25 جمادى الثانية 1439

السؤال

إذا كان ليلة السابع والعشرين من رجب نقوم بالاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وقصته، وكيف أسري به، وكيف أصبح يحدث قومه، ونتفكر ونعتبر فيما مضى من تكذيب ومعاداة للرسول صلى الله عليه وسلم، فما الحكم في فعلنا هذا مع العلم أننا لا نذكر أحداً غير الرسول صلى الله عليه وسلم؟

أجاب عنها:
صالح بن علي بن غصون رحمه الله

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد.

فتذكّر ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وما مر به من مراحل وأدوار من أفضل الأعمال، ومن أجل القربات صلوات الله وسلامه عليه، إذا كان هذا من أجل الاقتداء والتأسي به صلوات الله وسلامه عليه، فإن جميع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم هي لنا تشريع، وهو الذي رسم لنا الطريق، فعندما يتدبر الإنسان ما جرى للمصطفى في أول أمره، وفي آخر أمره، وكيف صب، وكيف دعا الناس بالحكمة، وكيف تحمل، وكيف أنه لم ييأس صلوات الله وسلامه عليه، وكيف أن أصحابه تحملوا المشاق والمتاعب، ومنهم من مات تحت التعذيب رضوان الله عليهم أجمعين، وأن هذا لم يبعث فيهم روح اليأس، أو لم يفت في عضدهم رضوان الله عليهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً رغم ما حل به من المصائب، وواجه من العقبات والمتاعب، كان ماضياً بعزيمة لا تعرف الكلل، فإن هذا يدفع الإنسان إلى أن يكون قوي العزيمة، وصادق الإيمان، ومخلصاً في أمره، بحيث لا ينكص على عقبيه، ولا يستبطئ الإجابة، ولا يستطيل الطريق، ولا يقول إنني تعبت، أو لم أجد مساعداً، أو لم أجد من يستجيب لي، أو من يعينني أو من يقف إلى جانبي، فالنبي صلى الله عليه وسلم واجه من قومه، ومن أهل الطائف، ومن الأعراب ومن غيرهم، ومن اليهود قبحهم الله الشيء الكثير، وما زاده إلا إيماناً وطمأنينة ويقيناً ومضياً صلوات الله وسلامه عليه، وتصور هذه الأمور وقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم وهي بحق مثلاً تحيي الحماس، وتدفع الإنسان إلى أن يثق بالله – عز وجل – وإلى أن يتصور أنه ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم حصل لهم هذه الأشياء فصبروا واحتسبوا وصابروا ومضوا في سبيلهم، فإن على المسلم أن يحاول الاقتداء بهم بقدر حاله، دون يأس، أو ملل، أو كلل، هذا كله متعين على المسلم.

وأما أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به في رجب، أو أسري به في السابع والعشرين من رجب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، هذا أمر حق وواقع، ولا شك أنها مفخرة لنبينا – صلوات الله وسلامه عليه – وما كان كذلك فهو لنا مفخرة، فكل هذا يدل على رفعة مقام نبينا صلى الله عليه وسلم إلى أعلى عليين.

لكن هل كان هذا في رجب أو كان هذا ليلة سبع وعشرين من رجب مَنْ قال هذا؟ نحن والحمد لله أمة حفظ علينا ديننا، وتهيأ لهذا الدين من الحفظ ما لم يتهيأ لدين في أية أمة، فالقرآن محفوظ، والسنة محفوظة مدونة، وسيرة المصطفى أيضاً كذلك، ورجال هذه الأمة وسلف هذه الأمة لا مثيل لهم في الأمم، فهذه دواوين الإسلام موجودة، وهذه الصحاح، وهذه المسانيد، وهذه كتب التفاسير، وهذه سيرة المصطفى عطرة محفوظة، كتبها أكثر من واحد من علماء هذه الأمة الأمناء الصادقين المخلصين الأوفياء لدينهم ونبيهم وأمتهم، لم يقل أحد أنه ثبت أن الإسراء به صلى الله عليه وسلم كان في رجب، أو ليلة سبع وعشرين من رجب، وكوننا نفعل شيئاً دون دليل شرعي، فمعناه أن هذا أحدث، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ"(1).

فصلوات الله وسلامه على من لم يدع خيراً إلا دل الأمة عليه، ولم يترك شراً إلا حذرها منه، ورضي الله عن أصحابه الكرام الذين كانوا هم أولى به ممن بعدهم، وحفظوا سنته، وحفظوا هديه، وسلموه لمن بعدهم كاملاً محفوظاً غير منفوص، فرضي الله عنهم وأرضاهم.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

________________

(1) أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.