عن الضربة قبل أن تبدأ
27 رجب 1439
أمير سعيد

لا ندري على وجه الدقة كم من الساعات أو الأيام تفصلنا عن الضربة التي تتوعد واشنطن وحلفاؤها بتوجيهها لنظام بشار الأسد، لكن ما ندريه أن بشار ليس هدفاً لها بعد أن وفرت له الولايات المتحدة فرصة جيدة للاختباء في مكان آمن تضعف كثيراً من احتمالات استهدافه حتى لو لم يكن قد تلقى وعوداً وضمانات بأنه ليس مستهدفاً من هذه الضربة.

 

 

ما ندريه أيضاً أن سبع سنوات عجاف مرت على الثورة السورية قيد فيها العالم الذي تقوده الولايات المتحدة يد الضحية عن أن تنتصر إذ أصابها البغي، وأطلق يد الجاني الذي ارتكب كل المحرمات والجرائم الدولية في تنفيذ تلك الجرائم، ومنعت يد "العدالة الجنائية الدولية" أن تطاله، برغم انتهاكه المستمر لقوانين الحرب، ووقوع جميع أعماله العسكرية ضمن كافة بنود جرائم الحرب الدولية، واقترافه جرائم واضحة ضد الإنسانية.

 

 

ما ندريه كذلك، أن الولايات المتحدة لن تقوم بضربتها إلا بعد أن اطمأنت إلى أن معظم أراضي سوريا قد عادت مجدداً إلى حيز الاستعباد والديكتاتورية، وأنه أضحى من الصعب على الفصائل السورية استردادها بعد أن حددت واشنطن حدود "المقاومة" بدقة ورسمت خطوط "الثورة" بحيث تضمن لها الفشل من حيث بدا أنها تقود دولاً لدعمها وإنجاحها، فكانت الخطوط الحمراء التي منعت الفصائل من تجاوزها، وبطأت من وتيرة التحرير حتى تدخل "حزب الله" ثم ميليشيات العراق وأفغانستان وإيران ثم الحرس الثوري وصولاً إلى التدخل الروسي الحاسم الذي لم تمانع واشنطن حصوله ولم تعمل أبداً على عرقلة عمله.

 

 

ما نستوعبه أن النصر لا يأتي من أعداء تحرر سوريا وانعتاقها من نير احتلال روسي إيراني نصيري مزمن، وما نفهمه أن الفرصة حين كانت سانحة لدعم الأحرار الحقيقيين الذين بدؤوا نضالهم قبل أن يسرقه المنتفعون والعملاء، وحين كان من الممكن تزويد هؤلاء بمضادات أرضية لوقف الإجرام النظامي منذ بدايته، ما يوفر نزالاً متكافئاً على الأرض، سيكون له نتيجته الحاسمة، دون الحاجة لتدخل جوي من جانب الولايات المتحدة وحلفائها؛ فإن الولايات المتحدة وحلفاءها قد تعمدوا ضياع هذه الفرصة، وإفشال جهود الأحرار بتواطؤ غربي واضح مع المعتدين.

 

 

ما لم يسع أحد التغاضي عنه، هو أن الشعب السوري أريد له أن يشتعل كوقود لاستراتيجية غربية تهدف لما يلي:

-    الحؤول بينه والحرية والاستقلال.
-    استغلال نضاله لاستنزاف خصوم الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما روسيا.
-    تلقين كل حر في العالم درساً قاسياً، خلاصته أن ثمن الحرية والانعتاق باهظ الثمن جداً، ودونه ملايين الشهداء والجرحى والمهجرين، وذهاب الثروات والأوطان، ومنح أي مستبد أجير رخصة مفتوحة للقتل والتدمير متى كان ذلك في سبيل إذلال الشعوب وتدجينها.
-    الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني ضد أي محاولة لتحرير بعض حدوده.

 

 

وما لا ينبغي تجاهله، أن أي ضربة يمكن أن توجه للنظام السوري هي لن تفيد حرية الشعب السوري ونضاله نحو الانعتاق والاستقلال عن الاحتلال المباشر وغير المباشر. ليس لأن هذا ما يقود إليه "سوء" ظننا الواجب بالأمريكيين، لا، بل لأن منطق السياسة وأبجديات العسكرية تفضي إلى دقة ذلك، كون أي ضربة جوية لا تستفيد منها قوات حليفة على الأرض، أو معادية للنظام فقط، لا يمكن أن تغيير الواقع على الأرض. يمكنها بالتأكيد أن تغير المعادلة بين واشنطن وموسكو، أو بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين من جهة, والروس والإيرانيين من جهة أخرى. يمكنها أن تؤجل عدواناً على ما تبقى من الغوطة أو لم يتبقَ! أو على إدلب أو بعض الجيوب هنا وهناك، لكنها لا تغير من واقع السوريين البائس، الذين تركوا نهباً لدببة روسيا، وذئاب إيران، وثعالب سوريا وخونتها.

 

 

ننتظر إذن ضربة محدودة، ولو كانت قوية في ظاهرها، ننتظر تقليم لأظافر بوتين، ننتظر – ربما – انحناءة منه للعاصفة أو تهوراً محدوداً، ننتظر تسوية مجحفة يتبعها استنزاف من نوع جديد في عملية إعادة إعمار سوريا.. ننتظر ما ننتظر سوى تبني الأعداء لمشاريعنا واضطلاعهم بدورنا الذي تخلينا عنه وعاندناه.