24 ذو القعدة 1429

السؤال

أنا منفصلة عن زوجي ولدي 3 أطفال المشكلة الأولى :
أن أبنائي غير متقبلين لأنفصالي عن أبيهم فهم يرون أنني المخطئة ويميلون لأبيهم أكثر مني مع العلم بأني طلبت الطلاق بسبب ادمان زوجي للمخدرات ورفضه للعلاج ،وهذاالوضع يؤلمني كثيراً فهم لايتقبلون النصح مني وأنا لاأستطيع اخبارهم بالسبب الحقيقي ولاأريد تشويه صورة والدهم امامهم؟ فما أفعل ؟
المشكلة الثانية :
مع والدتي حفظها الله ورعاها فعندما انفصلت عن زوجي وعدت الى بيت أهلي أصبحت في احتكاك مباشر مع والدتي فهي شديدة القلق وعندما أحاول طمأنتها والتخفيف عنها تعتقد بأني اتعالى عليها وهذا يسبب نفورا بيني وبينها ، كذلك فهي دائمة الانتقاد لأسلوبي في تربية أبنائي ، ماذا أفعل كي أكسب رضا أمي ورضا الله عزوجل وفي نفس الوقت ؟؟
وجزاكم الله خيراً..

أجاب عنها:
تسنيم الريدي

الجواب

أختي الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً بكِ على صفحات موقعنا والله نسأل أن ييسر لكِ الخير وأن يعينكِ على تربية أبنائكِ تربية صالحة تفخرين بهم.
تأملت أختي رسالتكِ وحزنت كثيراً على حال الكثير من أبناء أمتنا ممن هم ضحايا انفصال الأبوين.
فقد يخطئ أحد الطرفين اختيار شريك الحياة لأي سبب كان، أو يتهاون في السؤال عن دينه وخلقه كما أمرنا رسولنا الكريم، فيحدث هذا التصدع الكبير في عش الزوجية ويرمى بآثاره السلبية على نفوس الأطفال، فيقعون في حيرة لتفسير ما يحدث حولهم بين أب وأم لا يعيشون حياة طبيعة تحت سقف واحد كباقي أطفال المجتمع من حولهم.
لكن بأي حال من الأحوال سبب انفصالكِ عن زوجكِ هو بالفعل سبب قوي لا أستطيع مناقشتكِ فيه لمحاولة العودة إليه، خاصة وإنه يرفض العلاج مما لم يترك لكِ خيار غير الانفصال.
ورغم أن إدمانه للمخدرات أمر في غاية الخطورة ككونه أباً له حق رؤية أبناءه متى شاء، أو حتى الخروج معهم ، لكنني معكِ في ضرورة الحفاظ على صورة أبيهم وعدم تشويهها في هذا السن المبكر وذلك لتنشئة أطفال أسوياء، خاصة وأن تجريح أحد الزوجين في الطرف الآخر أمام الأطفال بعد الطلاق يتسبب في فقدان هؤلاء الأبناء للثقة في أنفسهم وفي والديهما وفي المجتمع ككل فيما بعد حتى وإن كنتِ على حق في سبب الطلاق الذي ستخبرينهم به.
لذلك فعليكِ أن تخبريهم بصورة عملية بأنك ووالدهم منفصلان لأنكما لم تستطيعا العيش معا لاختلاف طباعكما وطريقتكما في الحياة، ولكنكما اتفقتما على رعايتهم وحبهم، وأن الانفصال بشكل عام لا يعني أن أحد الطرفين سيئ، وتأكدي أختي أن امتناع أحد الأبوين عن مهاجمة الآخر، وإصراره على عدم تشويه صورته يكون له مردود إيجابي على الأطفال؛ لأنهم يرون أن هناك أحد الأطراف حريصٌ عليهم، وأنه مستعد للتضحية من أجل عدم إيذائهم، خاصة وأن مشاعر عدم الإحساس بالأمان قد تتوغل في قلوبهم إن عرفوا سبب الانفصال.
وإياكِ أن تحاولي استمالة الأطفال لكِ فذلك بدوره يؤدي إلى نفورهم منكِ ومن والدهم في نفس الوقت، فلا تفكري في كسبهم أو خسارتهم، ولكن فكري في استمرار علاقتكِ كأم محبة حنونة معهم، ولا تغضبي ولا تأخذي رد فعل قاسي تجاه الصبية خلال مناقشتهم لكِ، فإنهم في النهاية أطفال، بل ومهدي لعلاقة أقوى معهم في المراحل القادمة من عمرهم خاصة مع بداية مرحلة المراهقة، والتي يجب أن تستعدي فيها لموجه غضب عارم منهم ، بل قد تجدي ذلك من ابنتك أيضاً لأن الأبناء يحملون الآباء والأمهات مسئولية الانفصال، ويرون أن مسئوليتهما مشتركة، وأنهما كانا من الأفضل أن يستمرا في معيشتهما معًا من أجلهما، بل قد يحملون أحد الطرفين السبب لسوء اختيار شريك الحياة منذ البداية !
أما بشأن تربيتهم فهذا بالطبع قد صار عبئاً على كاهلكِ وحدكِ، لكن عندما يكبرون بإذن الله يدركون جيداً كم ضحت الأم وتعبت لكي تتحمل مسئوليتهم كأب وأم في نفس الوقت، استعيني بكتب التربية خاصة وأن لأبنائك وضع خاص بعيداً عن أبيهم، وأوصيكِ طبعاً بتنشئتهم في المسجد، والاهتمام بتحفيظهم القرآن الكريم منذ صغرهم، ورعايتهم ومصادقتهم وتفقد أحوال أصدقائهم من الآن لإبعادهم عن رفقاء السوء، وحاولي إيجاد يد العون ممن تثقين بهم كخالتهم أو خالهم للتقرب إليهم وتعويضهم عن بعض الحنان المفقود أو حتى مدرسيهم.

أما بشأن والدتكِ حفظها الله فهذه ليست مشكلة أبداً ، فهذه طبيعة الأمهات في هذا السن وفي هذه الظروف، فالأم تسعد كثيراً عندما تتزوج ابنتها، شعوراً منها أنه صار لها رجلاً تعيش في كنفه يحفظها ويرعاها ويلبي احتياجاتها ويكون لها سكناً ومعيناً، لكن إن حدث وانفصلت الابنة عن زوجها، فتنقلب الأمور عند الأم وتشعر بالخوف دائماً على ابنتها وأحفادها بسبب غياب الزوج والأب من حياتهم، فتحاول تعويض بعض ما هو مفقود فتتدخل في تربية الأبناء ظناً منها أنها تعاون ابنتها، خاصة أن هذه الابنة مهما كبرت بل وصارت أماً تظل في نظر أمها طفلة صغيرة لا تستطيع إدارة أمورها بمفردها خاصة في غياب الزوج، لذلك إياكِ أن تغضبيها يومياً بل حاولي أن تستفيدي من خبرتها في تربية أبنائكِ، أليست هي من ربتكِ أنتي لتصبحي متدينة ملتزمة بشرع الله مثقفة ؟
أما ما لا يعجبكِ في كلامها فحاولي أن تكوني حكيمة معها فلا تبدي رفضك، ولا تشعريها بأنكِ لست في حاجة لنصائحها، بل ابدي لها اهتماماً ورغبة في التعلم منها في تربية أولادكِ، بل أشركيها فيما لا يعد تدخلاً مباشراً، كاستشارتها في أمور دراستهم، أو اختيار ملابسهم ، أو زرع بعضٍ القيم التربوية والإسلامية بهم، بل استعيني بها في تحفيظهم القرآن الكريم ، وغير ذلك حتى تعطيها الشعور بالطمأنينة عليكِ على وأطفالكِ ومع الوقت ستشعرين أنتي ذاتكِ بزوال المشكلة.
ساعديها على أن تقلل انتقادها لنفسها أولاً ثم لمن حولها، فقد تكون ممن يحبون أن يكونوا أفضل دائماً ولا يرضون بما هو أقل، فهذا دوركِ في إشعارها أن كل ما تقوم به وتقدمه هو رائع، واحتياجكِ الدائم لجودها في حياتكِ وحياة أطفالك، حتى تشعر هي بالرضا عن نفسها وعمن حولها، كوني بجانبها وإياكِ أن تنفري منها، وتذكري أن لكِ أبناء يضعون كل تصرفاتكِ تحت المنظار، فأنت القدوة الوحيدة لهم الآن في ظل غياب الأب، فكوني الابنة الحنونة البارة المحبة لأمها حتى وإن أخطأت في حقكِ عودي وقبلي يديها فهي طريقكِ إلى الجنة مهما حدث، وذكري أبنائكِ بذلك وحثيهم على برها ورعايتها منذ الآن، بل وتعمدي برها ورعايتها أمامهم وتحت أنظارهم، فستكونين يوماً ما مكانها عندما يكبر أطفالك.
تابعينا بأخباركِ ، والله أسأل أن يعينكِ على تربية أبنائكِ وبر والدتكِ

تسنيم الريدي