العفو وأثره في إسقاط عقوبة الإعدام
7 جمادى الثانية 1439
د. أنس محمد عوض الخلايلة - د. عبد الله عبدالقادر قويدر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن حفظ مقاصد الشريعة ورعاية مصالح العباد تتم في أحكام التشريع باتجاهين؛ أحدهما: حفظ من جانب الوجود؛ بتشريع ما به رعاية هذه المصالح وتنميتها، والثاني: حفظ من جانب العدم؛ بتشريع ما يمنع الاعتداء عليها أو المساس بها(1)، ولما كان حفظ النفوس من أهم مقاصد الشريعة – بعد مقصد حفظ الدين – التي جاءت أحكامها برعايته وحفظه، فإننا نجد أن الأحكام الشرعية قد سارت في حفظ هذا المقصد في مسارين:

أولهما: الحفظ من جانب الوجود بتشريع أسباب نماء هذه النفوس ورعايتها بتشريع الزواج والنكاح، وثانيهما: الحفظ من جانب العدم بحفظها من كل ما يمكن أن يمسها أو ينالها بسوء، بتحريم وتجريم أي اعتداء عليها بقتل أو جناية.

ويشكل القصاص لُبَّ الحفظ الذي هو من جانب العدم، بل لب حفظ النفوس وإحيائها بشكل عام، كيف لا، ورب العزة تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه العزيز: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(2).

ولما كانت جرائم القتل تمس أخص شيء في هذا الإنسان وهي روحه التي بين جنبيه، جاءت الشريعة الإسلامية لتجعل من القصاص والتشفي من الجاني حقاً من حقوق العبد، فوكلت إلى الأولياء أمر استيفاء تلك العقوبة وأكدت هذا المعنى عندما جعلت لهم الحق في العفو عن تلك العقوبة أو الصلح عليها مقابل المال، فكان هذان الأمران اثنين من مسقطات القصاص.

ولما كان موت الجاني مما لا يدخل في إطار المقدورات، جعلته الشريعة الإسلامية مسقطاً آخر من مسقطات القصاص، وهذا يتفق تمام الاتفاق مع ما تقتضيه العقول السليمة دون التجاوز إلى غير الجاني من أقاربه وذويه ليدفعوا ثمن ما جنت يداه واكتسبت يمناه. ثم كان المسقط الأخير من مسقطات القصاص ألا وهو إرث القصاص، منسجماً تمام الانسجام مع حكمة مشروعية القصاص وغايته – وهي حصول التشفي لأولياء المقتول – لذا فقد اعتبرته الشريعة المسقط الرابع من مسقطات القصاص إضافة إلى ما قد ينتج عنه – في حال عدم اعتباره من المسقطات – من زيادة لمصيبة العائلة المصابة بفقد فرد آخر من أفرادها مما قد يعود على الحكمة التي جاء وشرع من أجلها القصاص بالنقض والإلغاء.

ونحن في هذا البحث سنتناول – بعونه تعالى – العفو من بين هذه المسقطات لما له من أهمية تميزه عما سواه، وهو ما سنوضحه فيما يلي.

تمهيد:

يدخل العفو تحت باب المسقطات باعتباره واحداً منها، ويحسن قبل الخوض في تفاصيل العفو بخصوصه أن نبيّن المراد بمصطلح مسقطات القصاص بعمومها، وأن نبيّن أنواعها بشكل موجز وسريع تمهيداً لإفراد العفو بالدراسة والبحث، وهو ما سنبحثه في هذا التمهيد إن شاء الله تعالى.

أولاً: مسقطات القصاص

المُسقِطات جمع مُسقِط، وهو اسم الفاعل لأسقط، وأصل فعله سقط، قال في المصباح:

"سقط سقوطاً وقع من أعلى إلى أسفل ويتعدى بالألف فيقال أسقطته"(3). وقال في اللسان: "أَسْقَطَ الشيءَ إذا أَلْقاه ورَمَى به". وقال: "وأَسْقَطتِ المرأَةُ ولدها إِسْقاطاً وهي مُسْقِطٌ أَلقَتْه لغير تَمام"(4).

هذا وقد جمع أحد الباحثين استعمال الفقهاء لمصطلح السقوط والإسقاط على النحو التالي:

  1. استخدامه بمعنى رفع الحكم لسبب من الأسباب، ومثاله إجماع الصحابة على سقوط سهم المؤلفة قلوبهم وقالوا هو من قبيل الإجماع السكوتي.
  2. بمعنى رفع التكليف لسبب من الأسباب؛ كحيض المرأة وسقوط الصلاة عنها حينئذ، والجنون ونحوه من مسقطات التكليف.
  3. بمعنى عدم الوجوب، كسقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلاً، أي معدة للبيت للاستفادة من لبنها.
  4. بمعنى إنهاء المطالبة بالحق، وهو أن يكون الشخص مطالباً بالحق ولسبب من الأسباب تنتهي هذه المطالبة، ومثل لذلك بالمبارأة(5) مثلاً.
  5. بمعنى زوال الاستحقاق، وذلك بأن يكون الشخص مستحقاً لأمر ما ولسبب من الأسباب سقط ذلك الاستحقاق، ومثل له بسقوط حضانة الأم لابنها بالسفر أو الزواج.
  6. بمعنى الإهدار، وذلك بأن يكون حق الشخص مصاناً ولسبب من الأسباب يُهدر هذا الحق، ومثل له بسقوط عصمة الفئة الباغية(6).

وقد ذكر الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى أن إسقاط الحقوق على ضربين(7):

أحدهما: إسقاط بغير عوض، وذكر منه الإبراء؛ فهو يسقط الدين من الذمة، قال: ولا ينقله إليه(8)، ومنه كذلك إسقاط القصاص بالعفو؛ فإن العفو يسقط القصاص عن الجاني ولا ينقله إليه... إلخ.

الثاني: الإسقاط بالأعواض؛ كإسقاط حق الزوج من البضع بالخلع أو بالطلاق على مال وكالصلح عن الدين فإنه يسقطه عن المدين... وكذلك الصلح عن القصاص في النفوس والأطراف فإنه يسقط القصاص عن الجاني ولا ينقله إليه؛ قال فيقع بهذه التصرفات النقل في أحد الجانبين والإسقاط من الآخر.

وهذا عن الإسقاط بشكل عام، وأما عن الإسقاط المتعلق بموضوعنا القصاص، فإنه يطلق ويراد به أحد أمرين(9):

الأول: عدم الوجوب ابتداء مع توافر الأسباب من قصد الاعتداء والعدوان:

وتكون هذه الصورة عند وجود مانع من موانع حكم العقاب؛ ككون القاتل أحد الأبوين مثلاً وما أشبه ذلك.

الثاني: السقوط بعد الوجوب: وهو المعنيُّ عند إطلاق الإسقاط، وهو موضوع بحثنا إن شاء الله تعالى.

وبعد تقسيم الإمام العز السابق نجد أنه قد شمل نوعين من مسقطات القصاص صراحة وهما: العفو والصلح، وبقي أمران لم يذكرهما في القسمة وهما: موت الجاني أو فوات محل القصاص وإرث القصاص فهل يمكن اعتبارهما من الإسقاط لا إلى عوض أم أنهما يندرجان تحت الإسقاط بعوض؟ وجواباً على هذا الإشكال نجد أن الفقهاء قد اختلفوا في توجيه العوض في ذلك بناء على اختلافهم في موجب القتل العمد، ويمكن استخلاص ما يهمنا في بحثنا هذا على النحو التالي:

فقالوا: لو سقط محل القصاص بموت الجاني فإنه يصار إلى بدله عند الشافعية أو إلى الموجب الثاني بالقتل العمد عند الحنابلة وهو الدية عند الفريقين(10).

بينما يكون فوات المحل بموت الجاني لا إلى بدل عند الحنفية والمالكية، لفوات موجب القتل العمد بفوات محله، والذي فوّت بفواته إمكانية الصلح؛ لأنه عقد بين طرفين، والمحل الذي فات ومات هو أحد هذين الطرفين(11).

وهنا نجد أن الأمر قد يكون سهلاً عند الشافعية والحنابلة بالنظر إلى قولهم إن للولي أخذ الدية، وبالتالي يمكن إلحاق فوات محل القصاص بالضرب الثاني من ضربي الإسقاط وهو ما كان بعوض، وإن لم يكن الإسقاط باختيار ولي الدم، ولكن الأمر قد يبدو صعباً عند الحنفية والمالكية وهم القائلون بأنه إذا سقط القصاص بالموت فإن الدية لا تجب في مال القاتل، وهنا يمكن القول في توجيه مذهبهم: إن الإسقاط قد حصل جبراً عن صاحب الحق لاستحالة استيفائه بفوات المحل، ولكن إلى عوض أيضاً، وهو عوض أخروي يستوفى عند الوقوف عند الوقوف بين يدي من لا يظلم مثقال ذرة جل جلاله، وهو بذلك يشبه ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، مع الفرق بين القولين في ماهية العوض، وعليه: فحق الولي لم يسقط في حال فوات محل القصاص وإنما ينال تعويضه في الدنيا عند الشافعية والحنابلة، وفي الآخرة – كالمقتول – عند الحنفية والمالكية(12).

أما حق الله عز وجل فعائد إلى التوبة من قبل الجاني وتدارك الله عز وجل له بالصفح والغفران، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وأما القاتل عمداً فعليه الإثم، فإذا عفا عنه أولياء المقتول، أو أخذوا الدية: لم يسقط بذلك حق المقتول في الآخرة. وإذا قتلوه ففيه نزاع في مذهب أحمد رحمه الله. والأظهر: أنه لا يسقط؛ لكن القاتل إذا كثرت حسناته أخذ منه بعضها ما يرضي به المقتول، أو يعوضه الله من عنده إذا تاب القاتل توبة نصوحاً"(13).

ولعل الراجح: هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة إعمالاً لقاعدة الأصل والبدل؛ فإنه إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل(14)، فلماذا نسقطهما معاً؟ وكذلك فإن حق أولياء الدم في الدية إنما هو تعويض لهم عما لحق بهم من ضرر ناتج عن قتل صاحبهم فإسقاط الدية لا باختيارهم ضرر جديد لا يتناسب مع تشريع الدية لا سيما إن كان ثمة قصّر بين أولياء القتيل، والله تعالى أعلم.

وأما إرث القصاص والحديث عن كونه من المسقطات أم لا، فيمكن اعتباره إسقاطاً من قبيل المجاز لا الحقيقة؛ لأن إسقاط الحكم إنما يكون بعد ثبوته، والحكم إنما يثبت عند توافر الشروط والأسباب وانتفاء الموانع، وبإرث القصاص يكون ثمة مانع، وحينها ينسب تخلف الحكم بمعنى سقوط القصاص إلى وجود المانع وهو إرث القصاص؛ ومن ثَمَّ فهو إسقاط مجازاً.

ومما يستأنس به في صحة هذا الكلام: أن الأصوليين قد مثلوا للمانع الذي يرد على الحكم فيمنعه، بالأبوة في باب القصاص(15)، ولعل هذا النظر هو الذي دعا الشيخ محمد أبو زهرة إلى اتباع ذلك التقسيم الذي قسمه لعدم ثبوت القصاص في مستهل حديثه عن مسقطات القصاص، حين عدّ مسقطات القصاص بعد وجوبه أمرين(16): انعدام محل القصاص، والعفو، وأدرج الصلح في ضمنه(17)؛ فكانت المسقطات ثلاثة أمور حسب التقسيم الذي سار عليه أغلب المعاصرين، في حين أنه لم يذكر إرث القصاص مع هذا القسم، وإنما ذكره مع القسم الأول، وهو بمعنى عدم وجوب القصاص، حيث جمع بينه وبين كون القاتل أحد الأبوين(18)، وهو من الموانع كما سبق، وهذا يؤيد ما ذكر من أن اعتباره من المسقطات قد يكون من قبيل المجاز، والله تعالى أعلم.

ثانياً: إعطاء العبد حق الإسقاط وآثاره التشريعية

من المسقطات – كما سبق – ما يعود إلى العبد، ومنها ما لا يكون للعبد فيه اختيار ولا إرادة، بل لأمر خارج عن نطاق اختياره، وإذا كان الأول: فإن للإسقاط حينئذ أهمية تشريعية تتجاوز إيقاع العقوبة على الجانب أو عدم إيقاعها، وتكمن هذه الأهمية في التفريق بين ما يمكن اعتباره حقاً من حقوق الله تعالى وبين ما يمكن اعتباره حقاً من حقوق العباد، ولعل هذا هو أهم فرق بين الحقين والذي تنشأ عنه تلك التفرقة، ولولاه لما كان ثمة فرق بين ما يعتبر حقاً لله وما يعتبر حقاً للعباد، لا لشيء إلا لانضواء الثاني تحت لواء الأول، وإلا فليس هناك في الحقيقة حقٌّ خالصٌ للعبد لا يتعلق به حق الله تعالى.

إذا عُلم هذا: فغن ما يعنيه العلماء عند الحديث عن الإسقاط والمسقطات هو:

التنازل عن الحق الثابت في الحكم مع الاستسلام والخضوع للشرع، ومعنى ذلك: أنه اختيار من حيث جعل الله تبارك وتعالى ذلك له، لا من حيث إن ذلك لا استقلالاً، بل هو تطبيق للحكم الشرعي بكافة وجوهه التي أباحها الشارع(19).

أما الإسقاط بمعنى أن ينسخ العبد الحكم الشرعي وينبذه بما يراه ويتوهمه من مصلحة له، فهذا مما لا يمكن قبوله في أي حكم من الأحكام وهو مناف لإسلام العبد واستسلامه لمولاه(20).

وبذلك يتبين لنا أنه ليس ثمة تعارض بين قولنا: إنه ما من حق للعبد إلا ولله فيه حق، وأنه ليس هناك حق يخلص للعبد، وبين قولنا: إن للعبد حق الإسقاط في حقوقه؛ وذلك لأنه منقاد في استعمال حقه ذاك – الذي لم يكن حقاً له إلا بمقتضى التشريع – لصاحب الشرع، فهو في استخدام حقه ذاك – الذي لم يكن حقاً له إلا بمقتضى التشريع – لصاحب الشرع، فهو في استخدام حقه ممتثل لأوامر الشارع والتي من ضمنها إعطاؤه حق إسقاط ما جعله الشارع الحكيم له حقاً، ورحم الله الإمام العز عندما قال:

ما من حق للعباد يسقط بإسقاطهم أو لا يسقط بإسقاطهم إلا وفيه حق لله، وهو حق الإجابة والطاعة(21).

المبحث الأول: تعريف العفو ومشروعيته

المطلب الأول: تعريف العفو لغةً واصطلاحاً

أولاً: تعريف العفو لغة

العفو مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس(22)، وعفوت عن الحق: أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه.

وقال الخليل: (وكلُّ مَن استحق عقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه. وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق(23)، فالعفو لغة يعني التجاوز والمحو والطمس.

وقال الراغب: العفو هو التجافي عن الذنب(24). قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(25)، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(26)، {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(27)، {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً}(28).

ثانياً: تعريف العفو اصطلاحاً

اختلف الفقهاء في تعريف العفو، وسبب الاختلاف يعود إلى المعنى اللغوي أولاً ثم تطبيق تلك المعاني اللغوية على المعنى الذي جاءت به الآية الكريم وهي قول الحق تبارك وتعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}(29).

ومن المعاني التي ذكرها العلماء لكلمة العفو خمسة معان نص عليها القاضي أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن فقال: "الأول: العطاء، يقال: جاد بالمال عفواً صفواً، أي مبذولاً من غير عوض.

الثاني: الإسقاط، ونحوه: {وَاعْفُ عَنَّا}(30).

الثالث: الكثرة، ومنه قوله تعالى: {بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا}(31).

أي كثروا، ويقال: عفا الزرع، أي طال.

الرابع: الذهاب، ومنه قوله: عفت الديار.

الخامس: الطلب، يقال: عفيته وأعفيته"(32).

والذي يناسب المقام من تلك المعاني معنيان: العطاء والإسقاط وحولهما دار كلام الفقهاء؛ فذهب الشافعية إلى أن المراد بالآية الكريمة هو الإسقاط(33)، وهو رواية أشهب عن مالك؛ فيكون المعنى: فأي قاتل ترك له من أخيه شيء من القصاص فاتبعه أيها القاتل، وأدّ إليه بإحسان، فالخطاب فيه للجاني(34).

وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه العطاء وأن الآية إنما نزلت في الصلح(35)، وفي رواية القاسم عن مالك أنه العطاء كذلك؛ فيكون المعنى: فمن أعطي له من أخيه شيء من المال فليتبعه بالمعروف، وليؤد إليه الجاني، فالخطاب فيه للولي، وهو الراجح عند المالكية(36).

وبالتالي فقد عرفه بعض المعاصرين بأنه: إسقاط حق المجني عليه مقابل تنازله عنه مطلقاً أو بعوض(37).

والتعريف المختار للعفو عن القصاص في النفس هو: إسقاط مستحق الدم حقه في القصاص لا إلى بدل.

وجاء التعبير بمستحق الدم عوضاً عن حق المجني عليه لإدخال الأولياء حيث أثبت الشارع لهم حق العفو، وإنما قلنا لا إلى بدل اصطلح عليه المتأخرون من التفريق بين العفو والصلح، وموضوعنا هو عن العفو حصراً فناسبت الدقة في التصنيف حصر التعريف بالعفو لا إلى بدل والله أعلم.

وفي الحقيقة فإن معنى العفو عن القصاص كان متأثراً بدرجة كبيرة بالخلاف الوارد حول موجب القتل العمد؛ فالحنفية والمالكية القائلون بأن موجب القتل العمد هو القصاص عيناً قالوا إن العفو إنما هو إسقاط القصاص مجاناً وأما التنازل عن القصاص إلى بدل فذاك صلح وليس بعفو(38)، والعفو إنما يكون مجاناً؛ لأن الواجب عيناً هو القصاص وهو ليس بمال حتى يصار إلى بدله عند العفو وإنما يصار إلى المال عند الصلح برضا الطرفين كسائر الحقوق(39).

وأما الشافعية فقد كان الوفاق مع الجمهور ظاهراً نصوا على أن الولي إذا أطلق العفو فالمذهب لا دية(40)، في حين أن الخلاف مع الجمهور برز عندما قالوا: إن للولي العفو على الدية ولو بغير رضا الجاني(41)، وهذا ما لم يقل به الحنفية ولا المالكية ففي الوقت الذي اعتبروا فيه العفو على الدية صلحاً لا عفواً بحيث لو عفا الولي ثم زعم أنه أراد الصلح إلى بدل فإنه لا يصدق إلا بشروط معينة كما ذكر المالكية(42)، نجدهم يؤكدون على العنصر الرضائي في ذلك العقد حتى قال الدسوقي رحمه الله تعالى: "...وتعين القود فيما مر عند عدم التراضي"(43)، واجتهاد الشافعية في ذلك إنما كان محاولة منهم للجمع بين الأدلة(44).

وأما الحنابلة ومن وافقهم من الشافعية في الرأي المرجوح في المذهب فقد كانوا متفقين مع أصلهم؛ حيث ذهبوا إلى أن الولي لو عفا مطلقاً أو عفا على ما ليس بمال فله الدية؛ لأن الدية تثبت في كل موضع امتنع فيه القتل والقصاص؛ لأنها واجبة بالقتل العمد مثله(45).

المطلب الثاني: مشروعية العفو وحكمه

استدل الفقهاء على مشروعية العفو بأدلة من الكتاب والسنة، منها:

أولاً: من الكتاب: وردت آيات كثيرة في ذكر العفو والترغيب فيه، ومن هذه الآيات:

قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(46).

وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(47).

وقال سبحانه وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(48).

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(49).

وقال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}(50).

ثانياً: من السنة النبوية:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"(51).

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفاً عليهن: لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر"(52).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم"(53).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء من قصاص إلا أمر فيه بالعفو"(54).

وإذا كان العفو كذلك فقد نص الفقهاء على أن العفو قد رغب الشارع فيه وحث ولي الدم عليه، وهو أفضل من استيفاء القصاص، قال الشوكاني رحمه الله تعالى: "ولا خلاف في مشروعية العفو في الجملة وإنما وقع الخلاف فيما هو الأولى للمظلوم هل العفو عن ظالمه أو الترك"(55).

وبناء على ذلك فإن العفو قد ثبتت مشروعيته في الكتاب والسنة، وهو من مكارم الأخلاق التي جاءت الشريعة بإقرارها وتنميتها، ثم إن العفو يكتسب أهمية تشريعية خاصة في الأحكام باعتباره مناطاً للتفرقة بين ما يعتبر من حقوق الله تعالى وما هو من حقوق العباد وفي هذا يقول الشيخ أبو زهرة رحمه الله تعالى: "كانت الثمرة الأولى لاعتبار القصاص حقاً لولي الدم أن له أن يعفو وكان ذلك تخفيفاً ورحمةً كما قال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}(56)"(57).

ولعل محل الأفضلية في العفو ما لم يترتب على ذلك ضرر، وإلا فاستئصال شأفة الشر أولى ومن هنا لم يجوّز الإمام مالك رضي الله عنه العفو إذا كان القتل غيلة لأنه اعتبره نوعاً من الحرابة، والحد فيها من حقوق الله تعالى التي لا تقبل الإسقاط ولا العفو لما لها من الأثر السيئ في المجتمع من إشاعة للخوف والذعر(58).

المبحث الثاني: أحكام العفو الفقهية

المطلب الأول: أركان العفو وشروطه

يتوقف العفو ووجوده شرعاً على وجود أركانه وتحقق شروطه، وتتمثل أركانه فيما يلي(59):

أولاً: العافي، وهو الشخص الذي يملك حق العفو، وسيأتي بيان ذلك وتفصيل شروطه إن شاء الله تعالى.

ثانياً: المعفو عنه، وهو الشخص الذي ثبتت عليه العقوبة، ويأتي العفو ليسقطها بعد لزومها في حقه.

ثالثاً: الصيغة التي يعبر عن العفو من خلالها: ويعبر عنها عند الحنفية بركن العفو وهذا يتوافق مع منهجهم الذي ساروا عليه والذي يظهر أثره في مختلف المعاملات عندهم حيث كانوا يعتبرون الصيغة هي الركن الوحيد في مختلف العقود والمعاملات؛ قال في البدائع: "أما ركنه فهو أن يقول: العافي عفوت أو أسقطت أو أبرأت أو وهبت وما يجري هذا المجرى"(60)، ويظهر أن الفقهاء متفقون على أن ما جرى مجرى العفو من الألفاظ يجزئ في إرادة العفو من ذلك قول البهوتي: "ويصح عفو بلفظ الصدقة وكل ما أدى معناه لأنه إسقاط"(61).

ولهذه الأركان شروط لا بد منها تكميلاً لهذه الأركان وتحقيقاً لمقصد الشارع من تشريع العفو وتقريره.

أولاً: أن يكون العافي بالغاً عاقلاً: فلا يصح عفو الصبي والمجنون؛ لأنه ضرر محض وهو تبرع، وليسا من أهله فلا عبرة بعبارتهما في ذلك؛ فإن عفا الصبي أو المجنون فعفوه لغو(62).

ثانياً: صدور العفو من صاحب الحق: فلا يصح صدور العفو ممن لا يملك حق استيفاء القصاص؛ لأن العفو إسقاط ثابت، وهو القصاص(63)، فلا يملك إسقاط هذا الحق الثابت إلا من يملكه، وهو عند ذلك اعتداء على حق أولياء المجني عليه، وإنما يكون النظر للحاكم مقيداً بالمصلحة عند انعدام أولياء الدم(64).

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه ليس من حق أحد غير الأولياء من أقرباء المجني عليه العفو عن الجاني، سواء أكان كبيراً في عشيرته وقومه أم كان ذا جاه ومنصب في بلده، وإنما له الشفاعة والحث على التحلي بمكارم الأخلاق، والعفو عن الشيء، دون إجبار أو إكراه.

لذلك فإن من أهم الفروق بين العفو في التشريع الإسلامي وبين العفو الخاص في التشريع الوضعي هو أن حق العفو لم يمنح للحاكم في الشريعة في غير جرائم التعزير، وهو حينئذ مشروط بالمصلحة وتحقيقها لعموم الرعية تطبيقاً لقاعدة: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة(65)، أما ما سوى ذلك من عقوبات الحدود والقصاص فإنه لا حق له في إسقاط العقوبة أو العفو عنها(66)، وسنأتي إلى توضيح ذلك بعونه تعالى عند الحديث عن مقاصد الشريعة في العفو وأهمية هذا الشرط في تحقيق ذلك.

ثالثاً: أن يكون العافي مختاراً غير مكره على العفو، فإن أكره لم يصح عفوه، عند جمهور الفقهاء، وهو مطرد عندهم في سائر التصرفات القولية(67)، وذلك لأن المكره مسلوب الإرادة فلا تترتب على عبارته آثارها المقررة شرعاً؛ لمنافاة الرضا الذي هو أصل العقود والتصرفات، وذهب الحنفية إلى صحة العفو، قال السرخسي: "ولو أن رجلاً، وجب له على رجل قصاص في نفس، أو فيما دونها، فأكره بوعيد قتل، أو حبس حتى عفا فالعفو جائز؛ لأن العفو عن القصاص نظير الطلاق في أن الهزل، والجد فيه سواء، فإنه إبطال ملك الاستيفاء، وليس فيه من معنى الملك شيء"(68).

المطلب الثاني: الجهة التي تملك حق العفو

أولاً: الأولياء الذين يملكون حق العفو

اختلف الفقهاء فيمن يملك العفو؛ فذهب الجمهور إلى أنهم كل من يرث سواء بالفرض أم بالتعصيب(69)، وذهب المالكية في المشهور عندهم إلى أنهم العصباتُ من النسب فالولاء فالإمام على تفصيل لهم في ذلك، فقالوا:

إن المستحقين إنما هم العصبات من الذكور، أما النساء فالحق لا يثبت لهن إلا بثلاثة شروط: أن يرثن، وأن لا يسويهن عاصب؛ بأن لا يوجد أصلاً، أو أن يكون أنزل منهن درجة؛ فإن استووا فلا قول حينئذ للنساء مع الذكور، وأن يكنَّ بحالة لو وجد في درجتهن رجل لورث بالتعصيب بمعنى لو قُدِّرن ذكراً لعصَّبن، وهذا الشرط يخرج الأخت للأم والزوجة والجدة للأم(70).

ثم قالوا: إن الحالات حينئذ لا تخلو من ثلاث:

الأولى: أن يكون المستحقون كلهم رجالاً: ولا دخل للزوج ولا للأخ لأم ولا لغيرهما من غير العصبات، ويكون التفاضل بينهم كترتيب الولاء والنكاح؛ فيقدم الأقرب فالأقرب من العصبة إلا الجد القريب والأخوة فإنهم هنا سيان بخلاف الجد البعيد(71)؛ فإن عفا رجل من المستحقين سقط القصاص بشرط أن يكون العافي مماثلاً للباقين في الدرجة والاستحقاق أو أعلى منهم؛ فإن كان أنزل درجة لم يعتبر عفوه إذ لا كلام له حينئذ، وكذا إن كان أنزل منهم في استحقاق الدم كالأخوة لأم مع وجود الإخوة لأب، فإذا عفا من عفوه معتبر حسب الترتيب السابق سقط القصاص ولمن لم يعف نصيبه من دية العمد(72).

الثانية: أن يكون المستحقون كلهم نساء: وهنا إما أنْ يَحُزْن الميراث كله أو لا: فإنْ حُزْنه كله، كبنت وأخت، فالبنت أولى في العقو وضده من الأخت(73)، وإن لم يَحُزْنه كله كالبنات والأخوات فلهن الحق بالقتل والقصاص، وإن عفا بعضهن(74) فالنظر للسلطان إن كان عدلاً، وإنما كان النظر له لإرث بيت المال ما بقي من مال المقتول(75)، فأشبه الحالة الثالثة التالية.

الثالثة: أن يكون المستحقون رجالاً ونساءً، وكانت النساء هنا أعلى درجة(76)، فالنساء أيضاً على حالتين؛ إما أن يَحُزْن الميراث كله أو لا:

فإن حُزْن الميراث كله فينظر: إن ثبت القتل بقسامة فالقول لمن طلب القصاص من الرجال أو النساء، ولا عفو إلا باجتماعهم.

وإن ثبت بغير القسامة من بينة أو إقرار فلا حق للعصبة معهن لا في عفو ولا في قود والحق للنساء(77).

وإن لم يَحُزْن الميراث كله فكل من طلب القصاص من الفريقين يجاب له، أما العفو فلا يكون إلا باجتماعهم أو بعض كل من الفريقين سواء ثبت القتل بالقسامة أو غيرها(78).

ثانياً: العفو نيابة عن الصغير

اتفق الفقهاء على عدم جواز عفو ولي الصغير مطلقاً عن القصاص والدية عن قصاص وجب للصغير؛ لأن الحق للصغير وليس لهما، ولأن ولايتهما على الصغير ولاية استيفاء، وهي مقيدة بالنظر للصغير، والعفو ضرر محض؛ لأنه إسقاط، فلا يملكانه(79)، وأما إن كان ولي الصغير من أولياء دم المقتول فله العفو باعتباره من الأولياء، ويثبت للصغير نصيبه من الدية، ويسقط نصيب الولي من الدية ولا يسقط نصيب الصغير بتاتاً(80).

واختلفوا في جواز القصاص من القاتل نيابة عن الصغير، أو العفو على الدية على أقوال عدة:

الأول: جواز القصاص نيابة عنه أو استيفاء الدية كاملة له دون انتقاص، ويراعى في ذلك كله النظر لمصلحة الصغير، فيقوم الولي بما هو الأصلح له، وهو مذهب المالكية والحنفية وقول عند الشافعية، والحنابلة(81)، قال صاحب الشرح الصغير: "فعلى وليه النظر بالمصلحة في القتل وأخذ الدية كاملة، ويخير إن استوت، ولا يجوز له أخذ بعض الدية مع يسر الجاني... فإن كان الجاني معسراً فله الصلح بأقل"(82).

الثاني: لا يجوز للولي استيفاء حقه بالقصاص ولا بالدية، ويجب انتظار بلوغه؛ فلا يجوز أن يقتص من القاتل حتى يبلغ لاحتمال العفو، ولأن القصاص للتشفي فالخيرة فيه للمستحق وهو الصحيح عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة(83).

الثالث: جواز العفو على الدية إن كان الصغير بحاجة إلى النفقة، وهو قول ضعيف عند الشافعية، وبه قال بعض الحنابلة ونصروه، وفرّق بعضهم بين الصبي والمجنون فقال بجواز ذلك في المجنون دون الصبي انتظاراً لبلوغ الصبي وأهليته وهو ما لا يتصور في المجنون، فلا يؤخر(84).

والراجح هو القول الأول؛ لأنه محقق لمصلحة الصغير باستيفاء حقه كاملاً، وتصرف الولي منوط بمصلحته فإذا كان محققاً لمصلحته بالقصاص أو بالدية فلا بأس في ذلك، لا سيما وأن أقوال الفقهاء الأخرى تدور مع تحقيق هذه المصلحة.

والقول بوجوب انتظار الصبي حتى يبلغ أملاً بالعفو من صاحب الحق وهو الصغير يمكن أن يتم من خلال الولي دون انتظار قد يطول أمده إذا رأى ذلك محققاً لمصلحة الصغير، مع عدم التنازل عن مقدار الدية أو انتقاصها.

المطلب الثالث: أحكام جهة العفو

العفو إما أن يكون من الولي، أو من المجني عليه مباشرة، ولا يتصور من طرف آخر لانتفاء صدوره من صاحب الحق حينئذ، وهو غير مقبول وقتئذ، ثم إذا كان العافي هو الولي فإما أن يكون واحداً أو متعدداً، بأن تعدد أولياء دم المجني عليه، ثم إن المقتول قد يكون واحدا، وقد يتعدد القتلى؛ لأن يكون القاتل قد قتل أكثر من شخص، وهنا قد يعفو أولياء أحد القتلى ولا يعفو أولياء القتيل الآخر؛ لذا سنبحث هذه المسائل فيما يلي إن شاء الله تعالى: أن يصدر العفو منه قبل موت المجني عليه أو بعده.

أولاً: صدور العفو من جهة الولي:

إذا صدر العفو من جهة الولي وليس المجني عليه فهناك صور متعددة بحثها الفقهاء في هذه الحالة وسنحاول في هذا الموضع تسليط الضوء على هذه الصور التي بينها الفقهاء في بيان أحكام العفو.

الصورة الأولى: العفو عند تعدد الأولياء:

ذهب الفقهاء إلى أن العفو إذا صدر من أهله ومستحقيه أو من أحدهم سقط القصاص ولو لم يرض به الباقون(85)، وذلك لأن العفو حق قابل للتجزئة بينما القصاص حق لا يتجزأ بمعنى أنه لا بد من صدور المطالبة بالقصاص من جميع المستحقين بينما يصح العفو ويسقط القصاص بمطالبة بعض المستحقين، وبالتالي فلو قام أحد المستحقين بقتل الجاني بعد العفو عنه فإنه يقتص من القاتل حينها عند عامة العلماء(86).

الصورة الثانية: تعدد القتلى والجاني واحد:

إذا قتل شخصٌ واحدٌ جماعةً فعفا أولياء أحد القتلى فلأولياء القتلى الآخرين الاقتصاص منه أو العفو أو الصلح ولا يُؤثر عفو أولياء القتيل الأول في حق أولياء القتيل الثاني في القصاص أو العفو أو الدية(87).

الصورة الثالثة: تعدد الجناة والمقتول واحد:

إذا اشترك مجموعة في قتل رجل واحد فعفا الولي عن أحد الجناة فله استيفاء القصاص من الآخرين؛ لأن كل واحد منهما استحق القصاص، ولا يؤثر عفو الولي عن أحد الجناة في وجوب القصاص في حق الآخرين عند جمهور الفقهاء(88)، ونقل عن القاضي أبي يوسف رحمه الله تعالى القول بأن عفو الولي عن أحد الجناة يسقط القصاص في حق البقية، وردَّه صاحب البدائع(89).

ثانياً: صدور العفو من المجني عليه:

لو شفي المجني عليه من جراحته التي جرحه إياها الجاني وكان قد عفا عمَّن جنى عليه فله ذلك ويسقط القصاص عن الجاني وهذا من العفو عما دون النفس وهو موضوع آخر غير موضوعنا في الجناية على النفس(90).

وأما ما نتحدث عنه من الجراحات التي مات المجني عليه منها فقد اختلف الفقهاء في ذلك وللمسألة أكثر من صورة(91)، فقد يعفو المجني عليه بعد الإصابة وقبل الوفاة، وقد يجني عليه الجاني بنوع من الجراحات فيعفو عنه ثم يسري ذلك الجرح فيزهق نفسه، وللفقهاء في كل صورة تفصيل وتوضيح.

الصورة الأولى: عفو المجني عليه بعد الإصابة وقبل الوفاة:

اتفق الفقهاء على أن المجني عليه إذا عفا بعد إصابته وقبل الوفاة اعتبر عفوه وسقط القصاص، ومع أنهم اتفقوا على هذا الحكم إلا أنهم اختلفوا في توجيه ذلك:

فذهب الحنفية إلى أن هذا العفو لا يصح قياساً وإنما يصح استحساناً أما وجه القياس: فهو أن العفو إن لم يصادف محله فإنه لا يصح، والعفو هنا لم يصادف محله؛ فالعفو إذن لا يصح.

وأما وجه الاستحسان: فهو من ناحيتين:

الأولى: أن الجُرح إذا اتصلت به السراية فإنه يقع قتلاً من حين الجرح، وبالتالي فالعفو عفو عن حق ثابت؛ فصادف محله فصح.

الثانية: أن الجرح المفضي إلى فوات الحياة هو سبب وجود القتل، والسبب المفضي إلى الشيء يقوم مقام ذلك الشيء في الشرع كالنوم مع الحدث؛ فلما وجد سبب القتل كان العفو عن القتل تعجيلاً للحكم بعد وجود سببه وإن لم يوجد القتل في الحال، فكان جائزاً كالتكفير قبل موت المجني عليه في القتل الخطأ(92).

وقال المالكية بجواز ذلك وصحبته من المجني بعد إنفاذ مقتله(93) وقبل زهوق روحه؛ لأن للقصاص سبباً وشرطاً والسبب هو إنفاذ المقاتل، وأما الشرط فهو زهوق الروح فالعفو قبلهما لا يصح، والعفو من المجني عليه بعدهما غير متصور، فلم يبق أمامه إلا العفو بينهما فصح، وقالوا بأن الحق الذي جعل للولي إنما انتقل إليه من المقتول نيابة عنه وإذا كان الأمر كذلك فالمقتول أولى بذلك من الولي، وهذا القول هو في الحقيقة يمثل مذهب جمهور الفقهاء في صحة عفو المجني عليه عن الجاني بعد ثبوت الحق له(94).

أما الشافعية فقالوا: بصحة عفوه وسقوط القصاص بذلك إن عفا عن الجناية(95)، وكذا العفو عن الجرح ثم سريانه بعد ذلك، ونأتي عليه إن شاء الله تعالى عند بحث مسألة السراية.

والحنابلة في ذلك كبقية الفقهاء: قالوا بصحة العفو عند ذلك وسقوط القصاص حينئذ؛ لإسقاطه حقه بعد انعقاد سببه، ولأن الجناية عليه فصح عفوه عنها كسائر حقوقه، كما لو أسقط الشفعة بعد البيع، وكعفو وارثه بعد موته(96).

الصورة الثانية: سراية الجرح:

لو عفا المجني عليه عن الجرح الذي ألحقه به الجاني، وبعد عفوه سرى الجرح على نفسه فذهب بها ومات فهل يعتبر عفو المجني عليه عن الجرح عفواً عنه وعن كل ما ينتج عنه من فوات النفس ويلحق به أم لا؟

ذهب جمهور الفقهاء ابتداء إلى صحة عفو المجني عليه عن الجراحة التي لحقت به؛ لأنه حق له فأشبه ما لو عفا عن جان أتلف ماله، ولكن لو سرى الجرح بعد ذلك ومات فإن الحكم فيه تفصيل واختلاف بين الفقهاء على النحو التالي:

المذهب الأول: التفريق بين العفو مجاناً والصلح على مال: وهو مذهب المالكية، فقالوا: إذا عفا عن الجراحة فقط دون بيان لما قد يؤول إليه الجرح ثم مات المجرح منها، حمل العفو حينئذ على العفو عما وجب للمجني عليه في الحال؛ فيسأل عن السراية للعضو والنفس؛ فيعتبر في حالة السراية على النفس قاتلاً عمداً ويقتص منه بقسامة في حالة العمد، وكان لأوليائه القود أو الدية، أما لو قال: قد عفوت عن الجراحة وعما تؤول إليه، أو قال إن مت منها فقد عفوت: صح عفوه ولم يتبع الجاني بشيء(97).

هذا كله إن عفا دون مقابل، أما إن صالح في الجراحة على مال ثم مات منها: فينظر: إن كان الصلح عن الجرح فقط دون ما يؤول إليه من الموت فمات المجني عليه العافي فلوليه رد الصلح والقتل بقسامة(98). وأما إن كان عن الجرح وما نتج عنه وما ترامى إليه من عضو أو نفس ففيه قولان: أصحهما: بطلان الصلح ويعمل بمقتضى الحكم لو لم يكن ثمة صلح(99)، وبالتالي فإن الصلح على الجراحة لا يعتبر مؤثراً في إسقاط القصاص إن سرت على نفس المجروح فمات منها، سواء أكان الصلح عن الجراحة فقط أو عن الجراحة وعما ينتج عنها على الراجح عندهم.

المذهب الثاني: اعتبار العفو عن الجرح في إسقاط القصاص، وعند القائلين بهذا المذهب تفصيل على النحو التالي:

أولاً: عفو المجني عليه عن الجراحة وعما ينتج عنها:

إذا كان العفو بلفظ الجناية أو الجراحة وما يحدث عنها صح ولا شيء على القاتل لتناول لفظ الجناية ولفظ الجراحة وما ينتج عنها القتل، وبالتالي كان ذلك عفواً عن القتل، فصح، وبهذا قال الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إذا أن الشافعية قالوا في تعليل ما ذهبوا إليه: أن السراية تولدت من معفو عنه فكان ذلك شبهة دارئة للقصاص، ولأنه لا يمكن استيفاء النفس دون الطرف وقد عفي عنه، ولكن يجب على الجاني ما زاد على أرش الجراحة من الدية، حتى ولو نص المجني عليه بالعفو عنها وعما يحدث منها على الصحيح؛ لأنه إسقاط للشيء قبل وجوبه وهو باطل(100).

ثانياً: عفو المجني عليه عن الجراحة دون التعرض لما ينتج عنها:

وللفقهاء في هذه الصورة قولان:

أولهما: أن العفو عن الجراحة ليس بعفو عما يحدث عنها، وتعليل ذلك: تحقق سبب الضمان وهو قتل النفس المعصومة عمداً مع عدم وجود مانع؛ لأن العفو لا يتناوله لأنه عفا عن القطع وليس عن القتل وبالسراية تبين أن الواقع قتل، ولكن صورة العفو أورثت شبهة دارئة للحد فتجب الدية في مال القاطع استحساناً، لا القصاص الذي يجب بالقياس، والاستحسان مقدم عليه، وهذا هو قول أبي حنيفة رحمه الله(101).

ثانيهما: أن العفو عن القطع هو عفو عن موجبه، وموجبه القطع إن برأ والقتل لو سرى فكان عفواً عن أيهما تحقق، وكذلك فإن العفو عن الشيء يكون عفواً عن أثره والسراية أثر للجراحة فكان كما إذا قال عفوت عن الجراحة وعما يحدث منها، وبهذا قال الشافعية والحنابلة عى الأصح عندهم، وهو قول الصاحبين من الحنفية(102).

ولكن الشافعية والحنابلة قالوا في هذه الحالة إن الواجب هو قدر الدية الزائد عن أرش الجراحة إلى تمام الدية(103)، بأن تسقط دية المعفو عنه من الجراحة ويجب الباقي من ذلك إلى تمام الدية، وبهذا يكون الفرق بين قول الشافعية والإمام أبو حنيفة في وجوب دية النفس كاملة عند أبي حنيفة، ووجوب الزائد عن أرش الجراحة المعفو عنها إلى تمام دية النفس عند الشافعية.

وتجدر الإشارة إلى أن الشافعية والحنابلة كذلك قد ذهبوا إلى أن هذا العفو إنما يصح ويسقط به القصاص في حالة السراية فيما إذا كان الجرح أو الجناية مما يجب فيه القصاص، أما إذا كان مما لا يجب فيه القصاص فلا أثر للعفو وقتها؛ لأن العفو لم يصادف محله؛ لأنه عفو عن القود فيما لم يجب فيه القود، ولا انعقد سبب وجوبه، بخلاف ما إذا كان الجرح أو الجناية مما يجب فيه القصاص؛ لأن العفو يكون قد صادف محله في الجرح ويسقط القصاص في النفس؛ لأنه سقط في الجرح؛ لأن القصاص لا يتبعض فلو سقط في الجزء فإنه يسقط في الكل(104).

والراجح من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله؛ من أن العفو عن الجراحة إن لم ينص فيه صراحة على العفو عما يحدث وينتج عنها فإنه لا يسقط دية النفس كاملة إن سرى الجرح على النفس؛ لأن العفو الصادر من الجاني هو عفو عن جناية اقتصرت على عضو من أعضائه ولم تسر على نفسه كلها، ودية الجراحة حينئذ حق له فله العفو عنها، أما دية النفس فهي لورثة المجني عليه، وقد وجبت لهم لفوات نفس قريبهم، لا فوات بعض أعضائه، فلا مسوغ للعفو عن الجراحة بعد أن سرت على النفس كلها، كما يقول الشافعية والحنابلة.

وأما القول ببطلان الصلح من أصله – كما يقول المالكية – فإنه معارض بصدور الصلح من المجني عليه عن سبب ومنشأ السراية، وإذا لم يكن ذلك عفو عن سراية الجراحة على النفس فلا أقل من أن يعتبر ذلك العفو شبهة تدرأ القصاص وتنقل حق الأولياء إلى الدية.

وبهذا يكون قول الإمام أبي حنيفة وسطاً بين هذه الأقوال المتعددة، قد روعي فيه جانب العفو فدرأ القصاص، وروعي فيه حق أولياء النفس المجني عليها والتي سرى عليه الجرح، فأوجب الدية كاملة. والله تعالى أعلم.

المبحث الثالث: مقاصد الشريعة في تشريع العفو

إن العفو لا يمكن أن يشكل بديلاً مشروعاً عن القصاص الذي شرعه الله تعالى تحقيقاً لمقصد حفظ النفوس إن كان يعود على هذا المقصد بالنقض والإبطال؛ لذلك فإننا سنحاول الوقوف على كيفية تحقيق العفو – بشروطه التي قررها الشرع – لمقصد حفظ النفوس، وعلى كيفية تأديته الهدف نفسه الذي شرعت له عقوبة القصاص إقامة لهذا الركن الثاني من أركان الضروريات الخمس التي راعتها الشريعة في أحكامها وتشريعاتها.

ولا بد في هذا المقام من التأكيد على أن العفو لا يؤدي ثمرته المرجوة منه ما لم يكن بالشروط التي قررها الشرع، أما إذا كان مخالفاً لها فإنه لا يمكن أن يحقق مقصود الشرع بعد أن خالف ما قرره فيه من شروط وأحكام.

وعليه: فإننا سنتناول الحِكَم والمقاصد التي يحققها العفو عن القصاص في الجناية على النفس، والتي سنجد أنها تحقق مقاصد القصاص بالإضافة إلى مقاصد وحِكَم شرعية أخرى تتمم مقصد حفظ النفس ولا تهدره، وتحفظه ولا تضيعه، وهو ما سنبحثه في المطالب التالية:

المطلب الأول: تحقيق العفو لمبدأ النفعية في عقوبة القصاص

من المقرر عند علماء مقاصد الشريعة أن المقصد من تشريع العقوبات بشكل عام هو: تأديب الجانب، وإرضاء المجني عليه، وزجر المقتدي بالجناة(105)، وهذا المقصد هو ما يعبَّر عنه بمبدأ نفعية العقوبة(106)، ومقتضى هذا المبدأ أن الشريعة فيما قررته من عقوبات تهدف إلى إعادة التوازن بين العناصر التي مستها الجريمة، وما لم تتحقق هذه الموازنة فإن العقوبة تفقد جدواها، فتغدو مفسدة مضافة إلى مفسدة العقوبة عوضاً عن أن تكون رافعة لها؛ لأن العقوبة بحد ذاتها مفسدة تلحق الجاني في بدنه، وفي هذا يقول العز بن عبد السلام: "العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد؛ بل لأدائها إلى المصالح المقصودة من شرعيّتها، كقطع السارق وقطّاع الطريق، وقتل الجناة ورجم الزناة وجلدهم وتغريبهم، وكذلك التعزيرات، كل هذه  مفاسد أوجبها الشرع لتحصيل ما رُتِّب عليها من المصالح الحقيقية"(107)، ويقول في موطن آخر: "قتل الجاني مفسدة بتفويت حياته، لكنه جاز لما فيه من حفظ حياة الناس على العموم، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}(108)"(109).

فهي إنما شرعت لدفع مفسدة أعظم هي زعزعة حياة وأمن المجتمع بأَسْره، فإذا لم تكن العقوبة رادعة حقاً فإننا نكون قد أوقعنا كلا المفسدتين دون أن ندفع المفسدة الأعظم، وهذا يفرّغ العقوبة من مصلحتها ومنفعتها المبررة لها أصلاً.

أما إذا أقيمت العقوبة على الوجه المحقق لمنفعتها المرجوَّة منها فإنها تكون في ميزان المصالح والمفاسد المتعارضة محققةً لمصلحة كلية لا تتأتى بدونها، ويكون تركها أشدَّ إفساداً من فعلها(111).

وجريمة القتل تزعزع عنصرين اثنين لا بد منهما في كل مجتمع يطمح إلى الاستقرار والأمن، أولهما: حق الإنسان في الحياة. وثانيهما: حق المجتمع في تحقيق أمن أفراده(112).

لذلك كانت عقوبة القصاص هي العقوبة المحققة للردع والزجر لإقامة الأمن وتحقيقه، وهي العقوبة المناسبة لإشباع دافع الانتقام عند أهل المجني عليه بالحدود المشروعة التي لا تتجاوز الجاني إلى غيره من أبناء قرابته وعشيرته(112)، كما أن الشريعة فتحت بل حضت الأولياء على الجنوح إلى العفو نشراً لروح التسامح بين أفراد المجتمع، وهو ما يستلزم عند صدوره من أهل المجني عليه وأولياء الدم القضاء على الأحقاد والخصومات المتولدة من جريمة القتل(113).

ومن ثَمَّ فإن العفو لا يصح أن يؤثر في مقصد حفظ النفس أو إهداره بسلب نفعية العقوبة بعد أن أصبح بديلاً لها، وعليه فننا إذا تتبعنا الشروط الشرعية في العفو فإننا سنجد أنها شروط لا تهدر نفعية العقوبة وذلك عندما جعلت الشريعة العفو بيد من شرعت العقوبة – وهي هنا القصاص – شفاءً لغليله وإرضاءً له، بحيث لا يتأتى لأحد حتى ولو كان الإمام أن يفتئت على حق أولياء الدم في استيفاء القصاص بالعفو، في حين فتح لهم باب ذلك وحضهم عليه ووعدهم بالثواب الجزيل، ولا شك أن صدور العفو منهم لا من غيرهم يحقق الرضا التام لهم؛ بحيث لا يتصور منهم بعد ذلك النكول عما أقدموا عليه من عفو بعد أن مُنحوا الحق الكامل في استيفاء حقهم كاملاً غير منقوص.

وأما عناصر نفعية العقوبة الأخرى فتتمثل في حصر العفو بيد ولي الدم وعدم منح ذلك حتى لولي الأمر، وهذا ما يجعل رجاء من تسوّل له نفسه الإقدام على جريمة الاعتداء على النفس ضئيلاً واحتمالاً ضعيفاً لا يقدح في صرامة العقوبة المقررة شرعاً والتي هي القصاص، لعلمه مدى الحنق والغيظ الذي لا يشعر به أحد كشعور أولياء الدم، وبالتالي فإنه لا يطمح بإسقاط العفو من طرف آخر لم يكتو بنار الاعتداء.

كذلك فإن في جعل مصير حياة الجاني بيد المجني عليه وأولياء دمه فقط دون غيرهم، وتمكينهم من استيفاء حقهم بيدهم من غريمهم دون تدخل من أي جهة، كل ذلك يحقق الردع للجاني بأن جريمته التي سيقدم عليها ستعطي الحق الكامل لأولياء دم المقتول في تحديد مصير حياته، دون ضغط أو تأثير من أحد، وهذا يرسم في ذهنه مصير فعلته على نحوٍ يحقق الردع المقصود من تشريع القصاص وإن لم يتم استيفاؤه من قبل أولياء الدم بجنوحهم نحو العفو والصفح عن الجاني بعد تمكنهم من رقبته، يقول العز بن عبد السلام في هذا المقام: "الغالب ممن يعفى عنه أنه يستحي ويرتدع عن الظلم ولا سيما عن ظلم العافي وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: "بأنه لا يجزي بالسيئة السيئة"(114)، ولكن يعفو ويصفح، مع أن الجرأة عليه أقبح من كل جرأة، ولأن العفو لا يؤدي إلى الجرأة غالباً إذ لا يعفو من الناس إلا القليل"(115).

المطلب الثاني: إعادة العفو للتوازن بين العناصر التي مستها الجريمة

لا شك أن جريمة الاعتداء على النفس تمس وتقدح في التوازن الذي ترعاه الشريعة والذي يتمثل في تحقيق العدالة بين الناس، وتحقيق أمن المجتمع وأمن أفراده:

أما الجانب الأول فيتمثل في عدم تقديم حياة أي فرد من أفراد المجتمع على حياة أي فرد آخر فيه(116)، والشريعة إذ قررت القصاص لترسيخ هذا التوازن وتثبيته إذا ما اهتزت أركانه بجريمة القتل، فإن العفو الصادر من أولياء المجني عليه فقط دون غيرهم يحقق هذا التوازن ولا يقدح فيه لأن دم الجاني على قتيلهم أصبح ملك أيديهم، ثم إنهم تنازلوا بالعفو عن حق مُنِح لهم تسوية لدم غريمهم بدم قريبهم، في حين أن صدور العفو من أي جهة أخرى يطعن في مصداقية دعوى المساواة بين جميع أفراد المجتمع وعدم تقديم حياة واحد منهم على حياة الآخرين مهما سيقت لتبرير مثل هذا التصرف المبررات والمسوّغات، لأن صاحب الدم سوف يرى أن دم قريبه لم يتساو مع دم غريمه بعد أن منح عفواً من العقوبة صادراً من طرف ثالث غير طرفي النزاع.

وأما إقامة التوازن في الجانب الثاني المتمثل في تحقيق أمن المجتمع وأمن أفراده:

فإنه لا شك أن القصاص وتمكين صاحب الدم من استيفاء حقه غير منقوص هو ما يعيد هذا التوازن إلى المجتمع، ومن الواضح أن العفو الصادر من أهله يؤدي المؤدَّى نفسه؛ لأن ما يعيد توازن الأمن إلى المجتمع بعد أن زعزعته الجريمة إنما يتمثل في تمكين أولياء المجني عليه من إنزال العقوبة الرادعة الزاجرة بالجاني دون مانع يمنع من وصول الحق إليهم ووصولهم إليه، وهذا لا يتم إلا بجعل القصاص – دون ما سواه من العقوبات – حقاً لأولياء القتيل(117).

وهذا ما يتحقق لهم شرعاً حتى ولو صاروا بعد ذلك إلى العفو والصفح، بل ربما يكون عفو ولي الدم عن الجانب بعد أن صار حق استيفاء القصاص إليه أبلغ في تحقيق الأمن المجتمعي، وذلك لأن عفوه عن مستحق القصاص والقتل هو في الحقيقة إحياء لنفس تحقق فيها الموت حكماً، وهو معنى يضفي على المجتمع أمناً وطمأنينة تتجاوز ما لو تم استيفاء القصاص فعلاً.

ومن جانب آخر فإن العفو يحقق أمن المجتمع من خلال إعادة الأمن إلى ذوي الجاني وأقربائه من خوف امتداد يد الثأر والانتقام إليهم، إذ إن صدور العفو والصفح عن الجاني القاتل يعني القضاء التام على هذا الدافع عند ذوي المجني عليه.

ومن هنا فقد جعلت الشريعة العفو لأولياء القتيل فقط دون غيرهم، وذلك نتيجة لجعل حق استيفاء القصاص حقاً للفرد وليس حقاص للمجتمع، أي حقاً لأولياء القتيل، وذلك لأن الجريمة المتمثلة بالقتل وإن كانت تمس المجتمع كله إلا أن الضرر الذي أصاب المجني عليه وأهله هو أعظم وأبلغ من الضرر الواقع على المجتمع.

إضافة إلى أن حسم مادة الجريمة وتسلسلها بالثأر والانتقام لا يحصل إلا بإعطاء هذا الحق لأولياء القتيل، بتمكينهم من كل الخيارات المعطاة لهم شرعاً من قصاص ودية وعفو، أما لو منعوا من هذا الحق أو صدر العفو من جهة أخرى فإن ذلك يؤدي إلى مصيرهم لأخذ حقهم بطريقة خارجة عن التشريع وأحكامه ليشفوا غيظهم ويثأروا لقتيلهم فيتسلسل القتل، ويتسع الجرم(118).

المطلب الثالث: العفو يمثل وجهاً من وجوه الضمانات في عقوبة القصاص

والمقصود بهذا المقصد الذي يتحقق بالعفو دون القصاص أنه لا بد في العقوبة – ولا سيما إن كانت بشدة القصاص – من ضمانات تسبغ عليها الشرعية الكاملة بأن تكون ثابتة بأحد المصادر التشريعية على وجه قطعي، وأن لا تتعدى الجاني إلى غيره وهو ما يعرف بشخصية العقوبة، وأن تكون الجريمة ثابتة بوجه ووسيلة معتبرة شرعاً تتمثل في وسائل الإثبات، وهذه الضمانات الآنفة لا يؤثر فيها العفو إيجاباً ولا سلباً(119).

وهناك أمر أخير يندرج في تحقيق مبدأ الضمانات في العقوبات الشديدة ويتمثل في فتح نافذة في تطبيق العقوبة بعد وجوبها تبقي على احتمال إسقاط العقوبة قائماً، وبإعطاء حق العفو لأولياء الدم يتحقق هذا الوجه من وجوه الضمانات في إيقاع العقوبة(120).

وبهذا نجد أن العفو بشروطه المقررة شرعاً يحقق مقاصد شرعية معتبرة دون أن يهدر مقصد الشارع في حفظ النفس بتشريع القصاص، في حين أن أي إخلال بهذه الشروط الشرعية لا بد وأن يعود على مقصد حفظ النفس بالنقض والإبطال.

الخاتمة:

عقب هذه الجولة مع العفو مسقطاً من مسقطات القصاص نتوصل إلى النتائج التالية:

  1. يعتبر العفو من أهم مسقطات القصاص وأخطرها لما فيه من التنازل عن حق أولياء الدم في القصاص دون مقابل، وبالتالي لا يصح أن يصدر من غير أهله الذين أثبت الشارع هذا الحق لهم.
  2. العفو مندوب إليه شرعاً، وقد تضافرت على الترغيب فيه نصوص الكتاب والسنة، فضلاً عن أنه من أسمى خصال الأخلاق الحسنة التي جاءت الشريعة لإتمام مكارمها، وهو أفضل من القصاص ما لم يترتب عليه ظلم أو هضم لحق.
  3. الجهة التي تملك العفو وإسقاط القصاص هي جهة القرابة للمجني عليه التي ترث بالفرض أو التعصيب على تفصيل وخلاف بين العلماء في تقديم بعض الأطراف على البعض الآخر.
  4. لا يجوز العفو عن القصاص والدية نيابة عن الصغير مطلقاً دون مقابل، حتى ولو عفا وليّه، ولا على أقل من الدية؛ لأن ذلك ضرر محض للصغير لا يملكه الولي، واختلفوا في العفو عن القصاص فقط دون الدية نظراً لما هو الأصل للصغير.
  5. الأصل صحة عفو المجني عليه بعد إصابته وقبل وفاته عند الفقهاء، ولكنهم اختلفوا في تفاصيل ذلك حسب نوع الجراحة التي أصيب بها وسرايتها على نفسه بعد ذلك.
  6. الراجح من أقوال أهل العلم أن سراية الجراحة المعفو عنها على النفس لا يسقط شيئاً من الدية ولكنه يدرأ الحد ما لم ينص العافي على العفو عن الجراحة وعن آثارها ونتائجها، وبهذا قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى.
  7. العفو بشروطه وقيوده الشرعية يحقق مقصد الشارع من حفظ النفوس ولا يهدر المصالح الشرعية التي يحققها القصاص، في حين أن إهمال هذه القيود الشرعية يعرّض مقصد حفظ النفس للخطر ويهدر الكثير من المصالح التي شرع الشارع القصاص لحفظها وإقامتها.

وأما التوصيات التي نختم بها بحثنا هذا فهي:

أولاً: أهمية التركيز على مقصد حفظ النفس وإحيائها عند عرض أحكام الشريعة في القصاص، وبيان أن مقصد الشريعة هو إحياء النفوس وليس إعدامها.

ثانياً: التنبيه على خطورة إلغاء القصاص وتوسيع دائرة العفو خارج الأطر الشرعية على أمن المجتمع بأَسْره وتهديد النفوس الآمنة البريئة في سبيل حفظ نفس جانية آثمة تستحق العقوبة.

ثالثاً: تقييد العفو في قوانين العقوبات بالقيود الشرعية للحفاظ على حقوق أولياء الدم بشكل عام، وعلى حقوق الصغار القصّر بشكل خاص، وعدم إهدارها بشكل من الأشكال، وعدم الرضوخ لضغوطات العادات والتقاليد في المجتمعات.

_____________________

  1. انظر في بيان جانبي الحفظ لمقاصد الشريعة من جهة الوجود ومن جهة العدم وتفصيل ذلك: الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي: الموافقات في أصول الشريعة: تحقيق: الشيخ عبد الله دراز: ط/ المكتبة التجارية، 2/8 وما بعدها. والمراد بالحفظ من جانب الوجود: تشريع ما به إيجاد هذه المصالح وتنميتها، والحفظ من جانب العدم: تشريع ما يمنع الاعتداء عليها وإهدارها، والشريعة جاءت بحفظ المصالح الخمس، وشرعت لأجل ذلك ما يضمن حفظ كلٍّ منها من جانبي الوجود والعدم.
  2. البقرة: آية (179).
  3. الفيومي: أحمد بن محمد بن علي: المصباح المنير، مكتبة لبنان، (د ط، د ت) ص106.
  4. ابن منظور: محمد بن مكرم، لسان العرب دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 7/316.
  5. المبارأة: إسقاط ما هو واجب بحكم النكاح في الحال كالخلع. السرخسي: شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل: المبسوط، تحقيق: خليل الميس، دار الفكر، بيروت، لبنان ط1، 6/340.
  6. د. جبر فضيلات: سقوط العقوبات في الفقه الإسلام، دار عمار، ط1/1408هـ - 1987م، 1/53.
  7. العز بن عبد السلام: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلم، قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 72/71، 72، دار المعرفة.
  8. يقصد الإمام العز بهذه العبارة التي رافقت كل الأمثلة التي ساقها عن الإسقاط: إظهار الفرق بين الإسقاط وبين النقل (أي نقل الحقوق) والذي عقد له فصلاً قبل الحديث عن الإسقاط، وجعله على ضربين كذلك: نقل بعوض ونقل بلا عوض وفي كلا النوعين يوجد نقل من ذمة أحد الطرفين للآخر في حين أن الإسقاط لا يوجد فيه نقل فافترقا، والله أعلم. (قواعد الأحكام، 2/69 وما بعدها).
  9. الشيخ محمد أبو زهرة: العقوبة: دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1997م، ص397.
  10. الشربيني: محمد الخطيب الشربيني: مغني المحتاج: الباب الحلبي 4/48. الرملي: محمد بن أحمد بن حمزة: نهاية المحتاج: المكتبة الإسلامية 7/294. وحاشية الشرقاوي على شرح التحرير لشيخ الإسلام الأنصاري: 2/362 (البابي الحلبي). وابن قدامة: موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي: المقنع: مطابع قطر الوطنية، 3/361. والبهوتي: منصور بن يونس بن إدريس: شرح منتهى الإرادات: عالم الكتب، بيروت، ط2، 1416هـ/1996م، 3/279. و د. أحمد الحصري: القصاص، الديات، العصيان المسلح في الفقه الإسلامي: وزارة الأوقاف الأردنية ط2، 1974، 1394، ص542. و د. جمعة براج: العقوبات في الإسلام: دار يافا، ط1، 2000، 1421، ص224.
  11. المرغيناني: علي بن أبي بكر الفرغاني: الهداية شرح بداية المبتدي: تحقيق: محمد عدنان درويش، دار الأرقم، 4/443 حيث صرح بأن الصلح لا يكون إلا برضا القاتل ولا يتصور ذلك عند موته. والكاساني: علاء الدين أبو بكر بن مسعود: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: تحقيق: علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ/1997م، 10/283. وابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار: تحقيق: حسان عبد المنان وغيره، مؤسسة النداء، أبو ظبي، ط4، 1423هـ/2003م، 9/418 وما بعدها. والدردير: أبو البركات أحمد الدردير: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: البابي الحلبي، 4/254. وعبد القادر عودة: التشريع الجنائي مقارناً بالقانون الوضعي، دار الكتاب العربي، بيروت 1/770. و د. الحصري: ص541، 542. و د. براج: ص223.
  12. نقل النووي رحمه الله عن القاضي عياض المالكي قوله: أن قتل القصاص لا يكفر ذنب القاتل بالكلية وإن كفرها بينه وبين الله تعالى كما جاء في الحديث الآخر فهو كفارة له ويبقى حق المقتول والله أعلم. النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف: شرح صحيح مسلم: مؤسسة مناهل العرفان، 11/175. وانظر: الشوكاني: محمد بن علي بن محمد: نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار: دار الجيل، بيروت، 1973م، 7/205 وما بعدها. ونقل صاحب ترشيح المستفيدين عن ابن القيم قوله: والتحقيق أن القاتل يتعلق به ثلاثة حقوق حق لله تعالى وحق للمقتول وحق للولي فإذا أسلم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي ندماً على ما فعل خوفاً من الله تعالى وتوبة نصوحاً سقط حق الله بالتوبة وحق الأولياء بالاستيفاء أو الصلح والعفو وبقي حق المقتول يعوضه عنه يوم القيامة عن عبده التائب ويصلح بينه وبينه. علوي بن أحمد السقاف: ترشيح المستفيدين على فتح المعين بشرح قرة العين للعلامة المليباري، مؤسسة دار العلوم، ص 365.
  13. ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم: الفتاوى الكبرى: ط1، دار الكتب العلمية 1408هـ، 1987م، 3/386.
  14. قاعدة: إذا بطل الأصل يصار إلى البدل: د. محمد الزحيلي: القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي: جامعة الكويت، ط2، 2004م، ص465.
  15. ابن السبكي: تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن السبكي: جمع الجوامع مع شرح المحلى وحاشية العطار وتقريرات الشربيني: دار الكتب العلمية، ط1، 1420هـ - 1999م، 1/137. والشوكاني: محمد علي بن محمد: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: تحقيق: د. شعبان إسماعيل: دار السلام، القاهرة، ط1، 1418هـ - 1998م، 1/53.
  16. العقوبة لأبي زهرة: ص400.
  17. العقوبة: ص408.
  18. العقوبة: ص397، وانظر: ص319 )(قتل أحد الأبوين الآخر).
  19. د. محمد سعيد رمضان البوطي: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية: مؤسسة الرسالة، ط5، 1990م – 1410هـ، ص50، 51، والموافقات: 2/378.
  20. ضوابط المصلحة: ص51.
  21. قواعد الأحكام: 1/141.
  22. ابن منظور، لسان العرب 15/72. الفيومي، المصباح المنير 2/419.
  23. ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت، ط 1399هـ - 1979م، 4/56.
  24. الراغب الأصفهاني: أبو القاسم الحسين بن محمد: المفردات في غريب القرآن، دار المعرفة، ط1، 1998 – 1418، ص574.
  25. سورة الشورة: آية 40.
  26. سورة البقرة: آية 237.
  27. سورة البقرة: آية 52.
  28. سورة التوبة: آية 66.
  29. البقرة: آية 178.
  30. البقرة: آية 286.
  31. الأعراف: آية 95.
  32. ابن العربي: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الإشبيلي: أحكام القرآن، ط دار الكتب العلمية، 1/7 باختصار.
  33. روضة الطالبين: 9/241، ومغني المحتاج: 4/49.
  34. تجدر الإشارة هنا إلى أن أشهب من المالكية قد وافق رأي الحنابلة في موجب القتل العمد كما رأينا من قبل مخالفاً في ذلك باقي المالكية وهو بذلك منسجم تماماً مع اختياره هنا. انظر: القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر: الجامع لأحكام القرآن: تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1384هـ - 1964م، 2/254.
  35. البابرتي: أكمل الدين محمد بن محمود: شرح العناية على الهداية، هامش نتائج الأفكار، لقاضي زادة، تكملة فتح القدير: 8/275، وملا علي القاري: علي بن سلطان الهروي: فتح باب العناية بشرح النقاية: تحقيق: محمد تميم، دار الأرقم، ط1، 1997م – 1418هـ، 3/317.
  36. الاستذكار لابن عبد البر: 9/431، والقرطبي: 2/254، ومحمد علي السايس: تفسير آيات الأحكام: 1/137 (تحقيق: حسن سويدان، دار ابن كثير، ط2، 1996م – 1417هـ)، و د. بهنسي: ص180، 181.
  37. جبر فضيلات، سقوط العقوبات في الفقه الإسلام ص79.
  38. الشرح الكبير للدردير: 4/240، 262، وبدائع الصنائع: 10/288، وفتح باب العناية: 3/315، ونوح علي سلمان: إبراء الذمة من حقوق العباد: دار البشير، ط1، 1986م – 1407هـ، ص375.
  39. الموصلي: عبد الله بن محمود بن مودود: الاختيار لتعليل المختار: (دار البشائر، تصوير، 1996) 3/156.
  40. مغني المحتاج: 4/49، وزين الدين بن عبد العزيز المليباري: فتح المعين مع حاشية إعانة الطالبين للبكري: دار الفكر، تصوير، 4/122.
  41. روضة الطالبين: 9/239، ومغني المحتاج: 4/48.
  42. الاستذكار لابن عبد البر: 9/431، والشرح الكبير للدردير: 4/240.
  43. حاشية الدسوقي: 4/263.
  44. لا بد من الإشارة هنا أن الشافعية قالوا بالصلح، وحينها لا بد من رضا الطرفين فلو لم يقبل الجاني فإن القود لا يسقط على الأصح (مغني المحتاج: 4/49).
  45. روضة الطالبين: 9/239، ومغني المحتاج: 4/49، شرح منتهى الإرادات: 3/279، والروض المربع: ص640، والموسوعة الفقهية الكويتية: 30/176، ووهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته: دار الفكر، ط1، 1984م – 1404هـ، 6/288.
  46. سورة النور: 22.
  47. سورة آل عمران: 133.
  48. سورة الشورى: 40.
  49. سورة التغابن: 14.
  50. سورة الشورى: 37.
  51. رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع: رقم (2588) شرح النووي لمسلم: 16/141.
  52. رواه أحمد في مسنده: الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل: تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ - 2001م، حديث رقم: (1674)، وقال الشيخ شعيب في تعليقه عليه: حسن لغيره 3/208.
  53. رواه أحمد في مسنده: حديث رقم (6541)، وقال الشيخ شعيب في تعليقه عليه: إسناده حسن، 11/99.
  54. رواه أحمد: حديث رقم (13220) وصحح الشيخ شعيب إسناده في تعليقه عليه: 20/437، وأبو داود: سليمان بن الأشعث بن إسحاق: سنن أبي داود، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، كتاب الديات: باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، 4/169، حديث رقم (4497).
  55. الشوكاني: نيل الأوطار: 7/178، والفقه الإسلامي وأدلته: 6/287.
  56. البقرة، آية 178.
  57. العقوبة: ص400.
  58. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/349، والعقوبة: 402، والموسوعة الفقهية الكويتية: 30/174، وسقوط العقوبات 1/181.
  59. العفو وأثره في العقوبات: محمد علي بن طه: ص51.
  60. بدائع الصنائع: 10/285.
  61. شرح منتهى الإرادات: 3/278.
  62. انظر: بدائع الصنائع: 10/287، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/257، وروضة الطالبين: 9/241، والأنوار: 2/404، والروض المربع: 638، والموسوعة الفقهية الكويتية: 30/181.
  63. حاشية البجيرمي على الخطيب: 4/120.
  64. انظر: حاشية الصاوي على الشرح الكبير: 4/358، والهداية للميرغيناني: 2/448، وحاشية البجيرمي على الخطيب: 4/179، والروض المربع: 638.
  65. القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي، د. محمد الزحيلي، ص436.
  66. المرجع السابق: ص438، والعفو وأثره في العقوبات: ص49، 50.
  67. انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/369، وابن السبكي: تاج الدين عبد الوهاب بن علي: الأشباه والنظائر، تحقيق عادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422هـ - 2001م، قاعدة: الإكراه يسقط أثر التصرف فعلاً كان أو قولاً 1/150 د، وابن القيم: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت 4/51، عبد الحسيب عطية: الإكراه وأثره على إرادة المكره، مطبعة الغد، 1422هـ - 2001مـ ص65 وما بعدها.
  68. السرخسي: شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل: المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1414هـ - 1993م، 24/65، والعفو وأثره في العقوبات: ص53.
  69. مغني المحتاج: 4/39، والأنوار: 2/400، والمحرر: 2/264، وفتح باب العناية: 3/337، وتكملة فتح القدير: 265، 266، وبداية المجتهد: 2/636، وحاشية الدسوقي: 4/256، والإفصاح: 2/160ن 161، ونيل الأوطار: 7/149، والعقوبة: ص377، والتشريع الجنائي: 2/140، و د. ماجد أبو رخية: الوجيز في أحكام الحدود والقصاص: ص227 (مكتبة الأقصى، ط1، 1421هـ - 2001م).
  70. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 4/258، والتسولي: علي بن عبد السلام: البهجة في شرح التحفة: 2/616 (دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ - 1998م).
  71. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 4/256.
  72. الشرح الكبير: 4/261، 262.
  73. التسولي: 2/616.
  74. أشار الدسوقي إلى أن مفهوم الكلام يدل على أنه لو عفون كلهن أو أردن القتل لم يكن للإمام نظر، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/261، وهو مفهوم ما نقله صاحب التاج والإكليل من المدونة من أنه لو أسلم رجل ولا تعرف عصبته فقتل عمداً ومات مكانه وترك بنات فلهن القتل فإن عفا بعضهن وطلب بعضهن القصاص نظر السلطان بالاجتهاد في ذلك إن كان عدلاً فإن رأى العفو أو القتل أمضاه. التاج والإكليل: 6/254.
  75. حاشية الدسوقي: 4/261، والتسولي: 2/615، والتاج والإكليل: 6/254.
  76. قال أبو البركات رحمه الله: احتراز عما لو كان الرجال مساوين للنساء فلا كلام لهن (الشرح الكبير: 4/261).
  77. الدسوقي: 4/261. وسبب التفريق بين القسامة وغيرها هو أنه لا قسامة للنساء في القتل العمد وعندها تكون القسامة لغيرهن من الرجال مما اقتضى التفريق بين ثبوت القتل بالقسامة أو بغيرها لما في القسامة من كلام للرجال.
  78. حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير: 4/258، 261، والتسولي: 2/616.
  79. الشرح الكبير: 4/258، 259، والمواق" 6/252، والبدائع: 10/286، والاختيار: 3/161، ومغني المحتاج: 4/40، وشرح منتهى الإرادات: 3/271.
  80. يقول الدردير في الشرح الصغير: "لو حصل عفو من كبير معه صغير فليس للصغير إلا نصيبه من الدية، ولا يسري عفو الكبير عليه". حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 4/362، وبهذا يتضح بجلاء بطلان بل وحرمة ما يقوم به الكثيرون من أبناء هذا الزمان من العفو عن الجاني دون مقابل بإسقاط حق المستحقين ممن يكون بينهم صغار قصّر باسم الكرم والإحسان وغيرهما من المظاهر الفارغة، وهذا جور فاحش للصغار وهضم صريح لحقوق الضعفاء وأكل لأموال الأيتام القصر وحقوقهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
  81. الشرح الكبير: 4/258، 259، والمواق: 6/252، والبدائع: 10/286، والاختيار: 3/161، ومغني المحتاج: 4/40، وشرح منتهى الإرادات: 3/271.
  82. الشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوي عليه: 4/362.
  83. مغني المحتاج: 4/40، ونهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي: 7/284، وحاشية القليوبي على شرح المحلى لمنهاج النووي: 4/122 (مطبعة محمد صبيح)، والمحرر: 2/263، وشرح منتهى الإرادات: 3/271، ومعجم الفقه الحنبلي: 2/787، والمقنع: 3/352.
  84. المحرر: 2/263، وشرح منتهى الإرادات: 3/271، والمرداوي: علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1419هـ، 9/355.
  85. حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 4/366، والهداية للميرغيناني: 2/454، وروضة الطالبين: 9/239، وفتح باب العناية: 3/336، والمحرر: 2/264، وشرح منتهى الإرادات: 3/273، 273، والتشريع الجنائي: 1/550، والموسوعة الفقهية الكويتية: 30/177.
  86. حاشية الصاوي: 4/367، وبدائع الصنائع: 10/288، وروضة الطالبين: 9/216، والروض المربع: 640، وفرقوا بين أن يكون عالماً بالعفو أو غير عالم به وبين أن يكون عالماً بالتحريم أو غير عالم به كذلك (الوجيز في أحكام الحدود والقصاص: ص258)، وللمالكية تفصيل فيمن يسقط بعفوه القصاص وقد سبق بيانه عند تفصيل مذهبهم في الأولياء الذين يملكون العفو.
  87. روضة الطالبين: 9/218.
  88. حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 3/421، وروضة الطالبين: 9/159، وحاشية البجيرمي على الخطيب: 4/128، والفتاوى الكبرى لابن تيمية: 4/596.
  89. بدائع الصنائع: 10/289، والعقوبة: ص406.
  90. الموسوعة الفقهية الكويتية: 30/178.
  91. من الصور المشابهة رضا المجني عليه بالقتل وقد تكلم عنها الأستاذ المرحوم عبد القادر عودة بتفصيل والرضا لا يبيح الجريمة ابتداء (التشريع الجنائي: 2/83).
  92. بدائع الصنائع: 10/291، والتشريع الجنائي: 2/163.
  93. لا بعد جرحه فقط.
  94. الاستذكار لابن عبد البر: 9/427، والشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي: 4/240، والشرح الصغير: 4/335، وبداية المجتهد: 2/637، والموسوعة الفقهية الكويتية: 30/177، والعقوبة: ص404.
  95. مغني المحتاج: 4/50، وحاشية الباجوري: 2/207.
  96. شرح منتهى الإرادات: 3/280، والمحرر: 2/269، والمقنع وحاشيته: 3/363.
  97. الاستذكار لابن عبد البر: 9/430، والشرح الكبير للدردير: 4/264، 265.
  98. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 3/318، 319، 4/264، والمواق: 6/255، ومواهب الجليل: 6/255.
  99. الشرح الكبير مع الدسوقي: 3/319، والتسولي: 2/642، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير: 3/422.
  100. بدائع الصنائع: 10/292، والاختيار: 3/165، ومغني المحتاج: 4/51، ونهاية المحتاج: 7/296، 297، وشرح المحلي مع حاشية القليوبي: 4/127، والأنوار مع حاشية إبراهيم عليه: يوسف الأردبيلي: الأنوار لأعمال الأبرار: 2/404، ط البابي الحلبي، القاهرة، 197، 1390، والروض المربع: ص641، والتشريع الجنائي: 2/165، و د. الحصري: ص556.
  101. العناية: 8/284، 285، وبدائع الصنائع: 10/292، والاختيار: 3/165.
  102. العناية: 8/284، 285، وبدائع الصنائع: 10/292، والاختيار: 3/165، وروضة الطالبين: 9/243، والمحرر: 2/269، وشرح المنتهى: 3/280، والمقنع: 3/362، والموسوعة الفقهية الكويتية: 30/179، والوجيز: ص259، والتشريع الجنائي/: 2/164، و د. الحصري: ص553.
  103. روضة الطالبين: 9/243، والروض المربع: ص641.
  104. روضة الطالبين: 6/246، وشرح المنتهى: 3/280، والمحرر: 2/269، ومعجم الفقه الحنبلي: 2/806، والتشريع الجنائي: 2/165.
  105. مقاصد الشريعة لابن عاشور:
  106. فلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي عرض وموازنة: ص73.
  107. القواعد الكبرى: 1/18.
  108. البقرة: آية 179.
  109. القواعد الكبرى: 1/157.
  110. حجة الله البالغة للدهلوي: 2/154.
  111. فلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي: ص75.
  112. انظر: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية: د. العالم: ص308. وفي هذا يقول ابن القسم رحمه الله: "وقد نبه تعالى على ذلك بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وفي ضمن هذا الخطاب ما هو كالجواب لسؤال مقدر أن إعدام هذه البنية الشريفة وإيلام هذه النفس وإعدامها في مقابلة إعداد المقتول تكثير لمفسدة القتل فلأية حكمة صدر هذا ممن وسعت رحمته كل شيء وبهرت حكمته العقول فتضمن الخطاب جواب ذلك بقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وذلك لأن القاتل إذا توهم أنه يقتل قصاصاً بمن قتله كف عن القتل وارتدع وآثر حب حياته ونفسه فكان فيه حياة له ولمن أراد قتله ومن وجه آخر، وهو أنهم كانوا إذا قتل الرجل من عشيرتهم وقبيلتهم قتلوا به كل من وجدوه من عشيرة القاتل وحيه وقبيلته وكان في ذلك من الفساد والهلاك ما يعم ضرره وتشتد مؤنته فشرع الله تعالى القصاص وأن لا يقتل بالمقتول غير قاتله ففي ذلك حياة عشيرته وحيه وأقاربه ولم تكن الحياة في القصاص من حيث إنه قتل بل من حيث كونه قصاصاً يؤخذ القاتل وحده بالمقتول لا غيره، فتضمن القصاص الحياة في الوجهين". مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة: 2/96، ط دار الكتب العلمية.
  113. التشريع الجنائي لعبد القادر عودة: 1/497، ط الكتب العلمية، وعقوبة الإعداد وموقف التشريع الإسلامي منها: ص50.
  114. رواه البخاري: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي: الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، بيروت، ط3، 1407هـ - 1987م، كتاب التفسير، سورة الفتح، 4/1831، رقم (4558).
  115. قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 2/317، ط. دار القلم.
  116. عقوبة الإعدام وموقف التشريع الإسلامي منها: ص49.
  117. نظرات في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية لعبد الكريم زيدان: ص328.
  118. نظرات في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية: ص160.
  119. انظر هذه الضمانات وتفصيلها في: عقوبة الإعدام وموقف التشريع الإسلامي منها: ص180، 181.
  120. المرجع السابق: ص181.