دموع .. بل شموع
9 شوال 1439
محمد المهنا

ذكر الحافظ ابن رجب في «ذيل الطبقات» في ترجمة الشيخ مجد الدين الحرّاني: أنه كان شيخاً صالحاً، وكان لا يَذْكُرُ النبيَ ﷺ في درسه إلا ودموعه جارية، لا سيما إذا ذَكَر أحاديث الرقائق والوعيد.

 

قلت: هذا النَمَط من الشيوخ الصالحين، لهم تأثيرٌ بالغٌ على قلوب تلاميذهم والمتلقّين عنهم، وقد عبّر ابن الجوزي عن ذلك بقوله في «صيد الخاطر»: لقيتُ مشايخ أحوالهم مختلفة، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم لي: العامل منهم بعلمه، وإن كان غيرُه أعلمَ منه.

ثم قال: ولقيتُ عبدالوهّاب الأنماطي، وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى، فكان بكاؤه يعملُ في قلبي ويبني قواعد.

 

ولقد أذكرني كلامُ ابنُ الجوزي هذا، حالَ شيخِنا الجليل العلّامة حسن بن عبداللطيف المانع (تلميذ الشيخ محمد بن إبراهيم وزميل الشيخ ابن باز) فقد كان قريبَ الدمعة، سريعَ التأثّر، كثير الاستعبار إذا ذَكَر النبي ﷺ.

ومما أتذكّرُه من حاله -رحمه الله- أني دخلتُ عليه ليلةً من الليالي بعد صلاة المغرب في بيته بحي سلطانة بالرياض، وكان من عادته الجلوس لاستقبال الزائرين، فجئتُه ولم يكن عنده أحد، فقال لي: أعجبتني تلاوة هذا القارئ، فهل تعرفه؟ ووضع الشريط في المسجّل فابتدأ القارئ (وهو الشيخ عبدالودود حنيف) يقرأ أوّل سورة غافر، فلمّا سمع الشيخ الآيات، بكى وأخذ يردّد: غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب..

 

رحِم الله مشايخنا، وغفر لهم، وجمعنا بهم في عِلّيين. آمين.