارسات تطفح بقصصها الكثير من الصحف المتوسطية ولا سيما في الضفة الشمالية وبالأخص ايطاليا .

وإن كان فوز السيناتور باراك حسين أوباما، قد يغير قليلا أو كثيرا من الروح العنصرية في بلاده، وحتى العالم، أو هو تأكيد على خفة حدتها كما يذهب البعض، فإن ذلك لم يمثل مؤشرا على خفة حدة الاسلاموفوبيا، بل زاد نارها اضطراما . لقد بدا ذلك أثناء الحملة الانتخابية الأميركية، وما أثير حول (اسلام) باراك أوباما، وما إذا كان مسلما . ولم يخف أوباما أنه أسود، أو أن والده مهاجر من كينيا دون ذكر أنه مسلم أو أن أباه كذلك . وسارع القائمون على حملته بنفي اسلامه، حتى لا يؤثر ذلك على نسبة المصوتين له .

لقد تجاوزت أميركا عقدة الأصول العرقية إلى حد كبير بانتخاب باراك حسين أوباما رئيسا، وذلك يحدث لأول مرة بعد أكثر من 250 سنة من التمييز العنصري . ولكن لا يعرف بالتحديد الوقت الذي ستحتاجه أميركا والغرب عموما للتخلص من عقدته تجاه  الاسلام ومن الاسلاموفوبيا، ويقبل بالاسلام أو على الأقل التعايش معه دون النظر إليه كعدو. وكانت هناك مغالطة يرددها حتى المسلمين، وهي أن الاسلام اتخذ كعدوا بديل عن الشيوعية، والحقيقة أن الاسلام اتخذ كعدو منذ 1429 عاما وهو سابق على الشيوعية، ولكن العدواة حياله ازدادت بعد انهيار الشيوعية التي كانت تأخذ حيزا كبيرا من حرب الغرب مع الآخر . ولعل اهتمام الولايات المتحدة وأوربا بنظام الصيرفة الاسلامية، والاقبال على دراسته يكون مقدمة موضوعية للتعرف على الاسلام بدون نظارات سوداء  أو أفكار مسبقة  كما هو حال الكثير من الانطباعات الاستشراقية . صحيح أن هناك دراسات غربية حديثة تحاول التعرف بموضوعية عن الاسلام، وتقدم خلاصات بحثها بشكل متوازن، ولكنها محدودة مقارنة لظاهرة التحامل على الاسلام، على أكثر من صعيد . وفي هذا الإطار ( على سبيل المثال )  يأتي كتاب الباحث الأميركي، اليهودي الأصل،  نوح فلدمان، والذي أثارردود أفعال مختلفة بعضها متشنج، حيث ذكر في كتابه " سقوط وصعود الدولة الاسلامية " الذي طبعته جامعة برينستون ويضم 187 صفحة من القطع المتوسط، بأن " الشريعة الاسلامية، والمشاركة الشعبية   أصل ثابت في الاسلام " وأن " الشريعة الاسلامية بامكانها أن تعيد التوازن لمسلمي العصر وتحقق الرفاهية والعدالة الاجتماعية " وذكر بأن " الامبراطوريات إذا سقطت تسقط إلى غير رجعة، إلا الدولة الاسلامية التي يزداد عديد أنصارها في العالم الاسلامي يوما بعد يوم " .

ربما يلاحظ المثقفون في عصرنا حقيقة هامة، وهي أن الأفكار تسبق في كثير من الحالات واقعها المعاش . وقد تتحقق بعد عشرات وربما ميئآت السنين . وأن الأفكار في عصرنا أقل نموا مما سبق، ولا سيما على مستوى الرؤى المجتمعية وعلاقة الدين بالدولة داخليا، فعصرنا يختلف نسبيا عن عصر روجر بيكون، أو برناردشو، أو جون لوك، وغيرهم مما كان لهم تأثير على عصرهم . وهو ما يختلف عن قضايا الآخر القومي أو الديني، فما تحقق في أميركا يوم 5 نوفمبر 2008 م،كان حلما رواد الكثيرين، في مقدمتهم مارتن لوثر، والجميع يتذكر مقولته الشهيرة " لدي حلم " . لقد كان على السود انتظار عقود طويلة حتى يتمكنوا من ركوب وسائل النقل التي يستقلها البيض، ويأكلون في المطاعم التي التي يرتادها البيض، بل الكنائس التي يؤمها البيض ولا تزال إلى اليوم كنائس خاصة بالسود وأخرى للبيض . أو هي كذلك إلى وقت قريب، وهو تاريخ لا يمكن نسيانه بسهولة، كما هو واقع يتجسد في حالات الفقر التي يعيشها السود أو الممارسات العنصرية التي تمارس ضدهم، ليس من قبل بيض عاديين بل من قبل الشرطة أيضا، والقضايا المرفوعة أمام المحاكم شاهدة على ذلك، ولعل انتخاب أوباما سيخفف أكثر منها لكنها ستظل تطل برأسها من حين لآخر لأن بعض ما بالطبع لا يتغير في الكثير من الحالات . ولا يمكن استبعاد المفاجآت، حيث يمكن أن يحدث العكس، فهناك في أميركا من لا يزال يرفض أن يكون رئيسه ابن مهاجر من افريقيا، فضلا عن أن يكون مسلما . ومحاولة اغتيال باراك أوباما و100 شخصية أخرى قبل عملية التصويت بأيام قليلة تدعم هذه الرؤية، ولا تزال هناك مخاوف من أن يلقى براك أوباما مصير جون كنيدي ولكن لأسباب عرقية وربما أسباب دينية أيضا . وعلينا مراقبة ما سيجري في أميركا، إذ أن انتخاب رئيس أسود حدث كبير لا محالة، ولكنه غير مؤمن من الانتكاسات .

وما يهمنا في الوطن الاسلامي هو كيفية الاستفادة من الحدث التاريخي، والتحول المثير الذي سيكون له ما بعده في القرن الواحد والعشرين سواء سلبا أو ايجابا . فكثير من وسائل الاعلام العربية الرسمية، غطت الانتخابات الأميركية، وكأنها تحدثنا عن أحداث في كوكب آخر . إنها فضيحة بكل المقاييس، لكنهم لا يدركونها ولا يفقهون كنهها . ولا شك فإن الملايين من المواطنين المسلمين عربا وغيرهم، قد تساءلوا لماذا يتغير العالم من حولنا، ونحن نحكم من قبل أنظمة ورؤساء يشبهون رؤساء وأنظمة الحق الالهي في القرون الوسطى الاوروبية . لماذا يصل ابن مهاجر افريقي أسود إلى رئاسة أكبر دولة في العالم، وأكثرها تعدادا سكانيا، وقوة عسكرية واقتصادية، رغم ما قيل عن قلة خبرته، وعدم اطلاعه على الملفات الدولية الكبرى بشكل جيد، في حين تفرض الوصاية على الأمة الاسلامية، وتعامل معاملة الشعوب القاصرة، وينصب عليها رؤساء بقوة العسكر، ثم يورثون البلاد والعباد لأبنائهم، كما تورث الأغنام والابل والمزارع الخاصة . إنه لا يمكن أن تبقى هذه الأسئلة، مجرد أسئلة تمور في الصدور، وتدور في الأذهان، وتراودنا في الاحلام، وإنما يجب على تنفيذها في واقع الأمة، برفع العقيرة بنداء يكفي تجزئة وتبعية . يكفي وصاية على الأمة، وعبث بثرواتها ومستقبل أجيالها . ولا يمكننا أن ننتظر عدد العقود التي استغرقها التحول في أميركا، إذ أن الوقت ليس لصالحنا إن لم نعمل على تغيير سريع ينهي الاحتلال الداخلي في بلادنا، والمدعوم من الاحتلال الخارجي .

في سوريا تم تغيير الدستور الذي كان ينص على أن يكون عمر الرئيس 40 عاما، ليتمكن الرئيس الجديد ابن الرئيس القديم والذي لم يكن قد تجاوز سن 34 سنة من ورثة شعب سوريا عن أبيه . وفي مصر يحكم حسني مبارك منذ ما يزيد عن 34 سنة، وهناك محاولات لتوريث ابنه جمال مبارك . وفي تونس قام الجنرال بن علي بتغيير الدستور ليحكم تونس للأبد . وهناك محاولات من الرئيس الجزائري بوتفليقة لتغيير الدستور ليحكم مدى الحياة . وإذا كان هذا قدرنا فلماذا لا نهرب من قدر الله إلى قدر الله، إذا كان قدر الله الذي نفر إليه أو ننفر إليه أفضل لنا من حال المهانة والتردي والرداءة الذي يقودنا إليه هؤلاء الرؤساء .

مصيبة الأمة أنها لا تحكم من قبل رؤساء ظلمة غير عادلين ومستبدين فحسب، وليس هناك استئثار بالحكم والثروة فقط، بل هم أيضا مقاولين لدى الغرب يعمل الكثير منهم كما هو الحال في تونس رسميا، وفي دول أخرى عبر نخب متغربة، وشخصيات متنفذة على التمكين لثقافة أعداء الأمة، وخدمة مصالح أعداء الأمة على حساب مصير الأمة وثرواتها ومستقبل أجيالها . إنها مسؤولية عظيمة على عاتق الرجالات العظام ومثقفي هذه الأمة وشبابها التائق للتغيير ولما هو أفضل، فهذه الأنظمة لا يمكنها أبدا أن تحقق أحلام الاستقلال الحقيقي، فضلا عن أحلام الوحدة والقوة . فهي وضعت لحراسة مصالح الاعداء، والمحافظة على حالة الضعف والوهن، ومنع حدوث انطلاقة جديدة لدورة حضارية اسلامية جديدة، من خلال إلهاء الأمة بالتوافه، وجعلها مجرد قواعد عسكرية للأعداء وسوق لبضائعه . مما يعني جعلها في مهب الرياح الغربية تذرو منها ما تشاء، وتعصف بها كما تشاء .وهذا ما نذكر به الأمة ويجب أن يكون كذلك في كل مناسبة فنسبة الوعي بذلك بين صفوف الأمة لم يبلغ النصاب بعد ليحدث التغيير المنشود .