أنت هنا

د.الغزالي: الأزمة المالية فرصة ذهبية لتعضيد الاقتصاد الإسلامي.. المواطن البسيط سيدفع الثمن.. قد تتقلص أمريكا عسكريا
16 شوال 1429
هبة عسكر
أطاحت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلت إلى دول أوروبا والدول العربية والإسلامية بالكثير من أموال واستثمارات العرب وألقت بظلالها علي أسواق المال العربية وعلي كافة الأنشطة الاقتصادية به.
فقد رأي البعض أن الأزمة المالية العالمية تدق ناقوس إنذار قوي أمام المسئولين عن السياسات المالية والنقدية في العالم العربي والإسلامي لوضع خطط احتياطية مستقبلية وإقامة أنظمة اقتصادية مستقلة مطالبين بضرورة التكامل بين السياسات المالية والنقدية فقد كشفت الأزمة المالية هشاشة النظام المصرفي الغربي المستمد جذوره من الرأسمالية التي يتمثل في تطبيق نموذج أوحد تفرضه علي العالم أجمع .
وعلي صعيد التأثيرات السياسية تكهن البعض بانهيار نظام القطب الأوحد التي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة ترتيبه موازين القوي في العالم وانهيار العولمة التي تحاول بها الولايات المتحدة أمركة العالم .
ولتعرف أكثر علي تأثيرات الأزمة المالية العالمية علي العالم العربي والمواطن العربي وتداعياتها السياسية كان لموقع "المسلم" هذا الحوار مع الدكتور عبد الحميد الغزالي الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير في الصيرفة الإسلامية، الذي أكد من جهته أن "المعاملات الربوية" الراهنة في النظام الاقتصادي العالمي هي المسئول الأول عن الأزمة الراهنة مشيرا إلى ضرورة تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي التي يستمد أصوله وقواعده من الشريعة الإسلامية والتي تحرم الربا والمقامرة .
وأضاف الدكتور الغزالي أن المواطن العربي البسيط هو الأكثر تضررا من الأزمة نظرا لقيام الكثير من الشركات بعمليات تسريح العمالة وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع معدلات الفقر وانخفاض مستويات المعيشة.
المزيد من التفاصيل في نص الحوار
 
** الأزمة المالية العالمية ليست وليدة اللحظة بل مرت بالعديد من المراحل منذ اندلاعها في امريكا وانتقالها إلى أوروبا ثم إلى دول العالم الثالث .. ما هي المراحل التي مرت بها وأهم الأسباب التي أدت إلى تفاقمها ؟
 
العالم يعيش الآن أزمة مالية تزداد حدة ساعة بعد ساعة بسبب تفاقمها في دولة المركز الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسابيع والأيام الماضية تراكمت الأزمة منذ الربع الأخير من القرن الماضي وظهرت بوادرها الخطيرة عام2001 - 2002 من خلال الإسراف الشديد أو الإفراط في الإقراض العقاري للحصول علي أقصى ربح ممكن للمؤسسات النقدية الأمريكية والنظام المصرفي الأمريكي بصفة عامة والذي خلق (الفقاعة العقارية) وتم ذلك علي مسمع وبصر الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) دون أن يحرك ساكنا أو يقوم بتصحيح الوضع الشديد الخطورة علي الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، حيث كانت هذه الظاهرة في الواقع تتم بالأساس خارج رقابة البنك فيما يسمي (الأنشطة الائتمانية خارج الميزانية) والتي تمثلت في الواقع في أواخر العام الماضي وبداية هذا العام ما يقرب من أربعة أخماس النشاط المالي في الولايات المتحدة أي أن أربعة أخماس هذا النشاط لم يكن خاضع للأجهزة الرقابية وكان يعمل بحرية غير مسئولة لتراكم جشع للأرباح دون اعتبار للآثار الوخيمة علي الاقتصاد الأمريكي بصفة خاصة والعالمي بصفة عامة .
أما السبب الجذري والتي أدى إلى تفاقم هو أن المؤسسات النقدية الأمريكية لم يتقيد بأبجديات العمل المصرفي والتي تتمثل في سياسات معروفة لمن يعمل في هذا المجال المصرفي
 
** ما هي هذه القواعد والأبجديات .. وكيف كان لعدم الالتزام بها هذا التأثير الكبير وخلق أزمة مالية عالمية ؟
هذه القواعد ثلاث وكلها مستمدة من قواعد التمويل الإسلامي وهي:
 
1 - إدارة السيولة والعائد (الربح) بمعني أن تعمل المؤسسة النقدية علي المواءمة بين اعتبارين متناقضين تماما هما السيولة من ناحية والربح من ناحية أخرى فإذا ما ركزت علي السيولة فقط سوف تكون مجرد "خازن للودائع" وبالتالي سوف تفشل في تحقيق ربح مناسب ومن ثم تخرج من السوق المصرفي كمشروع اقتصادي وإذا ما ركزت علي الربح بمعني أن تضع مواردها جميعا أو معظمها في "أصول مثمرة" قليلة السيولة معني ذلك أنها عاجلا أو آجلا سوف تفقد ثقة المتعاملين معها ومن ثم تخرج كمؤسسة نقدية من السوق النقدي ويقوم النظام المصرفي الصحيح علي المواءمة بين هذين الاعتبارين.
 
2 - إدارة مخاطر الائتمان بمعني أن تتوخي المؤسسة النقدية الحرص التام علي توظيف جزء الموارد الخاص بالأصول المثمرة خاصة القروض والسلفيات وأن تتوخي الاستعلام الجيد للعميل المقترض من حيث مركزه المالي وسمعته الائتمانية بل والشخصية أيضا
 
3 - كفاية رأس المال بمعني أن يكون راس مال المؤسسة النقدية من الكفاية بحيث يستطيع أن يعطي ولو جزئيا الديون المعدومة والمشكوك فيها حتى تستطيع أن تستمر في السوق المصرفي.
 
 
وهذه العناصر الثلاثة لم تراعها المؤسسات النقدية الأمريكية بل أسرفت في منح "القروض العقارية" مع علمها بان المقرضين مشكوك في قدرتهم علي السداد كما أنها لم تقم بالاستعلام عنهم أو اخذ ضمانات كافية لحماية أموالها، ومن هنا تخلف الكثير من المقرضين عن سداد التزامهم فحدثت الأزمة المالية التي بلغت ذروتها بإشهار إفلاس بنك "ليمان برازر" ثم توالت تداعيات الأزمة علي الكثير من المؤسسات النقدية الأمريكية لدرجة أسقطت الإدارة الأمريكية ثابتا من ثوابت عقيدتها الرأسمالية وهي أن "الدولة تتعين ألا تتدخل في النشاط الاقتصادي وتقوم فقط بدور الدولة الحارسة أي التي تقوم بخدمات عامة أساسية هي الدفع والأمن والقضاء وتوفر المناخ المناسب لعمل القطاع الخاص من خلال السياسات الاقتصادية التقليدية وهي السياسة النقدية والمالية" فقد قامت بتدخل مباشر لدعم بعض المؤسسات النقدية لكي تستمر في السوق المصرفي بل وتأميم البعض الآخر وترك البعض الثالث للإفلاس ثم قامت بإقرار خطة الإنقاذ.
 
 
** ما النتائج التي ترتبت علي هذا التصرفات غير الرشيدة والتي تضرب عرض الحائط بقواعد النظام المصرفي والتسارع وراء الأرباح فقط؟
 
كان أهم هذه النتائج حدوث أزمة سيولة كبيرة في أسواق المال العالمية، انخفاض الطلب على المواد الأولية الأساسية تراجع النظرية الرأسمالية خاصة بعد حالة الذعر الشديدة التي أصابت أسواق تداول الأوراق المالية انخفاض في أسعار العقارات وخاصة العقارات الأمريكية، تعرض عدد كبير من كبرى الشركات العالمية لشبح الإفلاس وتسريح العمال وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة .
 
** ألا تعتبر هذه الأزمة فرصة مواتية لتعضيد التمويل الإسلامي، خاصة أن الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، حققت نجاحا أكبر في الأسواق المضطربة، حيث نمت الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في الأسواق الغربية، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى أكثر من نصف تريليون دولار؟
 
هذه الأزمة علي الرغم من تأثيراتها الكبيرة علي العالم العربي والإسلامي إلا أنها تمثل "فرصة علي طبق من ذهب" لتطبيق التمويل الإسلامي ومبادئ الاقتصاد الإسلامي وتقويته خاصة وأن هناك الكثير من الدراسات التي قامت بها المنظمات الدولية المتخصصة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تشيد المصرفية الإسلامية بل وتنصح الدول النامية بالأخذ بها لأن ما تحتاجه هذه الدول ليس الاستثمار المالي وإنما الاستثمار الحقيقي المتمثل في صورة مشروعات انمائية لتحقيق التنمية المستدامة في هذه الدول  أما علي المستوي المالي فقد أثبتت الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تقوم علي تجنب المخاطر القمارية والربا قدرتها علي تجنب المشكلات الناجمة سوء إدارة المصارف .
فالشريعة الإسلامية تحرم الربا وبما أن خيارات الأسهم المكشوفة، وخيارات الفائدة، والعقود الآجلة تنطوي على قدر كبير جدا من المقامرةفيحرمها الإسلام مما يعطي فرصة كبيرة للاستقرار ومنع المضاربات .
وقد قامت المجامع المعاصرة وهي مجمع البحوث الإسلامية ومجمع رابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي بمنظمة المؤتمر الإسلامي بدارسة الكثير من العقود الحديثة المتداولة في الأسواق المصرفية الدولية وعرضها علي القواعد الشرعية فأجازت منها "بطاقات الائتمان" شريطة أن يكون لحامل البطاقة حسابا دائنا لدي البنك مصدر البطاقة يكفي لتغطية ما يستخدمه حامل البطاقة في دفع مشترياته.
 
 
** العرب والمسلمون يدفعون فاتورة خسائر ارتباطهم بالغرب وخاصة الولايات المتحدة .. ألا تدفعهم هذه الخسائر لإقامة نظام اقتصادي جديد دعائمه عربية إسلامية ؟
 
نعم فالعالم العربي والإسلامي هو الأكثر تأثرا بالأزمة المالية العالمية التي بدأت في أمريكا ثم انتقلت إلى أوروبا والدول الأسيوية والعربية ونحن بحكم التبعية للاقتصاد الغربي كنا من أكثر المتأثرين من الأزمة حيث تراجعت أسواق المال العربية بنسب كبيرة جدا فمثلا السوق المصري تراجعت بنسبة 48% بينما تراجع السوق الأمريكي بلد الأزمة بنسبة 37% مما يدل على أننا الأكثر تأثرا ولكن الأزمة الحقيقة أننا ننظر تحت أرجلنا فأي نشاط اقتصادي ناجح تجد أسسه وأصوله في الشريعة الإسلامية وأحكامها ونحن لدينا عقدة الخواجة فأي شيء غربي يكون جيدا حتى وإن كان غير ذلك وهذا ما يصعب إقامة هذا النظام وان كان تنفيذه سهل ويحقق حماية من المخاطر للاقتصاد العربي.
 
 
 
** ما الذي كشفته الأزمة المالية علي المستوي السياسي .. وهل يمكن أن تقلب موازين القوي في العالم ..خاصة وان هناك الكثير من التفسيرات تقول الإدارة الأمريكية للرئيس جورج بوش قد جرى إعدادها والدفع بها من خلال اليمين الأمريكي المحافظ والدوائر اليهودية لكي تؤدي هذه المهمة التي قامت بها في بداية فترة حكمها الأولى ونهاية فترة حكمها الثانية، ولكي تقوم بإنجازين كبيرين أحدهما سياسي دولي عام 2001 والثاني اقتصادي عالمي عام 2008؟
 
نعم هي بالفعل قلبت موازين القوي في العالم بشكل ضمني غير معلن فقد أثبتت الأزمة أن النظام الرأسمالي يحتاج بصورة شاملة إلى مراجعة من حيث ثوابته ومرتكزاته ولم تعد مقولة "نهاية التاريخ" بمعني سيادة الرأسمالية كنموذج مفروض علي العالم أجمع حيث تشير الأزمة إلى فشل هذه النظرية المتعالية من قبل رعاة له.
وكشفت الأزمة أيضا زيف نظرية القطب الأوحد فلم تعد أمريكا القطب الوحيد في العالم فرضت كذلك ضرورة دولية بأن يدار الاقتصاد العالمي مجتمعيا من خلال المنظمات الدولية شريطة أن لا تخضع للإدارة الأمريكية وهذا يمثل تراجعا سياسيا كبيرا .
والشعوب الصغيرة والدول الفقيرة هي التي تحملت نتائج ما حدث ولكن الواقع يقول إن الإدارة الأمريكية للرئيس بوش كانت اكبر داعم للكيان الصهيوني علي المستوي السياسي والاقتصادي وخاصة وان اليهود يملكون الكثير داخل الولايات المتحدة فلذلك من الصعب تطبيق نظرية المؤامرة علي أزمة 2008 من قبل اليهود علي أموال العرب عن طريق ضرب الاقتصاد الأمريكي فالأمر صعب نظريا وعمليا لأنهم سيكونون من المتضررين وان كان تأثرهم كبيرا إلا أن مصلحتهم الحفاظ علي صورة أمريكا وان كان اقتصاديا فقط فهي اكبر داعم لهم.

 
 
**البعض نظر إلى خطة الإنقاذ الأمريكية علي أنها طوق النجاة للاقتصاد الأمريكي بل والاقتصاد العالمي علي أساس الارتباط به ويراهن على نجاح الخطة مستشهدا بنجاح الاقتصاد الأمريكي في تجاوز أزمة الكساد العظيم 1929 واستعادة عافيته.. فهل تعتقد أن خطة سوف تحل المشكلات الناجمة عن الأزمة المالية؟
 
 خطة الإنقاذ تهدف إلى تأمين حماية أفضل للمدخرات والأملاك العقارية التي تعود إلى دافعي الضرائب وحماية الملكية وتشجيع النمو الاقتصادي وزيادة عائدات الاستثمارات إلى أقصى حد ممكن وهي في الواقع حل مؤقت وغير فعال من الممكن أن يعزز ثقة المودعين لن ينجح إلا إذا كانت الأصول المعنية ذات قيمة كما أن الخطة تقوم علي أن معظم الرهونات العقارية عبارة عن قروض رديئة مبنية على تفكير في أن قيم العقارات سوف تستمر في الارتفاعومن غير المحتمل أن تزداد قيمة هذه العقارات، بل من الممكن أن تنخفض أكثر منذ ذلك، فتغرق الأموال التي تستخدمها الحكومة لشراء هذه الأصول.
 
أما عن أزمة الكساد الكبير عم 1929 فالظروف كانت مختلفة الوضع الاقتصادي كذلك فخطة الرئيس "روزفلت" لتجاوز أزمة أواخر العشرينيات والتي عرفت باسم "ذا نيو ديل"، كانت ذات أبعاد إصلاحية اجتماعية واقتصادية، ولم تكن مخصصة لمعالجة وضع السوق المالية فقط كما هو الحال في الخطة الأمريكية التي تم إقرارها مؤخرا ذات العلاج المؤقت"، فهذه الخطة تقوم على شراء الأصول الهالكة من المؤسسات المتعثرة لمنعها من الانهيار، لكنها لن تقدم سيولة حقيقية وتزيد من رأس المال.
 
 
 
** سنوات طويلة من الارتباط بالاقتصاد العربي بالغرب .. وتعتبر أموال المستثمرين العرب داعم أساسي له .. أليس من حقهم "المستثمرين العرب" مطالبة المصرفيين الاستثماريين الغربيين بابتكار أنواع استثمارات ومنتجات استثمارية تتجنب المخاطرة القمارية والربا؟
 
الوضع في الدول العربية والإسلامية الآن لا يحسد عليه، لأنها تشكل جزءا أساسيا من منظومة الاقتصاد العالمي ومن ثم انسحبت الأزمة عليها وأثرت في اقتصادها تأثيرا مباشرا وواضحا فمن ناحية هناك ودائع للكثير في هذه الدول الأوربية وأمريكا ومن ناحية أخرى هناك علاقات تجارية بينهم وبين هذه الدول وهناك استثمارات مشتركة مع هذه الدول ومن هنا علي الدول العربية أن تتمسك بشرع ربها وتصر علي التعامل مع هذه الكيانات وفقا لمفهومها الخاص بالتمويل الإسلامي خاصة وان هذه الدول "الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأسيوية" قد اعترفت بالجدوى الاقتصادية والمصرفية للعمل المصرفي الإسلامي فهناك أكثر من 36 بنك ومؤسسة نقدية إسلامية في الولايات المتحدة وحدها و20 في الدول الأوروبية فهذا اعتراف صريح بأهمية المؤسسات النقدية الإسلامية فالفرصة مهيئة جدا للمستثمرين العرب لفرض شروطهم الإسلامية في التعامل لأنهم في وضع قوي وليس ضعف .
 
 
 
* * في رأيكم، ما هي سيناريوهات الخروج من هذه الأزمة بالنسبة للدول الغربية والعربية ؟ وهل يقدم التمويل الإسلامي حلول لمثل هذه الأزمات ؟
يتمثل الخروج من هذه الأزمة الطاحنة في مخرجين هما:
 
أولا : مخرج فني يتمثل في التقييد الصارم الحازم بعناصر الفن المصرفي والتي يتكون من إدارة رشيدة للسيولة والعائد - إدارة رشيدة لمخاطر الائتمان - إدارة رشيدة لكفاية رأس المال، إعمال الرقابة والإشراف علي كافة الوحدات المصرفية المشكلة للجهاز المصرفي إيجاد ترتيبات للعمل المصرفي الحديث تكفل قيامه بمهامه الشديدة الضرورة والأهمية للاقتصاد المعاصر حيث إن الجهاز المصرفي بمثابة القلب من الجسد للاقتصاد.
 
ثانيا : مخرج بديل : فقد آن الأوان لـ"المجتمع الدولي" إن يفكر جديا في "نظام مصرفي بديل" لا يقوم علي سعر الفائدة الربوي وهو ما يقدمه التمويل الإسلامي والتي يقدم كافة الحلول لمواجهة الأزمات إن وقعت أساسا، حيث قام النظام المصرفي الحديث علي نظام "المداينة" أي الإقراض والاقتراض بفائدة فالعلاقة بين البنك الحديث والمتعاملين معه يحكمها جانبين المركز المالي لهذا البنك أي ميزانية البنك وعقد القرض بفائدة  وهذا يعتر ربا علي أساس أن أي قرض جر ربحا مشروطا فهو حرام أما المبدأ الإسلامي فيقول إن "الخراج بالضمان" أو "الغنم بالغرم" أي أن العائد لا يحل إلا نتيجة تحمل المخاطرة فتقوم الصيغة الإسلامية علي أساس الاستثمار الحقيقي طويل الأجل وليس الاستثمار المالي عن طريق المقامرة في بورصة الأوراق العالمية.
بالنسبة للدول العربية البديل الأفضل لها الآن هو القيام بتأسيس نظام عربي إسلامي يستمد جذوره وقواعده من الشريعة الإسلامية ويشكل لبنة جديدة في صرح الوحدة العربية الاقتصادية.
 
 
** ما أسباب الموافقة علي خطة الإنقاذ بعد أربعة أيام من رفضها .. وهل تعتقد انه كان هناك ضغوط من قبل الرئيس الأمريكي لإقرارها لإنقاذ صورته في اللحظات الأخيرة ؟
 
اعتقد أن الأمر لا يوجد فيه أي نوع من الضغوط ولكن الأمر اقتصادي بحت حيث أعقب رفض الخطة تزايدت المخاوف خاصة في البورصة أن تتجه البلاد إلى أزمة ائتمانية واقتصادية متصاعدة ونتيجة لذلك هبط المؤشر الرئيسي للبورصة بشدة وتصاعد الخوف كذلك من انهيار المزيد من المؤسسات ألغى أصحاب العمل نحو 159 ألف وظيفة في سبتمبر، كل هذه المؤشرات لمدى الاضطراب الذي يعاني منه النظام المالي والاقتصاد في البلاد فقد اضطر "المشرعون" بغض النظر عن انتمائهم الحزبي إلى إعادة النظر في رفضهم للقانون
 
** بعد الأزمة وتداعياتها الخطيرة علي الجانب الاقتصادي وبالتالي السياسي .. هل تمثل هذه الفترة ذروة العولمة وبالتالي انهيارها .. أم أنها ستكون إعادة تفصيل ثوب العولمة؟
أصابت الأزمة العالمية الحالية العولمة أو "الأمركة المتوحشة" إصابة حقيقية أو كما يقال "في مقتل" خاصة في جانبها الاقتصادي فقد اثبت الأزمة العالمية ضعف الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود هذه الحملات الموجهة لتغريب الشرق وخاصة الدول العربية والإسلامية فذلك فيتعين مراجعة كثير من مسلماتها وعلي رأسها فرض النمط الأمريكي العربي سواء في السياسة أو الاقتصاد و الثقافة وهذا لا يعني تخفيض الاعتماد المتبادل بين الدول بل إعادة تفصيل ثوب للعولمة يكون فضفاض نقي يعترف بالدول الأخرى وأهميتها في التأثير واحترام خصوصيات كل دولة مع زيادة التعاون بين الدول علي أساس "الند للند" وليس علي أساس "التابع للسيد".
 
** هناك أنباء وتحليلات عن مسألة مؤامراتية صهيونية في القضية هل سمعتِ بشيء من هذا ؟
 
من المعروف أن اليد الصهيونية ممتدة في كل مكان ولا يستبعد هذا علي الإطلاق ولكن بالتفكير جديا نجد أن قيادات بنك "ليمان برازر" مثلا كانت تحصل علي مئات الملايين كمرتبات ومكافأت سنوية ومن ثم ليس من صالحهم بالقطع المشاركة في تدميره فالوضع يمثل أزمة اقتصادية بحتة نتيجة تراكم الكثير من الأخطاء الاقتصادية نجم عنه أزمة اقتصادية عالمية لها تداعياتها السياسية كما أنني لا أتصور أن ما حدث مؤامرة لاستنزاف الفوائض الاقتصادية لدي بقية دول العالم لصالح الرأسمالين الجدد وان كانت هناك أقوال تصب في هذا الاتجاه بل إن البعض يقول إن خطة الإنقاذ هي نزف لصغار الممولين الأمريكان لصالح كبارهم الفاسدين الذين أساءوا إلى النظام الرأسمالي .
ولكن يمكن النظر إلى دورهم الأساسي في إقامة وتشجيع النظام الربوي وإرساء قواعده وجذب المستثمرين العرب والمسلمين إليه.
وهذا ما حملته "حماس" للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من التخطيط التراكمي والبعيد الآجل لاستهداف أموال العرب وربطت ذلك بالفساد الإداري والمالي وخلل النظام المصرفي التي يهيمن عليه الكيان الصهيوني.
 
 
** علي مستوي المواطن العربي البسيط .. كيف تري تأثير الأزمة عليهم وهل سيكون لها تأثير في تكريس أزمات مثل البطالة ؟
نعم المواطن العربي البسيط هو الأكثر تأثرا وتضررا من الأزمة فكما حدث في البورصات فكان الأكثر تأثرا صغار المستثمرين فالتجميد الائتماني سوف يؤدي إلى توقف المشروعات الجديدة وتوسعات المشروعات القائمة مما ينعكس علي قدرة المشروعات القائمة علي تصريف المنتجات وبالتالي تسريح الكثير من العمال وزيادة معدل البطالة وزيادة معدل الفقر وانخفاض مستوي المعيشة بصفة عامة.
 
 
** هل يمكن أن تؤثر هذه الأزمة في قرارات حاسمة لسحب القوات الأمريكية من  العراق وأفغانستان وحربها فيما تدعي ضد الإرهاب؟
أثبتت الأزمة العالمية ضعف الإدارة الأمريكية علي إدارة مؤسساتها الداخلية وإحكام الرقابة والسيطرة عليها وقيامها بالتدخل المباشر لأول مرة في السياسات النقدية من خلال إقرار خطة الإنقاذ وغيرها من الإجراءات لحماية النظام المصرفي واثر ذلك عليها سياسيا فقد تحطمت مقولة "القوي العظمي أو القطب الأوحد" وبالتالي من المتحمل أن تقلل من دعمها للعمليات العسكرية في هاتين الدولتين بالتدريج وقد تدفعها مزيد من الأزمات الاقتصادية إلى الانسحاب عندما تعجز عن التمويل العسكري.