حجم الخسائر العربية في المؤامرة الأمريكية ..لغز وسر حربي!
8 ذو القعدة 1429
جمال عرفة













ملك السعودية يؤكد لأول مرة : الأزمة المالية "حرب خفية" والخليج هدفا لها

الأزمة العالمية كلفت البلدان العربية أكثر بكثير ما ربحته من ارتفاع أسعار النفط !!

تقارير بريطانية : العالم خسر 2,8 تريليون دولار في الأزمة .. نصيب ثروات العرب منها ليس أقل من النصف !

دروس الانهيار المالي الأمريكي .. الاقتصاد الإسلامي هو الحل !

غربيون: الشريعة تنقذ اقتصاد العالم بعدما تساهلت الكنائس الغربية في تبرير الربا

بوش .. من "الحرب علي الإرهاب" إلي "الحرب علي الإفلاس" !؟

 

 




استعرضنا من قبل حقائق ومؤشرات تظهر أن الأزمة المالية الأمريكية مفتعلة وتستهدف الاستيلاء علي الأموال العربية المستثمرة في البنوك الأمريكية ، والأسبوع الماضي صدر تصريح خطير من الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية يلمح لأن الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي أضاعت مليارات الدولارات من أرصدة دول عربية وأجنبية ربما تكون مدبرة وتستهدف أرصدة دول الخليج العربي .

حيث حمل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد الله بن عبد العزيز على الأطراف الدولية التي وراء الأزمة المالية الاقتصادية العالمية ووصف ما جري بأنه "حرب اقتصادية خفية" ، وقال أن الخليج "هدف" لها .

وتصريحات العاهل السعودي – رغم حالة التعتيم الإخباري - كان من الواضح أنه يلمح من خلالها لأن هذه الأزمة الاقتصادية حرب مقصودة ضد الأرصدة المالية في أمريكا ، وأن هذه "الحرب" تحاول أن تستنزف القدرات المالية للدول التي تقع ضحيتها.

إذ قال الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمة له خلال استقباله وزير الثقافة والإعلام إياد بن أمين مدني والمسئولين في الوزارة عن قطاع الصحافة ورؤساء تحرير الصحف والمجلات السعودية : "أعتقد أن العالم الآن في حرب خفية، حرب اقتصادية، ولابد أن تراعوا هذا الشيء، ومصلحة الدين والوطن، لا مصلحة أشخاص، لأن الاقتصاد هو أساس كل شيء".

كذلك أشار العاهل السعودي خلال استقباله وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى أن الخليج يتابع مسيرته لكنه "هدف" .. أي "مستهدف" !؟ ، وأضاف في كلمة نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية "إن بلادكم هدف لزعزعة هذه النعمة، لا بد أن نقدرها ونحترمها، لا بد أن نراعيها، لا بد أن نحافظ عليها بلا تهور وبلا وطنية مزعومة وبلا ظهور غير نافع، نريد أن يضع الواحد أمام عيونه مخافة ربه وشكره ومصلحة وطنه، هذا الذي نريده".

أزمة أم مؤامرة؟!

ومع أن خبراء اقتصاديون يتفقون على أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى اندلاع الأزمة هو أن العديد من المصارف الأميركية باعت سندات ديون قروض لعقارات وتأمين تقدر بمئات المليارات من الدولار إلى مصارف في مختلف أرجاء العالم، قبل أن يتضح أن هذه السندات لا قيمة لها في الواقع، ما سبب "أزمة الرهون العقارية"، يري فريق أخر من السياسيين العرب أن الأزمة ربما كانت تستهدف أرصدة دول فيما يسمي "صناديق الثروة السيادية" ، في المؤسسات التي انهارت.

ويقول هذا الفريق الآخر أن هناك احتمالات أن تكون أزمة الانهيار المالي في أمريكا – والتي انعكست علي كل أسواق العالم بالخراب – مدبرة وأنها ربما جزء من مخطط استعماري غربي لضرب الثروات النفطية العربية والاستيلاء علي ما حصل عليه العرب من الغرب في صورة أموال نفطية نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط مؤخرا .

ويدلل أنصار هذه النظرية علي ذلك بأنه صدر مؤخرا في وقت واحد تقريبا - وقبل الانهيار المالي الأخير بثلاثة أشهر - تقريران إستراتيجيان أمريكيان في يونيو 2008 يحذران من تأثير رأس المال العربي أو ما يسمي "صناديق الأجيال" أو "صناديق الثروة السيادية" التي يسيطر على أغلبها رأس المال الخليجي الناتج عن النفط، على الاقتصاد الأمريكي والغربي مستقبلا، ويحذران من تحول دفة السياسة في العالم مستقبلا لخدمة مصالح عربية بفعل هذا التأثير الاقتصادي لو رغبت هذه الدول النفطية .

وهما : تقرير أعده ريتشارد هاس، مسئول التخطيط السابق بوزارة الخارجية الأمريكية في عدد مايو/يونيو 2008 من مجلة الشئون الخارجية Foreign Affairs، ركز فيه على التخوف من تزايد سطوة هذه الصناديق وممتلكاتها بما يمكنها من التحكم في النظام المالي الأمريكي واستخدامها كأدوات للضغط السياسي في المستقبل ، وتقرير دانييل دريزنر، الأستاذ المساعد للسياسات العالمية بكلية فليتشر في مجلة The American عدد مايو/يونيو 2008 تحت اسم "السيادات قادمة "The Sovereigns Are Coming" الذي ركز فيه على أن "عصر سيطرة هذه الصناديق السيادية العربية قادم " .

كما يدللون علي ذلك بتحذير كتبه هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق، في مقال نشرته صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون يوم 19 سبتمبر الماضي 2008 - بالتعاون مع البروفيسور مارتن فيلدشتاين، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد وكبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان- يحذر فيه من تكدس مليارات النفط في الخليج ومن صناديق الثروة الخليجية ويدعو لتطوير (إستراتيجية سياسية) لمواجهة صناديق الثروة العربية الناجمة من النفط .

تفليس عمدي !

وقد انتشرت علي شبكة الانترنت العربية عقب الأزمة اتهامات تزعم وجود خطة أمريكية محكمة تستهدف التفليس العمدي لبعض البنوك والشركات الأمريكية – خصوصا تلك التي تتركز فيها الاستثمارات العربية النفطية والأسيوية – بغرض ابتلاع هذه الأموال ( لأنه لا توجد ضمانات لمن يضعون أموالهم في المؤسسات المفلسة باستعادتها ) ، بغرض الاستيلاء علي أموال "صناديق الثروة السيادية العربية" التي تضعها الحكومات في البنوك والشركات والمؤسسات الأمريكية الصناعية .

وقالت هذه التقارير أن هذه الانهيارات المفتعلة لبعض البنوك والشركات الأمريكية تستهدف ليس فقط أكثر من تريليون دولار ( ألف مليار) من أموال صناديق الثروة السيادية العربية ، وإنما مثلها وأكثر من أموال صناديق الثروة السيادية الأسيوية واللاتينية لدول مثل الصين واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية والبرازيل (2.5 تريليون دولار) ، المستثمرة في المؤسسات المالية والتي تعتبر ديون على الاقتصاد الأمريكي وسوف تعود لبلادها هي وأرباحها الخيالية ، وهو ما لا يريده صانع القرار الأمريكي ، ليس فقط لأن الاقتصاد الأمريكي المتهالك لا يحتمل مخاطر سحب هذه الأموال الطائلة ولا يقدر علي دفع أرباح هذه الأموال الباهظة للخارج ، وإنما أيضا لأهداف سياسية تتعلق بإنقاذ الإمبراطورية الأمريكية الرأسمالية من الفلس والانهيار الاقتصادي والسياسي معا .

حجم الخسائر العربية ..لغز !؟

ولا توجد أرقام أو إحصائيات دقيقة حول الأموال العربية المستثمرة في أمريكا ولكن هناك بحوث اقتصادية عربية تقدم أرقاما تقريبية بأن حجم هذه الأموال يتجاوز تريليون دولار ، فيما تقدر هيئات أخرى حجم الأموال الخليجية المهاجرة في الخارج فقط بنحو "1.4" تريليون دولار، بينها "750" مليار دولار سعودية، حوالي "450" مليار دولار منها تستثمر فى الولايات المتحدة، و"255" مليار دولار فى أوروبا.

وقد بلغت سطوة هذه الصناديق للثروة السيادية - وهي أدوات استثمارية حكومية لدول خليجية وأسيوية ولاتينية – والتي تدير أصولاً تزيد عن 2.5 تريليون دولار ( ويتوقع أن تصل أرصدتها إلي 12 تريليون عام 2015) ، حد أنها ضخت خلال الأشهر القليلة الماضية فقط مبلغ 60 مليار دولار في البنوك التي ضربتها كارثة الرهن العقاري المفاجئة في الولايات المتحدة ، وكذلك حين صبت صناديق سيادية من آسيا والخليج قرابة 20 مليار دولار في "سيتي بنك" و"ميريل لينش" وهي مؤسسات أعلنت إفلاسها لاحقا رغم الضخ المالي فيها من صناديق الثروة السيادية وهي أموال عربية ذهبت لخبر كان !.

ومع أنه لا توجد تقارير موثقة علي الخسائر العربية – عبر صناديق الثروة الخليجية – في الأزمة المالية الأمريكية الأخيرة ، فهناك تكهنات أنها بالمليارات التي ذهبت لبطن الحوت الأمريكي ، إضافة لملايين أخري نشرت صحف عربية مستقلة تقارير تؤكد أنها خسائر لرجال أعمال عرب ومصريين مستقلين كانت في بنوك سويسرا بضمانات من مؤسسات أمريكية .

والخطورة هنا أن الخسائر العربية أصبحت مضاعفة ، فهي خسائر ناجمة عن الانخفاض في أسعار النفط الذي هبط من 140 إلي 60 دولار فقط ، وخسائر الدول العربية في البنوك الغربية سواء عبر صناديق الثروة السيادية أو عبر السندات في البنوك الأمريكية ، وهذه الأخيرة لغز كبير لا أحد يعرف عنه شيئا ، ولا ينتظر أن يعلن رجال الأعمال ( خصوصا الذين نهبوا بنوك الداخل وحولوا أموالهم لبنوك غربية ) أو الحكومات حجم خسائرهم فيها !.

فالصناديق "السيادية" العربية ومثلها استثمارات القطاع الخاص العربي، مؤسسات وإفرادا، ليست شفافة ولا مفتوحة للرقابة العامة وسوف يظل حجم خسائرها على الأرجح سرا من أسرار "الدولة" وشأنا "خاصا" من شؤون القطاع الخاص .

ولكن هناك حقائق قد تعطي مؤشرات علي حجم بعض الخسائر في الأزمة المالية الأمريكية ابتلعها الأمريكيون في سياق هذه (الحرب الاقتصادية) الموجهة للخليج وأمواله كما ألمح الملك السعودي .. فهناك تقارير اقتصادية تؤكد أن الصندوقين السياديين الكويتي والإماراتي ضخا أكثر من (12) مليار دولار في البنوك الأميركية خلال العام الحالي وضاع نصفها إن لم يكن أغلبها .

والخسائر العربية منها ما هو مباشر نتيجة الاستثمار في المؤسسات الأميركية التي انهارت وما هو غير مباشر مثلا نتيجة الانخفاض في قيمة الدولار الأميركي وفي أسعار النفط .

ومن الخسائر غير المباشرة انخفاض الفائدة على سندات الخزينة الأميركية إلى أعشار في المائة (0.16%) ، والتي يزيد الاستثمار العربي ( والمصري ) في هذه السندات على (290) مليار دولار، وخفض سعر عملة الدولار 40% ، وهناك تقارير نشرت في صحف اقتصادية عربية ( مثل الحياة 8 أكتوبر) تؤكد أن الأسواق المالية السبع في دول الخليج العربية تقدر خسائرها بنحو (150) مليار دولار نتيجة ذلك ، ناهيك عن الخسائر الناجمة عن توقف العمل في بناء أكثر من (150) مشروع ضخم في الدول الخليجية تزيد قيمتها على (48) مليار دولار .

وقد عكس حجم هذه الخسائر العربية في أمريكا حالة القلق الذي أعرب عنه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وكذا سفراء السعودية والأمارات الذين طالبوا - مع المجموعة العربية في الأمم المتحدة بإصلاح شامل للأنظمة المالية العالمية – خصوصا أن هناك من أكد - مثل وزير المالية السوري محمد الحسين في صحيفة البعث -  أن الأزمة العالمية كلفت البلدان العربية، بخاصة تلك الأكثر عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، أكثر بكثير مما جنته من الارتفاع الأخير في أسعار النفط، وتحذير صندوق النقد الدولي من أن أزمة الائتمان العالمية الحالية يمكن أن تتمخض عن خسائر تزيد على (1.4) تريليون دولار، ثم أن زيادة ما ضخته البنوك المركزية الدولية على مائتي مليار دولار لمواجهة أزمة السيولة، إنما هي وغيرها مؤشرات إلى علي تعاظم حجم الخسائر العربية بفعل تسونامي الأزمة الأميركية .

اقتصاد الخليج مهدد

 وبسبب هذه الخسائر للأموال العربية في البنوك الأمريكية ، يجمع خبراء الاقتصاد علي أن اقتصاديات دول الخليج "ستتضرر بشدة" بدءا من العام القادم 2009 خصوصا في حال استمر الهبوط الكبير في أسعار النفط خلال الأزمة الاقتصادية العالمية ، وانتقدوا "سوء استخدام" دول الخليج للفوائض الكبيرة التي تدفقت عليها عندما تجاوز سعر النفط 140 دولارا في الشهور الماضية؛ حيث لم يتم استغلالها في التحسب للمستقبل .

وقد صدر أول تصريح رسمي يؤكد هذه المخاوف على لسان وزير المالية الكويتي، مصطفى الشمالي، نشرته صحيفة "الرأي" المحلية السبت 18-10-2008؛ الذي قال: إن الكويت "ربما تضطر إلى خفض الإنفاق وتعديل خطتها الخماسية للتنمية 2009-2014 إذا ما انخفض سعر النفط عن 60 دولارا للبرميل".

وما يزيد القلق هو أن الفوائض المالية للنفط لم تستخدم الاستخدام الأمثل على أساس أن تكون دعامة أساسيا في المستقبل ، إذ أن معظم هذه الفوائد وجهت نحو استثمارات قصيرة الأجل مثل أسواق البورصات والعقارات والتي تأثرت بالسلب مع موجة الهبوط العالمية التي شهدتها الأسواق العالمية خلال الفترة الماضية وشهدت خسائر موجعة.

وقد ظهر تأثر الأسواق المالية الخليجية بالأزمة، في خسارتها نحو 20% من قيمتها السوقية، أي ما يقارب 200 مليار دولار في غضون أيام قليلة ، كذلك ظهر هذا التأثير في التنمية الاقتصادية في الخليج مع قيام حكوماته بتأسيس مجموعة من المشاريع تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، في مجالات الطاقة والعقارات والصناعة والسياحة، وإلى جانب مشاريع الطاقة الضخمة تقوم السعودية ببناء ست مدن اقتصادية باستثمارات تتجاوز 100 مليار دولار ، وكلها مشاريع معرضة للتعطل .

ويبقي السؤال : هل يتعظ العرب الذين لدغوا من الجحر الأمريكي مرتين : مرة بتجميد أرصدة البعض بحجة الحرب علي الإرهاب ومرة بسرقة أموالهم – بدعوي الإفلاس - لتعويض الخسائر والانهيار المالي الأمريكي ؟ .. لماذا لا تفكر الدولة العربية الغنية في نقل قسم من أموالها السيادية المنهوبة في البنوك الأمريكية والتي تقدر بتريليون ونصف دولار (التريليون = ألف مليار) للعالم العربي في مشاريع استثمارية مربحة وتضرب عصفورين بحجر واحد ، تربح وتنتج لها ولباقي العالم العربي خصوصا المشاريع الزراعية في مصر والسودان والمغرب العربي ؟

غربيون: الشريعة تنقذ اقتصاد العالم

 

والحقيقة أن مثلما ظهرت مزايا ظهرت من الصدامات الأخيرة التي وقعت بين العالم الغربي والعالم الإسلامي خصوصا عقب تفجيرات 11 سبتمبر تمثلت في جعل الأوروبيين يقبلون علي دراسة الإسلام ، ومعرفة ما يجهلونه عن تعاليمه ومناهجه الاقتصادية والسياسية ، فالأزمة الأخيرة – سواء مدبرة أم حقيقية – أبرزت مزايا أخري .

فقد كان من المستغرب أن تدعو كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا الرأسمالية العلمانية ، عقب الانهيار المالي، لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي كحل أوحد للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم.

ففي افتتاحية مجلة "تشالينجز" الباريسية ، كتب "بوفيس فانسون" رئيس تحريرها موضوعا بعنوان (البابا أو القرآن) أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية ، حيث تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا التوجه والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرا إلى أن هذا التوجه الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية .

وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم من موقف الكنيسة والبابا بنديكيت السادس عشر قائلا: "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود".

وفي الإطار ذاته لكن بوضوح وجرأة أكثر طالب (رولان لاسكين) رئيس تحرير صحيفة "لوجورنال د فينانس" في افتتاحية هذا الأسبوع بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي (بمعني منع الربا وإلغاء نظام الفائدة) لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.

وعرض "لاسكين" في مقاله الذي جاء بعنوان: "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟"، المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية.

وفي استجابة -على ما يبدو  لهذه النداءات، أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية -وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك- في وقت سابق قرارا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي واشتراط التقابض في أجل محدد بثلاثة أيام لا أكثر من إبرام العقد، وهو ما يتطابق مع أحكام الفقه الإسلامي .

كما أصدرت نفس الهيئة قرارا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في السوق المنظمة الفرنسية ، والصكوك الإسلامية هي عبارة عن سندات إسلامية مرتبطة بأصول ضامنة بطرق متنوعة تتلاءم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية.

وفي كتاب صدر مؤخرا للباحثة الإيطالية (لووريتا نابليوني) بعنوان "اقتصاد ابن آوى" أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي ، واعتبرت "نابليوني" أن "مسئولية الوضع الطارئ في الاقتصاد العالمي والذي نعيشه اليوم ناتج عن الفساد المستشري والمضاربات التي تتحكم بالسوق والتي أدت إلى مضاعفة الآثار الاقتصادية".

وأضافت أن "التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي الذي يشبه الاقتصاد الإسلامي بالإرهاب، ورأت نابليوني أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني".

وأوضحت أن "المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية، فمع انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولايات المتحدة فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدعا ويحتاج إلى حلول جذرية عميقة".

وقبل ذلك ومنذ عقدين من الزمن تطرق الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد "موريس آلي" إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة "الليبرالية المتوحشة" – كما وصفها - معتبرا أن الوضع على حافة بركان، ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة) ، واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما : تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%. وهو ما يتطابق تماما مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي .

قبل ذلك ، وتحت عنوان "نهاية الحلم الأميركي" كتب جاكوب هايلبرون مراسل صحيفة دير شبيجيل الألمانية يقول أن السقوط المالي والأخلاقي الأميركي الراهن لم يحدث بين عشية وضحاها، وأشار إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاهلت لعقود الاستثمار في البنية التحتية واستمرأت العيش من القروض الخارجية علي حساب أموال غيرها .

وهو ما يعني أنه حتي لو كانت الأزمة مؤامرة للاستيلاء علي أموال النفط العربية ، وللتغطية علي انهيار النظام المالي الأمريكي ، فإن الانهيار قادم قادم وما حدث من مسكنات ليس سوي تأجيل لإعلان وفاة الزعيم الليبرالي الأوحد في العالم ، وحينئذ لن تبقي سوي التجربة الإسلامية الاقتصادية بعدما انهارت النظرية الشيوعية والليبرالية .. فهل نسعي لتطوير هذه التجربة وتنميتها بدلا من حالة التدهور التي تعتري البنوك الإسلامية العربية حاليا استعداد لهذا اليوم !؟