المؤتمر العلمي للحسبة...الأمن الفكري أولا
3 جمادى الثانية 1439
د. زياد الشامي

عرّف جمهور فقهاء الإسلام الحسبة بأنها : ولاية دينية يقوم الحاكم – ولي الأمر - بمقتضاها بتعيين من يتولى مهمة الأمر بالمعروف إذا أظهر الناس تركه والنهي عن المنكر إذا أظهر الناس فعله ، صيانة للمجتمع من الانحراف وحماية للدين من الضياع وتحقيقا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقا لشرع الله تعالى .

 

 

نصوص القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم دلت على مشروعية الحسبة , قال تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران/104 , وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) . صحيح مسلم برقم/78

 

 

كما أجمع علماء الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استنادا إلى نصوص كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم ولم يخالف في ذلك أحد منهم .

 

 

أول من قام بالحسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعه في ذلك الخلفاء الراشدون وأصحابه الكرام بأنفسهم , و مع توسع رقعة الدولة الإسلامية وكثرة أعباء الخلفاء كان من الضرورة بمكان تعيين من يرونه أهلا للقيام بهذه المهمة والواجب .

 

 

وضمن إطار دعم نظام الحسبة وترسيخ ضرورته في المجتمع ومحاولة تطوير سبله و وسائله وتأكيد أهمية هذا النظام الإسلامي الفريد لضمان الأمن الفكري نظمت جامعة أم القرى ممثلة في المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «المؤتمر العلمي للحسبة : انتماء وطني وأمن فكري» خلال الفترة من ٢٧ إلى ٢٩/ ٥/ ١٤٣٩هـ وذلك بقاعة الملك عبدالعزيز التاريخية بالمدينة الجامعية بالعابدية .

 

 

ناقش المؤتمر في أيامه الثلاث أربعة محاور هي : مفاهيم الاحتساب في الإسلام,  والحسبة وتعزيز قيم الانتماء الوطني , والحسبة ودورها في تعزيز الأمن الفكري في المجتمع, ودور القطاعات الحكومية ومؤسسات التنشئة المجتمعية والعمل الخيري في توظيف الاحتساب لتعزيز قيم الانتماء الوطني والأمن الفكري .

 

 

يبدو جليا تركيز المؤتمر على مسألة دور الحسبة في تعزيز الأمن الفكري في المجتمع وحمايته من التيارات الفكرية المنحرفة الوافدة التي لا تنسجم مع تعاليم ديننا الحنيف ومبادئه وقيمه .

 

 

بيّن المشاركون في المؤتمر أن الحسبة مسؤولية تعم أفراد المجتمع من الأسر والأبناء، ومسؤولية رسمية بالمحتسبين خاصة فيما تكلفهم به الدولة وفق صلاحياتهم المحددة بنظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحفظ الأمن والنظام العام للمجتمع، والتقيد بالضوابط الشرعية والتوجيهات النظامية في رعاية حقوق أفراد المجتمع والتزام الآداب بينهم .

 

 

ومن المقترحات التي نادى بها المشاركون في المؤتمر : توسيع نشاط الحسبة لتشمل شبكة التواصل الاجتماعي باعتبارها إحدى السبل التي قد تُسهم في تطوير نشاط أعمال الحسبة، والتأكيد على توسيع دائرة الحث على العمل بالمعروف ودعم وتشجيع إشراك العاملين في أعمال الحسبة من فئات أخرى كالنساء وبعض مؤسسات المجتمع النظامية المختلفة ، والعناية بالوسائل الحديثة والمبتكرة في الأداء الاحتسابي .

 

 

كما طالب المشاركون بالارتقاء بأعمال ومهام الحسبة وأدائها بما يسهم في الأمن الفكري ويحقق الانتماء الوطني، والتأكيد على ضرورة عمل دراسات علمية جديدة تستشرف مستقبل الحسبة وتطبيقه، تعتمد على الاستقراء والاستنباط والتحليل.

 

 

وخلال الجلسة الختامية لأعمال المؤتمر التي ترأسها مدير جامعة أم القرى الدكتور بكري بن معتوق عساس أوصى المشاركون بعدة أمور أهمها :

 

1- اتخاذ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة وقربة وطاعة لله تعالى وفق النصوص الشرعية والمقاصد المرعية ، داعين إلى الاهتمام بشعيرة الحسبة ودعم برامجها ومناشطها التي تؤدي إلى تحقيق الأمن الفكري والانتماء الوطني ، والإفادة من تجربة المملكة العربية السعودية الناجحة في هذا المجال .

 

2- ضرورة تضافر جهود العلماء والدعاة والموجهين والمربين والإعلاميِّين لرفع وعْي أفراد المجتمع بحاجتهم إلى الحسبة الفاعلة المنتجة للأمن والاستقرار في المجتمع .

 

3- إنشاء مركز تميز بحثي تتبناه جامعة أم القرى ممثلة في المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخدمة شعيرة الحسبة بهدف استثمار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

 

4- الارتقاء بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدراسات الحسبة المعاصرة وفق المستجدات .

 

5- إعداد كوادر بحثية متخصصة لتعميق البحث العلمي في دراسات الحسبة وتفعيل مقاصد الشريعة المحققة لذلك .

 

5- أن يكون هذا الملتقى المبارك هو باكورة لغيره من المؤتمرات التالية له والمستمرة في معالجة ما يستجد من قضايا الحسبة وشؤونها، وأن يكون دولياً حتى يعم النفع.