كلمة السر : .... الرجل !
25 شوال 1429
يحيى البوليني
بمقارنة بسيطة أو بمجرد استرجاع الذاكرة للوراء قليلا سنجد تغيرا كبيرا قد طرأ على العلاقات الأسرية , فالأب - في غالب الأحيان - لم يعد ذلك الأب المهاب النافذ الكلمة الذي يتدخل في كل خلاف فينهيه بحكمة وتعقل , بل تقلص دوره كثيرا وتناقصت مشاركته الفعلية في العملية التربوية
 
ولسنا نقصد بدوره المفقود كما يتوهم البعض ويحلو لهم أن يتخيلوا تلك الصورة التي ارتبطت فيها شخصية الرجل بالتكبر والغطرسة واستعراض القوة في البيت وإهانة كل من فيه وهذا ما تروج له بعض وسائل الإعلام عند حديثها عن مفاهيم مثل قوامة الرجل لتعترض عليها , ولا نقصد أيضا مثل هذا النموذج الأوروبي للعنف ضد المرأة في العصر الذي يدعون فيه أنهم يحترمون المرأة وهم على النقيض تماما ..
 
 ففي بعض بيوتنا تضخم دور المرأة وتحملت نصيبا أكبر في التربية حتى صارت هي الموجهة الحقيقية للعملية التربوية في بيوتات كثيرة وصار الزوج والأب تابعا لها بشكل معلن حينا ومستتر في أغلب الأحيان
 
ولهذا اختلفت الصورة الذهنية عن دور الرجل في الأسرة وما عادت صورته مثل صورة أبيه ولا سلطة أبيه، التي سادت في المجتمعات العربية والإسلامية لفترات طويلة ولم تتغير إلا منذ عقود قليلة ومع تغير هذه الصورة تغير موقف الرجل تماما وتغيرت النظرة إليه ، فلم يعد ذلك الرجل الذي يأخذ دور الحامي للمرأة الذي يمثل لها الأمان والسند بما كان يتمتع به من شرف وشهامة مغلفة بعزة النفس التي كانت تلازم شخصيته , ولقد تبدلت ليحل مكانها شخصية اتكالية عاجزة  تنصاع للمرأة في أقوالها وأعمالها وأفكارها وقراراتها.
 
ولا يمكن توجيه اللوم للمرأة بقدر ما يمكن توجيه الشكر لها فهي التي حاولت أن تنقذ الأسرة بعد تخلي صاحب المسئولية عن مسئوليته وتحملت مسئولية إدارة البيت والقيام بالدورين معا – على ضعف فطري فيها ونظرة عاطفية تحكم بها أمور الأسرة – فتسبب ذلك في مشكلات جمة تصدعت بها البيوت وأنتجت أجيال مشوهة وخاصة في تربية الذكور إذ أصبح الولد الذكر يقبل ضمنيا أن تقود زوجته المستقبلية البيت كما رأى من الحال المعوج الذي سار عليه أبوه وتفتحت عيناه على رؤية الخطأ فصار عنده هو الأصل الذي يعد الخروج عنه للعودة للوضع الصحيح نوعا من النشاز الذي لا يقبل
 
إن حال الأسرة يشبه القارب الذي يخوض في بحر متلاطم والذي يمسك كل من الزوجين بذراع ليدفعا معا ذلك القارب للوصول إلى بر الأمان والذي يقوم فيه الأب فضلا عن إمساكه بالذراع والدفع بمهمة التوجيه والتخطيط للوصول إلى الشاطئ , فإذا تخلى الأب عن التوجيه وتخلى عن إمساكه بالذراع فلن تجد المرأة الحريصة على بيتها من تولى القيادة بنفسها والدفع بذراع واحدة وستبذل أقصى طاقتها ولكنها رغم كل ذلك العناء لن تصل بهم إلى شاطئ الأمان ولن تخرج النتيجة عن فقدان ذلك القارب للطريق الصحيح للوصول إلى شاطئ الأمان أو الدوران حول نفسه مرارا ولا يمكن توجيه اللوم في ذلك إلا للرجل .
 
لقد ظُلمت المرأة بتحميلها فوق طاقتها ولا يتوقع منها أن تحسن الأداء فما خُلقت لذلك ولكنها خلقت لتكون في كنف الرجل وتساعده في أداء دوره الأسري بقيامها بأعظم المهام وهي العملية التنفيذية في التربية فهي المحضن الأول ومنها يتعلم الطفل كل شئ بشرط أن يقوم الرجل بتوجيهها ومتابعتها لأنه مسئول عنها وعنهم فهو راع في بيته ومسئول عن تلك الرعية أمام الله سبحانه ..
 
ولكثرة تفريط الرجال ظن بعض النساء أن هذا الوضع المقلوب هو الوضع الصحيح وقد لا يقنعون بآراء العلماء والمربين الشرقيين والمسلمين فلهذا نسوق لهم بعض كتابات غربية وإحصاءات لعلهن يقتنعن بكلماتهم , فيقول الكاتب الروسي ليو توليستوي في كتابه حكم النبي محمد r (على الرجل أن يكد ويشتغل، وما على المرأة إلا أن تقيم في البيت لأنها زوجة، أو بعبارة أخرى: لأنها إناء لطيف سريع الانثلام والانكسار , وعلى الرجل أن يراقب سلوك امرأته ولا يطلق لها العنان ، بل يحجبها في البيت , والبيت دائرة حرية واسعة للمرأة )
وفي افتتاحية صحيفة الإندبندنت البريطانية قالت : ( إن معركة المساواة بين الجنسين في بريطانيا قد بلغت أوجها بعدأن كشفت دراسة حديثة عن تزايد قناعة أعداد كبيرة من الناس بأن مكان المرأة هوالبيت ) وذلك لأن أهم أدوار المرأة هو دورها في بيتها
 ولقد كان إضعاف دور الرجل متعمدا في المجتمعات الغربية فعملوا بكل قوتهم لتحطيم دور الرجل في البيت وجنوا من وراء ذلك الكثير من المشكلات والمتاعب ونتجت عنه أجيال مشوهة نفسيا وخلقيا وصدرت صرخات من العقلاء فيهم لوقف هذا التدمير المتعمد للأسرة , ومنها ما عُنون بـ ( أنقذوا الرجل تنقذوا المرأة والأسرة !! ) ففي مقالة في صحيفة الديلي ميل صدرت في 25/7/2008 لكاتبة تدعى " أماندا بلاتيل " قالت فيها (مالم نستيقظ ونستيقظ بسرعة وندرك أهمية الرجال في حياة الأسرة كما نعرفها فإننا نتعرض للدمار لأننا في محاولتنا خلق عالم لطيف مع المرأة خلقنا بغير عقل ولا حكمة ثقافة معادية للرجل وليس في مكان العمل ولكن في أهم مكان هو البيت , والعالم بلا رجولة مكان خطير فلا بأس أن تساوى القوات المسلحة بين الرجال والنساء ولكن إذا جد الجد واحتاج الطفل والمجتمع إلى الإنقاذ فإن المسؤولية لن تقع على كاهل النساء، وفي عالم يزداد عدوانية فإننا نحتاج إلى رجالنا ونحتاجهم ليكونوا رجالاً ليظهروا لنا قوة عضلية وشجاعة , وفي السنوات القادمة نحتاج رجالاً يدركون مسئوليتهم تجاه الأسرة والبلاد، ونحتاج أولاداً اكتسبوا فضائل الشرف والشجاعة والبسالة ) , فماذا ننتظر والمجتمع المسلم والعربي يسير في نفس الاتجاه , فهل يعود الرجل رجلا ؟ ويتمسك بمسئوليته ويقوم بها ؟ فالعاقل من وعظ بغيره.