وهل كان العم سام ينوي وقف مراقبة المسلمين ؟!!
22 جمادى الأول 1439
د. زياد الشامي

سؤال استنكاري لا استفهامي يتردد في ذهن المطلع على مسوّدة التقرير الصادرة عن وزارة الأمن الداخلي في الولات المتحدة الأمريكية التي طالبت فيه السلطات بمواصلة مراقبة من وصفتهم بـ "المهاجرين من المسلمين السنة الذين يشكلون خطراً" حسب زعمها وقدمت اقتراحا بمراقبة طويلة الأمد للمهاجرين إلى الولايات المتحدة.

 

 

تذرع التقرير الذي حصلت "فورين بوليسي" على نسخة منه بالهجمات التي تمت في الولايات المتحدة ما بين  أكتوبر 2001 و ديسمبر 2017 ليخلص إلى أنه سيكون من الجيد إجراء الحكومة الأمريكية تقييماً مستمراً للأشخاص المعنيين.

 

 

التقرير يوهم القارئ والمطلع عليه للوهلة الأولى بأن سلطات العم سام كانت على وشك وقف مراقبة المسلمين على أراضيها - وخصوصا منهم المهاجرين – أو ألمحت او أظهرت شيئا من تخفيف عنصريتها وعدائها المزمن لأتباع الدين الحق لتنبري وزارة الأمن الداخلي وتوصي بالاستمرار في مراقبة المسلمين !!!

 

 

والحقيقة أن المدقق بين سطور التقرير يدرك حجم تضخم سرطان العنصرية الخبيث في جسد مؤسسات العم سام , وتنامي ظاهرة التصريح والتبجح بالعداء والتمييز ضد مسلمي أمريكا , وتسابق إدارة ترامب في تكريس واقع جديد وفرض مرحلة جديدة من مراحل حمى الاسلاموفوبيا .

 

 

فما معنى صدور مثل هذا التقرير في الوقت الذي تزداد فيه تصريحات ساكن البيت الأبيض عنصرية وتتوالى فيه تغريداته المحرضة ضد المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ....سوى تشديد الإجراءات المشددة أصلا ضد الموحدين وتكريس ظاهرة التمييز غير المسبوقة بحقهم ومحاولة تشويه صورتهم وتحميلهم جريرة كل ما تنوء به ولايات العم سام من موروثات العنصرية المقيتة وتنمر العنف والكراهية .

 

 

إن من يتابع سياسة العم سام تجاه المسلمين تحديدا يدرك أنهم مراقبون منذ ما قبل أحداث الـ11 من سبتمبر 2001م , وأن تتبع خطواتهم وعد أنفاسهم والتجسس على أدق خصوصياتهم يزداد مع كل زائر جديد للبيت الأبيض , وأن عهد ترامب يعتبر الأكثر تصريحا بتلك المراقبة وذلك التجسس من سابقيه .

 

 

حقيقة كون المسلمين هم ضحايا الحقد والكراهية والعنف وأن من يستحق المراقبة وتتبع السلوكيات هم من يسومونهم سوء المعاملة والاضطهاد....تبوح به التقارير والدراسات الكثيرة الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها .

 

 

العديد من التقارير الإعلامية الأمريكية تشير إلى ازدياد كمية الاعتداءات ضد النساء المسلمات في الولايات المتحدة وخصوصا المحجبات منهم في عهد ترامب , كما أن آراء الشخصيات والمراكز الإسلامية الأمريكية قد أجمعت على ازدياد الكراهية تجاه المسلمين وكذلك السلوكيات العنصرية ضد الملونين عقب تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة منذ عام .

 

 

"إبراهيم هوبر" مدير ومؤسس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية قال : إن الكراهية تجاه المسلمين زادت في الولايات المتحدة بسبب تصرفات الرئيس ترامب , مضيفا في مقابلة مع صحيفة "إندبندنت" البريطانية نشرت في وقت سابق : إن "المسلمين باتوا عرضة للكراهية والتعصب ضدهم، والإسلاموفوبيا أكثر بكثير مما كانت عليه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر /أيلول".

 

 

ومع إتمام ترامب لعامه الأول في الحكم أعلن هوبر أن كثيرا من المسلمين باتوا يخشون من إظهار شعائرهم الدينية ، كما ألمح إلى أن العنصريين في أمريكا ومن وصفهم بــ"النازيين الجدد" باتوا في عهد ترامب أكثر جرأة في المجاهرة بعدائهم لغير البيض والأقليات ، وأن الوضع بذلك يبدو أسوأ مما كان عليه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لأن "تلك الأصوات العنصرية المتعصبة لم تكن تجاهر بعنصريتها، أما الآن فقد باتت تفاخر بها". مشيرا إلى أن الكثير من أحداث العنف ضد المسلمين تصدرت أخبار العالم .

 

 

مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية جمع بعض تفاصيل حوادث وجرائم كراهية ناتجة عن الإسلاموفوبيا لا تحظى عادة بتغطية كبيرة , وكشفت المنظمة أنها سجلت 1656 ما يسمى بـ"حوادث الأحكام المسبقة" في الفترة بين يناير /كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2017، كما سجلت 195 جريمة كراهية، أي بزيادة 9 % في إجمالي "حوادث الأحكام المسبقة" و20 % زيادة في جرائم الكراهية مقارنة بعام 2016.

 

 

منسقة البحث بالمنظمة زينب أريان قالت : إنه "بناء على التقديرات الأولية فمن العدل القول : إن عام 2017 يتجه ليكون الأسوأ فيما يتعلق بالحوادث ضد المسلمين منذ بداية نظامنا في التوثيق".

 

 

السلوك المنطقي تجاه هذه الحقائق والأرقام هو توجيه اهتمام السلطات الأمريكية إلى محاولة كبح جماع العنصرية المتفشي بين أبنائها , وصرف إجراءات تشديد المراقبة نحو المجرمين والعنصريين لا الضحايا وأكثر المتضريين من ظاهرة الاسلاموفوبيا .

 

 

توصيات تقرير وزارة الأمن الداخلي الأمريكي في حال تمّ تنفيذها فإنها ستشكل توسعاً لسياسات ترامب التي تستهدف العديد من المهاجرين المسلمين، وتوسيع نطاق التدقيق من أولئك الذين يحاولون دخول الولايات المتحدة إلى المقيمين الدائمين فيها بشكل قانوني.

 

 

العنصرية والتمييز الواضح في التقرير اعترف به مصدر مطلع في وزارة الأمن الداخلي الأمريكي الذي قال : إن التقرير سيدفع بصانعي السياسات إلى القيام بمراقبة غير عادلة وعنصرية لمجموعات عرقية معينة كما أنه قد يدفع بهم إلى التغاضي عن تهديدات أمنية كبيرة.

 

 

وعبّر مسؤول سابق في وزارة الأمن الداخلي عن قلقه من الطريقة التي صيغ بها التقرير قائلا : إن التقييم يعتمد على تصنيف لمجموعة محددة جداً من المهاجرين , فيما قال آخر إن التركيز على فئة محددة من المسلمين تثير القلق .

 

 

فهل ستصغي الوزارة إلى مثل هذه الأصوات ؟!! أم إنها ستصر على ما جاء في التقرير الذي يوصي من لا يحتاج إلى توصية بالاستمرار في مراقبة المسلمين الذي لم يتوقف أصلا ولم تظهر أي بوادر لوقفه أو حتى تخفيفه ؟!