مقاومة أهل العراق .. طبيعة الانجاز الوطني
13 جمادى الأول 1439
طلعت رميح

تبقى دماء شهداء المقاومة العراقية عنوانا لمستقبل العراق الوطني الحر المستقل، فشهداء مقاومة أهل العراق للاحتلال الأمريكي، لم تكن دماؤهم عنوانا لمرحلة مواجهة الاحتلال في وقتها فقط، بل رسمت نقاط دمائهم خط سير العراق إلى المستقبل وحددت ملامحه.

 

 

وكل المعارك الجارية منذ اندلاع المقاومة العراقية وحتى الآن، وكل ما تشهدونه من عمليات سياسية وصراعات لصوص المال والسلطة وأعمال القتل والإرهاب، وجميع ما جرى ويجري من سلطات الاحتلال، ليست إلا محاولة لمواجهة ما أحدثته هامات هؤلاء الأبطال من تغييرات في مشهد المواجهة.

 

 

وكل ما يقوم به المحتل (الأمريكي والإيراني) منذ انطلاق المقاومة وحتى الآن ليس إلا محاولة لتغيير مجرى النهر الوطني الذي تدفقت فيه دماء مقاومة أهل العراق، فرسمت به الخط التاريخي والبديل الوطني لعراق المستقبل.

 

 

لقد اقتربت الذكرى، لكن فعل المقاومة وطريقها ليس ذكرى تحيي بل هو خط عقائدي وتاريخي باق يتجسد ويضيء على كل ما جرى من وقتها وحتى الآن، ويحدد خطوات المستقبل.

 

 

وإن كانت مثل تلك الأيام من عام 2003م، تذكرنا بأجواء عاصفة، ورياح بارود ودماء تتجهز للتجمع في سماء العراق، تمطر أهله وأرضه بالموت، مملوءة بغرور وعجرفة أمريكية بأن النصر على العراق قادم لا محالة، وأن احتلال هذا البلد لن يستغرق وقتا، وبأن العراقيين سيلاقون قوات الاحتلال بالورود تحت ضغط الخوف من جبروت تكنولوجيا القتل – وكلها كانت عناصر الحرب النفسية - فقد كان رد أهل العراق مباغتا للمحتل، كان الرد العراقي المقاوم مزلزلا غيّر اتجاه حركة الأحداث استراتيجيا من وقتها وحتى الآن.

 

 

فالمقاومة وخطها الثابت لا تغيره ألاعيب الاحتلال، ولا تكتمه حركة الأحداث المصنوعة ولا حكايات أو حتى جرائم من تعاونوا معه.

 

 

تحت ضربات وانتصارات المقاومة، تغير اتجاه المعركة وأصبحت القوة الأمريكية الغاشمة في موضع الهزيمة لا في موضع التساؤل عن امكانية الانتصار، جرى البحث عن أخس البشر، وأنكى أنواع الفتن، وتقدمت إيران ومن معها، لتحمل هي وهم تبعات الجرم التاريخي، وتحويل هزيمة المحتل إلى بقاء لمصلحتها ومصلحتهم على حساب الوطن والمجتمع والدماء .. والقيم الإنسانية.

 

 

فور دخول قوات الاحتلال للعاصمة العراقية بغداد، بوغت العدو بانهيار كل المنظومات التي مارسها من حرب نفسية وخداع، فقامت المقاومة بدور الصد النفسي المبكر والحاسم، بما أوقف مفاعيل الانكسار النفسي الذي عاشته مختلف الشعوب التي عاشت تجربة انكسار جيشها أمام جيش الاحتلال، بل حولت المقاومة، غرور المحتل إلى انكسار وهزيمة نفسية مبكرة.

 

 

ولم يتوقف دورها عند تشكيل حائط الصد، بل كانت عنوانا لتشكيل منظومة القوة والقدرة للشعب العراقي، بما حققته من قدره على الاستمرار في المواجهة، وحين حققت حالة قدرة الشعب على رفض الاحتلال وتقديم التضحيات وحققت الانتصار.

 

 

كانت المقاومة عنوانا راسخا للحالة والفكرة والرمزية الوطنية، وهو ما لم يتجسد فقط، في فكرة مقاومة الغزو والاحتلال - التي جلبت اجماعا وطنيا على رفض ومواجهة الاحتلال وعلى كذب إدعاءات صدرت بترحيب الشعب العراقي بالمحتل - بل لإصرارها على تأكيد فكرة المقاومة الوطنية العراقية رغم جريان وقائعها الأكبر في مناطق وسط العراق.

 

 

تحدد الخط الوطني، وتحدد المسار لصناعة وصياغة المستقبل، وهكذا إذ منعت الظروف الإقليمية والدولية من تجسيد نصر المقاومة في صورة بناء الدولة عند انسحاب قوات الاحتلال، وكذا إن كان البعض قد تصور أن المقاومة كانت ورقة طويت في تاريخ الصراع، بحكم ما جرى ويجري من جرائم أو من أحداث العملية السياسية أو من تشكيل ميلشيات الارتزاق والإرهاب، فما عليهم إلا استعادة الوعي التاريخي بصراعات الأمم ضد ظواهر الاحتلال.

 

 

لقد قاومت كل شعوب الدنيا احتلال الأوطان، ولم يهزم شعب مقاوم وفق صيرورة تاريخية معروفة، كان الاحتلال يرسخ حضوره باعتباره الأقوى، ثم تمضي سنون قل عددها أو كثر، لتنتصر الشعوب في النهاية، إذ تعود الشعوب لمقاومتها الضاربة مرة أخرى ولو بعد حين.

 

 

وقد زادت سنون بقاء وحضور الاحتلال في أراضي بعض الأمم نحو قرن ونصف من الزمان، وفي بعض من تجارب التاريخ جاء احتلال جديد ليتسلم من الاحتلال الأول مهام استنزاف الحضارة والثروة، لكن مقاومة الشعوب تعود إلى عنوانها الأول وتهزم المحتل، وحينها يكتشف الجميع أن المقاومة الأولى لم توضع على رفوف وملفات التاريخ، بل كانت دماء تسري وتنبت.

 

 

وتلك أحد ملامح المنجز الوطني لمقاومة أهل العراق.

 

 

المصدر/ الهيئة نت