التشغيب على أحكام الإسلام عربيا
7 رجب 1439
د. زياد الشامي

مع تواتر الأدلة التي تثبت صحة ما جاء في دين الله الخاتم من أحكام وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان يزداد تشغيب أعداء الإسلام في الداخل والخارج على بعض تلك الأحكام وتتضاعف محاولات الطعن فيها والتشويش على مدى ملاءمتها وصلاحيتها للتطبيق في القرن الواحد والعشرين .

 

 

وإذا كان التشغيب على دين الله والتشويش على ثوابته ومحاولة الطعن ببعض أحكامه عادة ما يأتي من غير المسلمين ويصدر ممن يكنون له العداء ويضمرون له السوء ويكيدون له بالليل والنهار فإن الأشد منه وطأة صدور مثل تلك المحاولات من بني جلدتنا وممن ينتسبون للإسلام بل ويتكلمون باسمه أحيانا .

 

 

لا يجد أمثال هؤلاء بأسا في أن يجدع أحدهم أنفه بيده وأن يهدم بيته بنفسه وأن يضرب مجتمعه وأمته في الصميم من خلال المشاركة في التنكر للهوية والتشغيب عليها والتشويش على مرتكزاتها لصالح عدو يتربص به وبأمته السوء و لا يرقب فيه ولا فيهم إلّا ولا ذمة .

 

 

كثيرة هي الأحكام الإسلامية التي ما فتأ أذناب الغرب وأتباعهم في دولنا العربية والإسلامية يرددونها في كل مناسبة على مختلف وسائل الإعلام كــ حجاب المرأة المسلمة ونقابها ولباسها بشكل عام وتطبيق الحدود كقطع يد السارق ورجم الزاني المحصن وجلد من يقذف المحصنات المؤمنات...... ولم تسلم أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية من تلك السهام وذلكم التشويش والتشغيب بالتأكيد .

 

 

الميراث بالتعصيب كان الهدف التي تم توجيه سهام التشكيك فيه والتشويش عليه من قبل شخصيات مغربية نادت أول أمس الأربعاء وطالبت بـ"إلغاء العمل به " معتبرين أنه لم يعد مناسبا للنظام الاجتماعي الراهن وينتج عنه "ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام" حسب زعمهم .

 

 

النداء الذي وقع عليه وزراء سابقون ورؤساء أحزاب و "باحثون" في الدراسات الإسلامية وعلم الاجتماع والقانون وحقوقيون وإعلاميون جاء فيه أن قانون المواريث في المغرب "يعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد , في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا".

 

 

الموقعون على النداء اعتبروا أن الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه - حسب زعمهم - حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية "هشة" إضافة إلى تحملهم مسؤولية الدفاع عن القبيلة وضمان عيشها بينما لم يعد هذا النظام الاجتماعي سائدا في عصرنا حسب قولهم .

 

 

وأضافوا : إن نظام الإرث عن طريق التعصيب في السياق الاجتماعي الحالي وما عرفه من تغير في البنيات والأدوار الاجتماعية "ينتج عنه ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام" متسائلين : "ما الذي يبرر أن يظل الأقارب الذكور (الأقربون أو الأبعدون) يتقاسمون الإرث مع فتيات يتيمات لا يتحملون مسؤوليتهن المادية أو المعنوية في شيء؟".

 

 

وبعيدا عن مناقشة من يرفعون شعار وجوب تغيير أحكام الإسلام تبعا لتغير الزمان من أتباع الغرب وأذنابه طمعا في إلغاء تلك الأحكام واستبدالها بقوانين غربية وضعية ....فإن ما يستند إليه الموقعون على النداء لا يمت للحقيقة والمنطق بصلة , فليس كل من يرث بالتعصيب لا يتحمل مسؤولية من يعول من الإناث التي أوجب الإسلام عليه رعايتهن .

 

 

ثم من قال أن الإرث عن طريق التعصيب يختص بالرجال دون النساء , فمن أبجديات علم المواريث في الشريعة الإسلامية أن هناك ما يسمى بــ العصبة مع الغير : وهي كل أنثى تصير عصبة مع أنثى أخرى كالاخت الشقيقة فأكثر والأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت الابن فأكثر , ومن هنا اشتهر على الألسنة القاعدة المعروفة : الأخوات مع البنات عصبات .

 

 

ولعل أغرب ما جاء في نداء المطالبة بإلغاء نظام الإرث عن طريق التعصيب من قانون المواريث المغربي هو اعتبار الميراث بالتعصيب ليس له أي سند في القرآن الكريم !!! في تجاهل واضح وتغافل متعمد للآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ساقها علماء الأمة الثقات لإثبات مشروعية هذا الحكم الشرعي .

 

 

قال تعالى : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ } النساء/11 نصت الآية على نصيب كل من الأبوين عند وجود أولاد للميت وهو السدس, وقد ذكرت الآية نصيب الأم فقط في حالة وجود الولد ولم تذكر نصيب الأب مما يعني أن الباقي بالتعصيب .

 

 

وقال تعالى : { إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ليْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ } النساء/176 دلت الآية على أن الأخ الشقيق ليس له فرض مقدّر وإنما يأخذ كل المال إذا لم يكن لها ولد وهذا معنى العصبة , وفي نفس الآية ما يدل على العصبة بالغير : { وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...} .

 

 

كما أن حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حكم الإرث بالتعصيب صريح في قوله : ( أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) صحيح البخاري برقم/6732

 

 

إن عدم استناد من يحاولون التشويش على أحكام الإسلام والتشغيب عليها إلى أي دليل من أي نوع ليس بالجديد فهم لا يعتمدن في الترويج لأباطيلهم على الحجة القوية بل على القوة المادية التي لا تسمن ولا تغني في ميزان ومقياس العلم شيئا .