فرنسا الممزقة.. تكره البطل "مامودو" وتكرّمه!!
15 رمضان 1439
منذر الأسعد

اليوم الاثنين – 12 رمضان 1439 ويوافقه: 28/5/2018 بالتقويم الغربي- كان يوماً غير عادي في فرنسا..

عمل استثنائي

في قلب العاصمة باريس – التي يزعم الفرنسيون أنها عاصمة الأنوار ويردد ذلك ببغاواتها في بلاد الملونين الذين تحتقرهم فرنسا- كان طفلٌ في الرابعة من عمره، يتدلى من شرفة منزله في الطابق الرابع، ويوشك أن يسقط على الأرض فيلقى حتفه أو ينتهي معاقاً إعاقات لا يعلمها إلا الله سبحانه.

 

الناس يشاهدون المنظر بجزع لكنهم لم يحركوا ساكناً.. مرَّ شاب مسلم من جمهورية مالي، فوثب على الجدران وتسلقها فبلغ الحاجز الحديدي الذي يمسك به الطفل، وأنقذه خلال 30 ثانية!

 

العمل بطولي بكل المقاييس.. وكان طبيعياً أن يحظى بتقدير الجميع، بدءاً من الجمع الذي اكتفى بالمشاهدة في موقع الحدث، مروراً برجال الدفاع المدني والشرطة الذين هرعوا إلى المكان، وبالجمهور العريض الذي شاهد العمل البطولي على مواقع التواصل الاجتماعي ..فقد انتشر الفيديو انتشاراً مدهشاً فوصل إلى الترند- أي ذروة الفيديوهات الأكثر مشاهدة - خلال ساعة.

 

وكان ختام الموقف المفاجئ كله، استقبال الرئيس الفرنسي نفسه للبطل : مامودو غاساما.. والثناء على شجاعته النادرة، ومنحه الجنسية الفرنسية بقرار رئاسي تكريماً لفعله النبيل.

 

وما زاد من روعة شهامة مامودو أنه عندما قفز ليحمي الطفل من مصير مخيف، نسي أنه مهاجر غير قانوني وأن الشرطة التي ستأتي لا بد أن تسجنه، لتتولى أجهزة الهجرة ترحيله من حيث أتى! وخاصة بعد إدخال تعديلات طازجة على قانون الهجرة، استفزت سائر المنظمات الحقوقية الغربية والأممية، فشجبته بقوة، لما ينطوي عليه من عسف وظلم في حق طالبي اللجوء!!

 

العنصريون غاضبون!

"هذا شاب رياضي وذو جسم ممتاز فلماذا يترك بلده ويأتي إلى هنا، بينما يذهب جنود فرنسيون إلى هناك ليموتوا لتخليص تلك البلدان من شر الإرهاب؟"!

 

هذه هي "مكافأة" تيار الكراهية العنصرية الجارف في بلد " الأنوار"، لشاب جازف بحياته لينقذ طفلاً كان يمكن أن يلقى مصرعه!

 

إن مامودو استوفى كل شروط  لكي يكون بغيضاً نموذجياً: مسلم- إفريقي- أسود البشرة!! ومهاجر تسلل إلى " الفردوس المزعوم" خلسةً!

 

لكن الصفعة جاءت هؤلاء من القلة الصادقة مع نفسها من الفرنسيين أنفسهم.. قالت ناشطة حقوقية مرموقة: " إن ما جرى يلخص مأساتنا.. أن تقامر بحياتك لكي نعترف بأنك إنسان!!"!

 

قالت فأوجزتْ وصدقتْ ونسفت النفاق الغربي كله في الجو نسفاً.

طبعاً لا يسعنا أن نطالبها بأن تقول كل شيء في تغريدة لها حدودها وظروفها..

 

كان يمكنها أن تقول للعنصريين الكارهين المكروهين ما قاله أكثر من مفكر غربي محترم: لولا سياسات الغرب الجائرة لما وجد الإرهاب فرصة للوجود..

 

وكان يمكنها أن تضيف: اطلعوا على إحصاءات الغرب الرسمية لأعداد المدنيين الذين أزهق الغرب أرواحهم خلال محاربته للإرهاب ..

 

وكان يمكنها أن تقول: ماذا فعلتم لإرهاب الصهاينة الذي ليس له مثيل؟

 

ألستم تتفاخرون بتأييد وحشية نظام بشار الذي قتل مليون شخص وشرَّد 14 مليون سوري؟

 

ألا تتعامون عن جرائم القتل الطائفية برعاية خامنئي، وتهرولون لعقد الصفقات التجارية معه، على حساب الأبرياء ومستقبل الأمن والاستقرار في الخليج العربي والمشرق العربي برمته؟

 

هل كان في الجزائر إرهاب سنة 1832 عندما احتلتها فرنسا وقررت الاستيطان فيها على أنها قطعة من فرنسا، لولا أن مكَّن الله المجاهدين من طرد الغاصب الأثيم؟