صحفيو العراق بين المطرقة والسندان (2)
23 شوال 1429
سارة علي





بالرغم مما يقال عن التحسن الأمني الذي تعلن عنه بعض وسائل الإعلام العراقية والعربية  إلا  إن الصحفي والإعلامي العراقي  يبقى مستهدفا ومن جهات كثيرة واغلبها لا يريد للحقيقة أن تتضح وتصل للعيان متوقعا أن ضوء الشمس يمكن إن يحجب بغربال, وفي كل يوم تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام عن قتل واستهداف الصحفي والإعلامي العراقي وحتى نقيب الصحفيين لم يسلم من ذلك فلقد تم اغتيال نقيب الصحفيين العراقيين الأستاذ شهاب التميمي البالغ من العمر (75 عاماً) توفي في المستشفى في فبراير 2008، بعد أيام من الهجوم على سيارته بوابل من الرصاص بعد مغادرته اجتماعا لمجلس نقابة الصحفيين العراقيين في مقر النقابة ببغداد وحتى من جاء بعده والذي تم انتخابه كبديل للتميمي أيضا تعرض لعملية اغتيال ونجا منها, ما دفع الصحفيين العراقيين إلى المطالبة بإصدار تشريع يعطي ضمان وحصانة للصحفي العراقي ولكن لحد الآن لم يصدر أي شئ عملي من قبل الحكومة العراقية يدعم ذلك.

لقد تم قتل وخطف الكثير من الصحافيين والإعلاميين العراقيين وبدوافع كثيرة ولقي الكثير منهم مصرعهم على يد الاحتلال الأمريكي والمليشيات والقوى الحكومية ولا يمكن إحصاء أسماء هؤلاء الصحفيين والمواقع والصحف التي كانوا يعملون بها لكن الجميع متفق على شئ واحد وهو عندما يتم ذكر أسماء شهداء العراق في المجال الإعلامي فلابد من ذكر اسم الشهيدة المغدورة الزميلة أطوار بهجت التي كانت نموذجا رائعا للصحفي الجسور الذي لا يخشى العواقب.

والكثير .. الكثير من زملاء المهنة ومن مذاهب وقوميات مختلفة كان يجمعهم العمل الإعلامي والصحفي من أجل نقل ما يجري بالعراق وإن كان البعض منهم تكلم بنفس طائفي لأنه يعمل ضمن مجال إعلامي يوجهه هذا التوجه ولكن من الذين شهد لهم الشارع العراقي بنزاهة الكلمة والموقف كانت الشهيدة أطوار بهجت.

ومن التقى تلك المرأة يعرف مدى حبها للعراق وأهله ومدى بساطتها وشفافيتها التي جعلتها تترك بصمة مميزة في الإعلام العراقي والعربي  .

لقد برزت أطوار بهجت الإعلامية بعد احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية بعملها ضمن كادر مكتب الجزيرة ببغداد وكانت قبل ذلك تقدم في أوائل حياتها الإعلامية برنامج للصحة على القناة الأولى بالعراق ثم بعد ذلك برنامجا يتناول النشاط الصحفي والثقافي في العراق, ثم انتقلت بعد ذلك للعمل ضمن كادر قناة العراق الفضائية قبل احتلال العراق وبعد ذلك تم تغيير اسمها إلى قناة العراقية المعروفة بتوجهها الطائفي والتحريضي ضد توجهات أخرى ومذاهب قائمة بالعراق ما جعل الراحلة أطوار تنتقل للعمل بمكتب الجزيرة ببغداد نظرا للحرية النسبية التي تمنحها هذه القناة للإعلامي في نقل الحقيقة عبر شاشتها وما إن مرت عدة أشهر في عملها في مكتب الجزيرة حتى ارتدت الحجاب وكان ذلك دافعا كبيرا لتأكيد حبها في وسط المجتمع العراقي واستمرت بتألقها في الوسط الإعلامي العراقي والعربي رغم اشتداد الأزمات في الشارع العراقي واحتدام الصراع والاقتتال الطائفي سواء على السلطة أو داخل الشارع العراقي ولكن كانت هناك جهات إعلامية تعمل على تحريض الشارع العراقي لأجل الحصول على أصوات أكثر ولكسب تأييد السذج من أبناء طائفتهم وتحريضهم على أمور معينة تصب في مصلحة جهات طائفية سيطرت على دفة الحكم في العراق بعد الاحتلال، ومن ضمن ما حدث أن كانت قناة الجزيرة تعرض برنامجا لا يستفيد منه المشاهد العربي إلا ويخرج بعد مشاهدة البرنامج بالشعور بالإحباط وضيق الصدر من كثرة المشادات والتحقير وكم الإهانات التي يوجهها طرفي الحوار أحدهما للآخر، وكان من ضمن حلقة هذا البرنامج أن تكلم أحدهم عن مرجع الشيعة السستاني وهنا حصلت السلطة الحاكمة بالعراق على ما لم تكن تحلم به من تأجيج للوضع في العراق ومن تسخين أتباعها لتحقيق مأرب معينة ضد أبناء طائفة أخرى من أبناء الشعب للنيل منهم بحجة أنهم أساءوا لمرجعيتهم وأدرك يومها كادر مكتب الجزيرة ببغداد أنهم وقعوا ضمن فخ لا يعلم إلا الله به فما كان منهم إلا أن قدموا اعتذارهم من خلال قناة الفرات القناة الناطقة عن الائتلاف العراقي الذي يمثله عبد العزيز الحكيم, وأعلنوا تقديم استقالتهم وانسحابهم من العمل بقناة الجزيرة وكلهم يدرك أن هناك من يخطط للفتك بهم, ولقد أدركت الراحلة أطوار ذلك وكانت تتابع التحريض من أقلام وإعلام وأبواق الائتلاف العراقي ضدها وضد كل من يعمل بقناة الجزيرة رغم إن والدتها من النجف وعلى المذهب الشيعي ولكن ذلك لم يكن شفيعا لها عندهم واستمروا بمطاردتها حتى بعد انتقالها للعمل في مكتب قناة العربية بالعراق ولاحظت تتبع سيارات لها لأجل خطفها وما هي إلا أيام حتى جاءت الفرصة التي ينتظرها من الذين غدروا بها عندما حصل تفجير مرقد "الإمامين" العسكري وهنا وقفت على أبواب مسقط رأسها في مدينة سامراء لتنتظر قاتليها عندما أشارت بتقريرها (نحن الآن نقف على أعتاب مدينة سامراء) وحددت موقعها بدقة ومن هناك كانت تتقصى الحقيقة من أهل المنطقة عن وقت التفجير، ومن تشير إليه أصابع الاتهام عن قيامهم بهذا التفجير، وهنا اتصلت بوزير الداخلية آنذاك (باقر صولاغ).

 الراويات تقول أما طلبت منه أن ييسر أمر دخولها للمدينة لأجل التغطية الإعلامية والراوية الأخرى أنها قالت له أنها تعرفت على من قام بهذه الفعلة النكراء والراوية الأخيرة هي الأرجح وبالنتيجة أخبرها أنه سيرسل لها من يلبي طلبها وكان الفريق الإعلامي مع الراحلة أطوار يتكون من أربعة أشخاص، ثلاثة منهم تم قتلهم، ومن ضمنهم أطوار، والرابع تم تهريبه وهو من المذهب الشيعي واسمه أنمار عاشور، وعلى  الأغلب تم تهريبه خارج العراق ولم يعرف عنه بعد ذلك أية أخبار أما البقية مع أطوار فكلهم من المذهب السني، ومن ضمنهم أطوار بهجت وعدنان خير الله وخالد محمود من أهالي الفلوجة, وقيل إن الإرهابيين هم من اغتالوا فريق العربية..

 وتدور الأيام ولابد للحقيقة أن تظهر وإن طال الزمن، ولابد إن يتم معرفة من قام بهذه الجريمة هو نفسه من قام بتفجير المرقدين لكي يقوم بتصفية أبناء المذهب السني في العراق بدعوى الثأر للمرقدين, فخلال الأحداث الأخيرة وبعد أن حدثت الاشتباكات في بغداد عثر على أحد أفراد مليشيات فيلق بدر وعثر في موبايله ـ كما تروي صحيفة صحيفة الصنداي تايمز ـ على  شريط وجد مع هذا الشخص يبين من قتلها، وطريقة القتل؛ حيث اقترب رجلان على متن سيارة من جمع صغير من الناس وسألا عنها, واستغاثت أطوار بمن حولها, لكن ما من مغيث.

وقيل حينها إن أطوار قتلت رميا بالرصاص, مع مصورها وفني الصوت, لكن تبين بعد ذلك أن معاناتها كانت أكبر من ذلك  .

حيث تظهر أطوار في الشريط بين يدي رجلين مفتولي العضلات في لباس عسكري, وقد أوثقت يداها خلف ظهرها, وتجمد الدم في وجهها ذعرا, وعندما بدأ التصوير, كانت عيناها قد عصبت بعصابة بيضاء, والدم ينزف من جرح في الجزء الأيسر من الرأس.

ويقترب رجل ضخم بلباس عسكري وحذاء وقلنسوة من أطوار من الوراء ويكمم فمها بيده اليسرى, وقد أمسك في يده اليمني بسكين كبيرة بمقبض أسود وشفرة طولها ثماني إنشات, ويبدأ في ذبحها من الوريد إلى الوريد, وتسمع صرخات أطوار أعلى صوتاً من صيحات الله أكبر التي يرددها حامل الهاتف النقال.

ومع ذلك فليست تلك نهاية أطوار, إذ يأتي رجل آخر يرتدي قميصا أسود ويضع حذاءه الأيمن على بطنها ويدفع بقوة ثماني مرات لينزف الدم من جروحها, وهي تحرك رأسها من اليمين إلى اليسار, وحينها فقط يعود ذابحها ليكمل عمله, ويجز الرأس ويلقي به أرضا.

تفاصيل أخرى لم يلتقطها الفيلم, لكن احتفظ بها أحد أصدقاء بهجت لم يشأ ذكر اسمه, متحدثا عن تسعة ثقوب في يدها اليمنى وعشرة في اليسرى, وثقوب في رجليها وسرتها وعينها اليمنى, رحم الله أطوار بهجت ومن معها من زملائها الإعلاميين وزملاء آخرين في قنوات وصحف ومجالات إعلام مختلفة.

 ونحن إذ تطرقنا اليوم إلى حادثة اغتيال أطوار بهجت وزملائها ليس من باب طرق المواجع ولكن لتبيان إن مسلسل معاناة  وتصفية الإعلاميين في العراق وخارجه مستمرة وأيضا لتبيان كيفية تمت تصفية أطوار بهجت بعد أن عثرت جريدة الصنداي تايمز على فلم يوضح عملية تعذيبها وقتلها من خلال موبايل احد جنود فيلق بدر وهذا يوضح من قام بتصفيتها ومن له مصلحة في ذلك ومن له مصلحة بتصفية رموز العراق وإعلامييه .