تعظيم حرمات الإسلام
21 شوال 1429
محسن العبد الكريم
ظهر مؤخراً كتاب يشتمل على أوراق العمل التي نوقشت في مؤتمر تعظيم حرمات الإسلام والذي نظمته مجلة البيان ومبرة الأعمال الخيرية بالكويت في عام 1428هـ.
يقع الكتاب في أكثر من 800 صفحة، وجاء في سبعة فصول، إضافة إلى وثائق المؤتمر التي تتكون من البيان الختامي لمؤتمر تعظيم حرمات الإسلام، والرسالة الموجهة من العلماء والمفكرين المشاركين فيه إلى قادة الرأي العام والفكر في الغرب.
الفصل الأول من الكتاب تناول "إرث الصراع التاريخي والتفوق العنصري"، حيث تضمن عدة قضايا منها: مواجهة الرسالة الخاتمة بالرسالات المنسوخة، الاستعمار الحديث في فهم طبيعة العداء وخلفياته، المواجهة مع أهل الكتاب في عصر الرسالة وعصور الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين.
أما الفصل الثاني فقد جاء تحت عنوان "النظريات الغربية الحديثة وأثرها في تغذية الصراع" خاصة دراسة نهاية التاريخ وخاتم البشر، وعناصر الشرك والاستكبار والفحش في القيم الغربية.
وتطرق الفصل الثالث من الكتاب لـ"مظاهر التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، وتضمن موضوعات: التطاول الغربي على الثوابت، وكذلك الطعن في القرآن الكريم.
وتناول الفصل الرابع التناقض (بين حملات التنصير والدعوة إلى الحوار والتقارب) حيث ناقش الحملات التنصيرية في العالم الإسلامي، أهدافها وبرامجها وبخاصة في السودان والعراق ومصر والجزائر، وتجربة الحوار بين المسلمين والنصارى، وضوابط ذلك في ظل حملات التنصير والدعوة إلى الحوار والتقارب، كما تطرق إلى قضايا الاستشراق المعاصر وأثره في التطاول على الإسلام.
وخُصص الفصل الخامس من الكتاب للبحث في  (دور أهل الأهواء في التطاول)، وكيفية الرد على المنافقين المتطاولين على الثوابت، والرد على من يتطاولون على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الفصل السادس فقد تناول (تقويم تجربة الأمة بعد أزمات التطاول على الثوابت)، ودور الحكومات والمؤسسات بعد هذه الأزمات، ووجه الإخفاقات في المواقف القريبة للأمة في تعظيمها للحرمات، وتقويم تجربة الشعوب بعد أزمات التطاول على الثوابت.
وتعرض الفصل السابع لـ"واجب الأمة في نصرة دينها ونبيها"، ودور العلماء في إستراتيجية المواجهة، ودور الحركات الإسلامية في هذه المواجهة.
الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود أكّد في الورقة الافتتاحية على "تعظيم حرمات الله" وقال: إن تعظيم الحرمات من ثوابت عقيدتنا الإسلامية وشريعتنا الحنيفية، التي لا تتغير مع تغير الزمان والمكان، وقد ربطت الشريعة كثيراً من هذه الأحكام بعلامات كونية لا تدخل للبشر فيها، وهي إحدى علامات ثبات هذا الدين وبقائه إلى يوم القيامة.
أولاً: الصلاة والصيام والحج، مرتبطة بعلامات كونية هي: الشمس والقمر والليل والنهار.
ثانياً: الحج ومكة المكرمة مربوطة بعلامات زمنية ومكانية لا تتغير ولا تتبدل.
ثالثاً: حفظ القرآن الكريم، وحفظ السنة، فصار هذان المصدران ثابتين، لا يملك أحد لهما تغييراً ولا تبديلاً.
رابعاً: ثوابت هذا الدين راسخة، وهي إحدى دلائل بقاء هذا الدين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، على الرغم من هذا الهجوم الكبير ، من كافة الأعداء على دين الإسلام، وشعائره وحرماته.
وتتابع الهجوم في الفترة الأخيرة، على الإسلام هو جزء من سلسلة طويلة من العداء له منذ أن بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم واصطفاه ليكون خاتم المرسلين، ولتكون شريعته ناسخة لما سبقها من الشرائع، وفي مقابل ذلك هيأ الله من يواجه ذلك العداء، في كل زمان ومكان من العلماء والدعاة والمصلحين، معظمين لشريعة الله ولدينه ولشعائره وحرماته، مظهرين ذلك من خلال الوسائل المتوفرة لديهم.
وتناول فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر "دور العلماء والمثقفين في إستراتيجية المواجهة"، وقال: إن التحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهها الأمة في هذا العصر، تستلزم من الجميع التعاون على أهداف مشتركة، وانتهاج أسلوب العمل القائم على المؤسسات والتكتلات؛ للتغلب على هذه التحديات، أما العمل المنفرد خارج السرب، فإنه وإن كان مهماً وله أثره في محيطه، غير أن تأثيره يبقى في حيز ضيق، ولا يمكن أن يحل أزمات الأمة العامة ما لم تُتح للصالحين قدرات فائقة، إن التحديات الكبيرة تستوجب أعمالاً كبيرة، وهذا لا يمكن أن يكون للأفراد عادة، بل لا بد من توحيد الجهود للتعاون مع المعنيين، أو بالانتظام في مؤسسات تسعى لمواجهة هذه التحديات، بالإضافة للعمل الفردي الذي يظل له مكانه.
وحدد الشيخ ناصر العمر التحديات التي تواجه المجتمع الإسلامي في: الجهل والفرقة والاختلاف والتنازع، وتداعي الأعداء على الأمة، وأكد على دور العلماء والمثقفين في مواجهة التطاول على المقدسات والاستهزاء بالثوابت وقال الدكتور العمر: إن طعن الأعداء في المقدسات إنما هو بسبب الضعف الذي تعاني منه الأمة، تماماً كالطعن الذي كان من كفار قريش في مكة يوم كان المسلمون مستضعفين، ولذلك لا بد من اتخاذ خطوات ما في مواجهة هذه الطعون تكون كفيلة بتقليل ضررها، والحد من تكررها قدر الإمكان؛ إذ القضاء عليها بالكلية غير ممكن إلا بتحقق التمكين، فدور العلماء المقترح هنا:
أولاً: ضرورة توحيد موقف العلماء تجاه مثل هذه الأمور، وضرورة صدور الهيئات المعنية عن رأي العلماء، درءاً لأثر الشقاق، فيخرج العلماء للأمة بموقف موحد يبين لها ما يجب فعله في ضوء كل أمر مستجد، وفي هذا منع للبلبلة وانقسام ردود أفعال الأمة مما يضعف أثرها.
ثانياً: السعي لدى الحكام المسلمين لبذل ما في وسعهم من واقع العلاقات بين الدول، للإسهام في العمل  لوقف هذه الإساءات.
ثالثاً: تقدير الأمور بقدرها، إذ إن بعض هذه الطعون على شناعته قد يكون منحصراً في نطاق ضيق، فيأتي رد الفعل ليتجاوز نطاقه بمراحل، مما قد يشجع الأعداء، في غير مكان على تكرار الفعل فتتسع الإساءة بدل أن تخمد.
رابعاً: بث روح الأمل في الأمة بدل روح اليأس.
خامساً: توظيف هذه الطعون في الدعوة إلى الله بين صفوف الكفار الذين قد يحملهم الفضول على الرغبة في التعرف على هذا الدين.
سادساً: توظيف هذه الطعون في الدعوة إلى الله بين صفوف المسلمين الشاردين عن الجماعة.
سابعاً: الرد على هذه الطعون وفق الضوابط الشرعية.
وأكد الشيخ سلمان بن فهد العودة، على واجب الأمة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال صناعة القدوة والأنموذج الذي يجب أن يحتذى، ونشر السنة والسيرة بين الناس، والاتفاق على قدر ضروري يصلح أساساً لدعوة الناس، وتفنيد الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام والرد عليها بالحجة والبرهان، وأن يعتز المسلمون بدينهم ويتمسكوا به، وأن تضبط ردود أفعالهم بالأحكام الشرعية، والامتناع عن ردود الأفعال المرفوضة شرعاً.
أما الدكتور عبد الوهاب بن لطف الدليمي، فقد حدد خطوات عملية طالَبَ فيها الجماعات الإسلامية أن تخطوها لنصرة نبيها والذود عن دين الإسلام، وذلك بأن تخرج هذه الجماعات عن عزلتها والتقوقع والإغراق في الجوانب النظرية إلى الالتحام بالأمة وتربيتها تربية علمية سليمة، وتضافر الجهود ووضع الخطط الدعوية لإيقاظ الأمة وإعادتها إلى دينها وعقيدتها، وأكد د. عبدالحي يوسف (رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم سابقاً) على أهمية مواجهة الرسالة الخاتمة بالرسالات المنسوخة، وحدد د. سليمان بن حمد العودة كيفية "المواجهات مع أهل الكتاب" مستعرضاً ما حدث في عصر الرسالة، وعصور الصحابة.

وكتاب "تعظيم حرمات الإسلام" يحوي على أوراق وبحوث العلماء والمفكرين وطلبة العلم الذين شاركوا في المؤتمر، ويختتم بتوصيات المؤتمر.