قراءة تربوية للأزمة المالية العالمية

السيد حامد

يدرك المسلم أن ما يجري في زمانه من وقائع وأحداث لا تنفصل عن سنن الله الكونية في الأمم والشعوب، وهي سنن وقوانين لا تتغير ولا تتبدل، ومن هذه السنن قوله تعالى " إن الله لا يصلح عمل المفسدين "

   وقوله تعالى "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "وقوله تعالى " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير"، وقوله تعالى" وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"

 وقوله تعالى : ” وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون"

 وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"  وقوله تعالى " وتلك الأيام نداولها بين الناس " هذه بعض السنن الإلهية التي توضح لنا أن طغيان الظالم مهما تمادى فلابد له من قوة أعلى منه تقهر ظلمه وجبروته وطغيانه المادي  .

 

** ظهر الفساد
لقد بين سبحانه و تعالى أن ظهور الفساد وانتشاره في الأرض مرتبط بفعل الناس،" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " .

  ومن أشد وأكبر صور الفساد اليوم، تفشي الربا في كافة المعاملات المالية والاقتصادية والتجارية، ووصول الرأسمالية العالمية إلى قمة طغيانها، حتى أسماها المحللون بالرأسمالية الطاغية، وبالغت في سياستها الاحتكارية، حتى وصلت إلى مرحلة الافتراس للفقراء في العالم.

  ومنصور طغيانهم وفسادهم حصارهم للحركات الإسلامية ومصادرتهم لأموالهم وشركاتهم وإعلانهم الحرب على عالمنا الإسلامي .

 ونشرهم الدمار في بلادنا بأفغانستان والعراق والصومال في حروبٍ ظالمة أضفوا عليها مسحةَ القداسة "مَن لم يكن معنا فهو ضدنا ".

 وسعيهم جاهدين إلى تهديد عالمنا الإسلامي باسم الحرب على الإرهاب ، هذه بعض صور الفساد والطغيان الذي مارسته قوى الشر المتغطرسة ممثلة في أمريكا ومنظومتها العالمية ، وما كان ربك نسياً، وما كان للسنن الإلهية أن تتوقف


**نتيجة طبيعية
 
من السنن الإلهية أن يجعل الله أعمال الظالمين وأموالهم التي أنفقوها في حربهم على الإسلام في كل مكان حسرةً وندامة، وهزيمة وخسراناً لقوله تعالى " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون  ".

  ومن السنن الإلهية بأن يذيق الله الطغاة والمفسدين بعض ما عملوا في الدنيا قبل عذاب الآخرة " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون "، وهي نتيجة طبيعية أن يعاقب الله من يحاصر المرابطين والمجاهدين في شتى بقاع الأرض وخاصة في أرض الرباط فلسطين.

  والمسلم يدرك من ناحية أخرى أن مجمل الأزمة الراهنة يرتكز على قضية جوهرية ألا وهي استحلال الربا وقيام حياة الناس عليه، ولقد قالها الحق تبارك وتعالى للذين وقعوا في الربا ممارسة وفعلاً ولم يتجنبوه  " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله "

 ولقد جاءت الأزمة الحالية لتمثل لنا صورة من صور الحرب من الله على كل متكبر جبار، وجاءت النتيجة " فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا... فاعتبروا يا أولي الأبصار " على غير ما توقع الناس وعلى غير ما توقع المسلمون أنفسهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .



** معطيات الأزمة
إن هذه الأزمة تكشف لنا عن بعض الحقائق والمعطيات الجديدة التي بدأت تظهر على الساحات (المحلية والإقليمية والعالمية ) والتي لا بد وأن نتعامل معها من منطلق فقه الواقع ، وهي مؤشر لعدة حقائق ومعطيات وأفكار جديدة ومن ذلك :

 حدوث شرخ عميق في النظام الرأسمالي ووقوع اختلال في الموازين في القريب العاجل لن يفلت منها أي تشكيل اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي في العالم وإن كان بنسب مختلفة، وسيعاد ترتيب القوى العالمية .

•   سقوط الحلم الأمريكي الذي كان يتم الترويج له في العالم ، فلم تعد أمريكا القوة الأعظم على الإطلاق، خاصة وهي تبدو أقرب إلى أن تلفظ أنفاسها، وستفكر في كيفية المحافظة على وحدة ولاياتها بدلا من خوض الحروب وممارسة الغطرسة الدولية، وما تقوم به أمريكا من التدخل لحل الأزمة ما هو إلا تأخير للانفجار، وهو بمثابة إعطاء حقنة دم لرجل ينزف بغزارة، وها نحن ننتظر تحقق قوله تعالى قوله تعالى : ( تلك بيوتهم خاوية بما ظلموا )

 •       أصبحت الحاجة ملحة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر أمنا، وقد صرح بذلك الرئيس الروسي، والقمة الرباعية الأوروبية ( فرنسا، إيطاليا ، ألمانيا ، بريطانيا )

•       أربعون في المائة من الدخل الأمريكي من النشاط الورقي مما يعني أن الخسارة ستكون فادحة عليها وعلى الدول الأوربية التي سارت على نهجها، والدول العربية التي ربطت اقتصادها بالدولار الأمريكي والبنوك والمصارف الأمريكية


في وسط هذا الإعصار، ومع هذه المعطيات الجديدة، يجب أن يحضرنا السؤال:أين نحن في هذا الحدث وماذا نحن فاعلون وإلى أين نحن ذاهبون ؟ هي طموحات وتوصيات لأفراد الصف في شتى البقاع :

·         أن نحقق في أنفسنا توعية كاملة بالأزمة وتداعياتها، وإعادة قراءة الأزمة قراءة تربوية ،  ونشر تلك التوعية وسط مجتمعاتنا.

·         أن نلزم أنفسنا بعدم التعامل بالمنظومة الربوية وأي شكل من أشكالها،وعدم الدخول أو التورط في أي تعامل ربوي مهما كانت الظروف، وكذلك إقناع كل من حولنا بذلك الأمر.

·         أن نعتز بديننا وبمنهجنا القرآني، وأن  هو الحل لأصوب والأقوى والأجدى والأنفع .

·         أن نجاهر بالإعلان والتوعية بالمشروع الإسلامي، وإقامة الندوات والمؤتمرات لها وبيان مقومات النظام الاقتصادي في الإسلام، والإجابة عن الأسئلة المثارة عن المنهج الإسلامي في التعاملات المالية والاقتصادية،والتحرك بها في كافة الأوساط المجتمعية والدعوية سواء في الواقع أو على النت، وإظهار مزايا هذا النظام وفوائده المتعددة .

·         أن نستغل الآثار والانعكاسات التي ستتولد نتيجة لهذه الأزمة المدمرة في بيان فشل الأنظمة المادية التي صنعها البشر وعدم قدرتها على تحقيق الخير والعدالة والرفاهية للإنسان .

·         أن نتذكر جميعا ما قاله ابن خلدون في مقدمته بأن الحضارات محكومة بسنن كونية ، وأن أي حضارة تبدأ ثم تزدهر ثم تخمد وتموت ولا يبقى منها إلا رسمها فقط ، وهذا هو القادم بإذن الله، فقد رأينا بأعيننا سقوط المنظومة الاشتراكية وها نحن على أعتاب رؤية انهيار المنظومة الرأسمالية

ختاما
إن يد القدرة الإلهية التي جعلت بداية حكم النظام العالمي الجديد  " بوشالإبن " بكارثة 11 سبتمبر، هاهي تجعل أيضا نهاية حكمه بكارثة الكوارث ، بإعصار الأزمة المالية العالمية والتي تنبئ بسقوط وانهيار الرأسمالية الأصولية العالمية .

 

 ولا يجب أن نغفل أن ما تم خلال الفترة السابقة من مصادرة لأموال الإخوان بالداخل والخارج وحصار إخواننا في غزة (بعد تولي حكومة حماس) ما كانت إلا سببا جوهريا في الأزمة،وما كانت الأزمة الحالية إلا استجابة من الله للكثير من دعوات المظلومين الذين كانوا يرددون " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم " فكانت استجابة الله لدعوات المقهورين والمظلومين والمحاصرين من منطلق قوله تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا " ..

** نشر بمعرفة : الشبكة الدعوية - بتصرف -