تعطيش الأحواز
11 شوال 1439
خالد مصطفى

يسعى الاحتلال الفارسي لتضييق الخناق على المواطنين العرب في الأحواز من أجل كسر إرادتهم وإجبارهم على قبول القهر والاحتلال..

 

وهو لا يدخر وسعا في سبيل ذلك ابتداء من نهب خيرات الأحواز طوال السنوات الماضية ومرورا بالاستيلاء على الأراضي وإقامة "مستعمرات فارسية" عليها من أجل تعيير التركيبة السكانية للأحواز وفرض الأمر الواقع بالقوة, مرورا بإهمال الأحواز وحرمانها من المشاريع التنموية لإفقار أهلها ونشر الإحباط والبطالة بينهم, ناهيك عن الطائفية المقيتة التي يمارسها الاحتلال ضد أهالي الأحواز ومنعهم من تعلم لغتهم الأم وفبركة الاتهامات ضد الناشطين الأحوازيين المطالبين بحقوقهم المشروعة من أجل إلقائهم في السجون لفترات طويلة أو إعدامهم...

 

لكن الأحوازيين وطوال سنوات الاحتلال لم يقبلوا الذل والمهانة ورفضوا الاعتراف بالأمر الواقع وقاموا بمقاومة الاحتلال بشتى السبل ومؤخرا شهدت الأحواز مظاهرات واسعة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم التفات السلطات الإيرانية لمطالب الأهالي من أجل رفع الظلم عنهم وزاد من قسوة الوضع سياسة التعطيش التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد أهالي الأحواز والتي نتجت عن تلوث مياه نهر كارون وارتفاع نسبة الجفاف...

 

وتفاقمت تلك الأزمة إثر مشروعات فاشلة تنفذها مليشيا الحرس الثوري الإيراني لتحويل مجاري الأنهار لصالح مناطق أخرى ذات أغلبية فارسية مثل أصفهان بوسط البلاد...وقد أدت هذه السياسة إلى اضطرار المواطنين في الأحواز للوقوف في صفوف طويلة لعدة ساعات، انتظارا للحصول على حصتهم من بائعي المياه..

 

وأفادت تقارير محلية، بأن محطات المياه الحكومية في نطاق مدينة عبادان بالأحواز أغلقت أبوابها مؤخرا في ظل تصاعد أزمة نقص مياه الشرب، وارتفاع الملوحة بها قبل أن توقف بشكل نهائي ضخ المياه عبر الأنابيب إلى المنازل، بالتزامن مع إعلانها الاستمرار في توزيع كميات محددة من المياه في عبوات على المواطنين بالشوارع حتى نهاية يونيو...

 

وذكرت مصادر عديدة أن  مصادر المياه العذبة والسدود في أغلب المناطق داخل إيران تشهد أزمات شتى أبرزها التلوث وارتفاع نسب الملوحة على مدار الـ 10 سنوات الأخيرة، ولا سيما بمدينتي عبادان وخرمشهر ، والتي لطالما خرج مواطنوها في احتجاجات شعبية حاشدة للأسباب ذاتها، الأمر الذي أعلن معه رضا أردكانيان وزير الطاقة الإيراني مؤخرا، أن العام الجاري يعد الأصعب على مستوى تدبير مياه الشرب طوال نصف قرن مضي...

 

وأضاف أردكانيان، في تصريحات لوسائل إعلام رسمية، أن بلاده دخلت وضعا حرجا بسبب تزايد نسب الجفاف، محذرا من تفاقم دخول نحو 334 مدينة إيرانية مرحلة "التوتر المائي"، حيث يعيش بها قرابة 35 مليون مواطن؛ فيما انعكست تلك الأزمة على مستوى آخر بعد إغلاق السلطات الإيرانية مجمعا ضخما للبتروكيماويات في عبادان، بسبب تفاقم أزمة نقص المياه العذبة، وارتفاع وتيرة الاحتجاجات مؤخرا...وأرجع محسن كعب عمير، مدير العلاقات العامة في المجمع الأسباب وراء إغلاقه بالكامل إلى انعدام المياه العذبة، لافتا إلى وجود مشاكل فنية اعترت وسائل التشغيل الداخلية للمجمع بسبب زيادة درجة الملوحة في تلك المياه المتدفقة من نهر كارون...

 

واعتبر عمير, أن الوضع الحالي قابل للاستمرار داخل أحد أهم المجمعات الخاصة بإنتاج البتروكيماويات بالبلاد، الأمر الذي أجبر شركة حكومية على إغلاق المجمع لأجل غير مسمى، في ظل انخفاض مستوى نهر كارون الواقع بمدينة عبادان، ما أدى إلى ارتفاع مستوى المياه المالحة على المياه العذبة، إلى حد أن اعترف غلامرضا شرفي ممثل عبادان البرلماني، في مطلع يونيو الجاري، بعدم صلاحية المياه هناك حتى للاستعمال الشخصي، لتسببها في مشاكل جلدية وصحية متفاقمة...من جهتها, أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها مؤخراً، بحسب تقديرات أحد خبراء مركز ستيمسمون للأبحاث، أن نحو 12 محافظة إيرانية من أصل 31 ستكون عرضة لفقدان مصادر المياه العذبة بها خلال الـ50 عاماً المقبلة...

 

وتشير تقارير غربية إلى أن إساءة استخدام مصادر المياه في إيران على مدار عقود أدت إلى أزمة شح المياه العذبة، وقد ساعدت على تعميقها عوامل أخرى مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، حيث كانت ضمن العوامل التي دفعت إلى خروج احتجاجات حاشدة مطلع يناير الماضي ضد نظام الملالي، بحسب ما يقول الباحث أمير توماج في مقال نشرته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات...

 

ويضيف توماج أن "سياسات الحكومات الإيرانية المتعاقبة أدت بشكل منهجي إلى الإسراف في استخدام المياه" إضافة إلى عوامل أخرى مثل "الفساد وانعدام الرؤية الصائبة وبناء مليشيات الحرس الثوري السدود دون عوائق وعدم كفاية الهياكل الأولية لتوزيع المياه والمشروعات الزراعية غير المجدية وتدني نوعية المياه"...

 

ويبرهن توماج على صحة وجهة نظره بارتفاع نسبة الملوحة بسرعة كبيرة في نهر كارون الواقع بإقليم الأحواز ذي الأغلبية العربية جنوب البلاد، والذي يعد أحد أكبر أنهار إيران، وذلك بعدما شيدت عليه مليشيات الحرس الثوري سد كوتفند في أرض قريبة من أحواض ملحية، رغم التحذيرات من آثار المشكلة...