حكم الخروج من المسجد بعد الأذان
18 شعبان 1440

عن أبي الشعثاء قال: كنّا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: «أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم(1).

وفي رواية شريك بن عبد الله النخعي عند الإمام الأحمد، ثم قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلِّي»(2).

- اتفق الفقهاء على أن من كان لديه عذر شرعي فإنَّ له الخروج من المسجد بعد الأذان.

قال الترمذي - عقب روايته حديث أبي هريرة السابق-: وعلى هذا العمل عند أهل العلم ألا يخرج أحدٌ من المسجد بعد الأذان إلا من عذر(3).

- واتفقوا على أن من خرج من المسجد بعد الأذان بنية الرجوع إليه ليؤدي الصلاة التي أذن لها مع الجماعة فله ذلك.

ويستدل لما سبق بحديث عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك الأذان في المسجد، ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهذا منافق» رواه ابن ماجه(4).

- ومن الضوابط في تحرير محل النزاع أن يكون الأذان في الوقت فلو كان قبل الوقت كالأذان الأول في الفجر فليس داخلًا في النهي(5).

- ومن الضوابط أيضاً أن يكون المكلَّف في المسجد أثناء الأذان أو بعده.

قال ابن قائد: والظاهر أن وقوع الأذان وهو بالمسجد ليس بشرط... فلو دخل المسجد وقت الصلاة بعد الأذان حرم عليه الخروج كما هو مقتضى كلام (الإقناع)(6) و(المنتهى(7))(8). ا.هـ.

ومن الأعذار التي نص عليها بعض فقهاء الحنفية: إذا كان ممن ينتظم به أمر جماعة أخرى بأن كان مؤذنًا أو إمامًا في مسجد فله الخروج(9).

وأضاف بعض الفقهاء من الأعذار إذا خرج ليصلي في مسجد آخر سواء مسجد حيّه كما ذكره(10)، أو كان مسجدًا آخر يعلم أنه يدرك جماعته كما ذكره بعض الحنابلة(11).

قال ابن نجيم: ولا يخفى ما فيه إذ خروجه مكروه تحريمًا والصلاة في مسجد حيّه مندوبةٌ فلا يرتكب المكروه لأجل المندوب، ولا دليل يدل على تقييدها بما ذكره. ا.هـ.

واختلفوا في حقيقة النهي فيما عدا الصور السابقة هل هو للتحريم أو للكراهة على قولين:

القول الأول:

أن النهي للتحريم، وإليه ذهب الجمهور من الحنفية(12) والحنابلة(13) واختاره ابن حزم(14).

القول الثاني:

كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان وإليه ذهب المالكية(15)   والشافعية(16) وأبو الوفاء، وأبو المعالي من الحنابلة(17).

أدلة الأقوال مع المناقشة والترجيح:

استدل أصحاب القول الأول بما يلي:

1- حديث أبي الشعثاء عند أبي هريرة.

ووجه الدلالة منه

أن لفظة (عصى أبا القاسم) دالة تحريم الخروج من المسجد وليس الكراهة فقط إذ هو مقتضى لفظة العصيان(18).

2- حديث عثمان بن عفان السابق.

ووجه الدلالة منه:

أن إطلاق وصف النفاق لا يكون إلا على من ارتكب محرمًا.

3- عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة، وهو لا يريد الرجعة، فهو منافق». رواه أبوداود(19).

ووجه الدلالة منه كسابقه.

ونوقش:

بأنه مرسل ولا يصح.

أدلة القول الثاني:

استدل أصحاب القول الثاني بأدلة القول الأول في الجملة، وخاصة حديث أبي الشعثاء عند أبي هريرة وقصروا دلالته على الكراهة فقط دون التحريم ولم يذكروا لذلك صارف.

الراجح:

هو تحريم الخروج من المسجد بعد النداء لصراحة النهي، ولعدم وجود الصارف له إلى الكراهة وهذا هو اختيار اللجنة الدائمة للإفتاء(20).

ومن المرجحات لهذا القول لئلا يكون الخارج من المسجد بعد الأذان متشبهًا بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان(21).

دلالة النهي عند الخروج من المسجد بعد الأذان.

تقدم عرض الخلاف وأن الجمهور قد حملوا النهي هنا على التحريم؛ فهو الأصل في النهي ولعدم وجود الصارف الذي يصار إليه عند الشافعية. والله أعلم.

------

(1) صحيح مسلم: المساجد، باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن (258) (655).

(2) رواه أحمد (2/537)، والطيالسي (2588) من طريق شريك عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه، وشريك (صدوق يخطئ كثيرًا، التقريب (2802). فهذه الزيادة ضعيفة ويغني عنها الرواية الأولى.

(3) سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي (1/607).

(4) رواه ابن ماجه، أبواب الأذان، باب إذا أذَّن وأنت في المسجد فلا تخرج (719) وضعفه البوصيري (1/259) وصححه الألباني بشواهده في صحيح ابن ماجه وفي الصحيحة (2518).

(5) قال ابن تيمية: نص عليه أحمد. الفتاوى (7/496).

(6) الإقناع (1/123).

(7) منتهى الإرادات (1/147).

(8) هداية الراغب (2/54) ط التركي.

(9) فتح القدير (1/338)، النيابة مع شرح الهداية (2/568).

(10) نقله ابن نجيم في البحر الرائق (2/78) عند النهاية.

(11) مطالب أولي النهى (1/304)، فتاوى ابن إبراهيم (2/104)، لقاء الباب المفتوح للعثيمين (9/38).

(12) حاشية ابن عابدين (2/54)، البحر الرائق (2/78).

(13) الإقناع (1/123)،  المنتهى (1/147).

(14) المحلى (2/183 – 184).

(15) المنتقى(1/285)، مواهب الجليل(1/467)

(16) المجموع (3/133)، مغني المحتاج (1/325).

(17) نقله عنهما ابن مفلح في الفروع (1/325).

(18]) نيل الأوطار (2/169).

(19) رواه أبوداود في المراسيل (25) قال ابن حجر في الدراية (1/204): رجاله ثقات. ا.هـ

ومن المعلوم أن المرسل من أنواع الضعيف، وقد أخرجه عبد الرزاق (1946) مرسلًا أيضًا.

(20) فتاوى اللجنة الدائمة (5133).

(21) شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/235)، فتح الباري (2/104).